شركات استثمارية حكومية وخاصة، تتعامل بالدولار والعملات الأجنبية.. والجنيه يواصل الهبوط.. والاقتصاد المصرى ينزف حيث وصل حجم الدين الخارجى ل 48 مليار دولار.. وعجز الموازنة قفز إلى مليار جنيه.. وتراجع احتياطى النقد الأجنبى ل 16 ملياراً و100 مليون دولار.. هذه الأرقام المفزعة تؤكد أننا مقبلون على كارثة اقتصادية حقيقية، فى ظل ندرة الإنتاج وانفلات الأسعار وزيادة الاستيراد من الخارج، فى مقابل قلة المعروض من الدولار الأمريكى، ويعتبرها البعض أهم الأسباب التى وراء الأزمة الحالية، التى تطارد المصنعين والمستوردين، نتيجة الصعوبات التى تواجه الاعتمادات بالبنوك، فى ضوء الإجراءات الاحترازية التى اتخذها البنك المركزى لمكافحة السوق السوداء، مما يستلزم مراجعة السياسات النقدية، ووضع استراتيجية اقتصادية متوازنة، يمكنها تحسين آليات دعم السلع والخدمات لترشيد الإنفاق الحكومى، وزيادة الجمارك على السلع غير الضرورية، وتشجيع الاستثمار والتشغيل فى مختلف المجالات. ويبدو السؤال جوهرياً: متى يخرج الجنيه المصرى من غرفة الإنعاش.. وما مسئولية الشركات الوطنية فى إنقاذ العملة الوطنية؟ المتابع لتطور قيمة الدولار الأمريكى، أمام الجنيه المصرى، يلحظ انهيار قيمة الجنيه أمام العملة الأمريكية، حيث واصلت أسعار الدولار قفزاتها للمرة العاشرة فى السوق المصرفى خلال العام الحالى، لتصل حالياً إلى 842 قروشاً بالصرافة و 803 قروش بالبنوك. وتأتي إيرادات قناة السويس التى تبلغ 8 مليارات دولار سنوياً في مقدمة مصادر الدولار ثم تأتى إيرادات السياحة فى المرتبة الثانية والتى تراجعت بشكل ملحوظ لتبلغ 7.3 مليار جنيه، أما تحويلات المصريين بالخارج فتحتل المرتبة الثالثة لتسجل 18 مليار دولار سنوياً. ووفقاً لأحدث تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء، نجد أن قيمة الصادرات المصرية غير البترولية منذ بداية العام الحالى وحتى نهاية مايو الماضى بلغت 8 مليارات دولار مقابل 10 مليارات دولار خلال الفترة المناظرة من العام الماضى. كما انخفضت صادرات المجلس التصديرى للحاصلات الزراعية بنحو 21% لتسجل 224 مليون دولار مقارنة ب 282 مليون دولار فى مايو 2014. وكذلك تراجعت صادرات قطاع الصناعات الغذائية بنحو 20% خلال شهر مايو الماضى لتبلغ 251 مليون دولار مقارنة ب 316 مليون دولار. وانخفاض صادرات المجلس التصديرى للصناعات الطبية والدوائية بنحو 30% لتبلغ 32 مليون دولار مقارنة ب 46 مليون دولار خلال نفس الشهر من العام الماضى. كما تراجعت صادرات الملابس الجاهزة بنحو 7% مسجلة نحو 107 ملايين دولار مقارنة ب 115 مليون دولار، وأيضاً صادرات المجلس التصديرى للصناعات الهندسية تراجعت خلال شهر مايو الماضى بنحو 9% ليبلغ 259 مليون دولار مقارنة ب 285 مليون دولار. وكذلك انخفاض صادرات المجلس التصديرى لمواد البناء بنحو 32% لتبلغ 252 مليون دولار مقابل 369 مليون دولار خلال نفس الشهر من العام السابق له. كما أكدت الهيئة المصرية العامة للبترول أن استهلاك مصر من الغاز الطبيعى المسال (2015 – 2016) وصل 3.55 مليار دولار. أما عن حجم استهلاك مصر من الأدوية فقد وصل إلى 4 مليارات دولار سنوياً، حسبما صرح الدكتور جلال غراب رئيس الشركة القابضة للأدوية الأسبق. ووفقاً للتصريحات التى خرجت على لسان المهندس مروان السماك، رئيس جمعية رجال أعمال الاسكندرية، بأهمية إلغاء قرارات الشركات المتعاملة فى نشاط تداول الحاويات والبضائع المصرية بالرسوم الدولارية، استناداً إلى مراعاة توجه الدولة لتشجيع الاستثمار ودور وزارة الاستثمار فى تهيئة مناخ الأعمال، بما يحقق المصلحة الوطنية، ومنها شركة الإسكندرية لتداول الحاويات والبضائع – التابعة لوزارة الاستثمار – التى تقوم بتحصيل مقابل خدمات تداول الحاويات والشحن والتفريغ بالدولار الامريكى، بدلاً من الجنيه المصرى. حلول الأزمة الدكتور شريف دلاور، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، أكد أن ارتفاع سعر الدولار يثبت فشل سياسات المجموعة الاقتصادية الوزارية فى إدارة السياسة النقدية. وعن كيفية حماية الاقتصاد المصرى من ظاهرة استغلال العملة الدولارية من الناحية القانونية، قال: لابد أن تتبع الحكومة الحالية سياسة اقتصادية متوازنة، بداية من تفعيل قرار فرض الضرائب على المعاملات المالية بالبورصة، حتى لا تصبح البورصة المصرية مضاربات وليس بورصة استثمار، بحيث تصب فى خدمة الاقتصاد المصرى، وعدم تحصيل أى سلعة أو خدمة بداخل مصر بغير الجنيه المصرى، مثلما يجرى العمل به فى مختلف دول العالم وفقاً للمادة (111) من قانون البنوك رقم 88 لسنة 2003، وإعادة هيكلة الصناعة المحلية بحيث تصبح المدخلات المحلية المكونة للصناعة المصرية أكثر بكثير من مدخلات الاستيراد، هو ما يتطلب إلزام جميع السلاسل التجارية بأن تكون نسبة مبيعاتها سنوياً 70% من المنتجات المحلية .. بهذه الخطوات يمكننا استعادة قيمة الجنيه المصرى المفقود، وحماية المستثمرين المصريين من حرب السوق السوداء بشكل كبير خلال الفترة القادمة. مؤكداً أن نسبة بيع الشركات الكبرى فى مصر تصل 80% من المنتجات المستوردة. وشدد الدكتور «دلاور» على أهمية فرض رقابة صارمة على تفعيل القانون على أرض الواقع للالتزام باستخدام الجنيه المصرى فى التعاملات التجارية الداخلية، وإعادة النظر فى ربط الاقتصاد المصرى بالاقتصاديات الأجنبية، من خلال عملاتها المختلفة، تحت قيادة وزير الاقتصاد المصرى، لأن انخفاض معامل ربط العملة المحلية بالدولار، سبب تضخم فاتورة الاستيراد، بالإضافة إلى تشجيع شركات السياحة على اكتساب العملات الأجنبية وتأجيج المنافسة من خلال اعطائها الحوافز والمزايا والتسهيلات التى من شأنها تحقيق التوازن فى ميزان المدفوعات، وكذلك إعطاء الحوافز للمصريين العاملين بالخارج عند كل تحويل نقدى تصل نسبته ل 15% بعد تحويلها، بخلاف إلغاء دعم البنزين 90 و 92، وهو سيوفر للدولة نحو 5 مليارات جنيه سنوياً، والإبقاء على السولار والمازوت وبنزين 80، والارتقاء بموارد الدولة السيادية مثل قطاعات السياحة والفنادق والخدمات البترولية والشحن والتأمين، وجذب استثمارات أجنبية جديدة، وعلى التوازى مطلوب إضافة قيمة 12 مليار دولار، لإنقاذ الاقتصاد المصرى. مؤكداً أن الإفلاس غير وارد حدوثه فى مصر، لأنه بمجرد استكمال آخر استحقاق لخارطة الطريق، مع الاستقرار الأمنى والسياسى للوطن، سوف يحقق الانتعاش لمصر اقتصادياً من ناحية تشغيل المصانع والإنتاج وعودة السياحة، وبالتالى سوف يستعيد الجنيه المصرى قيمته، ويزيد أيضاً الاحتياطى النقدى الأجنبى مرة أخرى. مطلوب قرارات شجاعة أما الدكتور فرج عبد الفتاح، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة : فيرى أنه يجب على الحكومة أن يكون لديها رؤية متكاملة لانتشال مصر من أزمتها الاقتصادية، الناتجة من عوامل كثيرة هى ضعف الإنتاج وارتفاع الأسعار وزيادة الاستيراد وتفاقم البطالة والفقر. وأضاف: أسعار صرف الدولار فى ارتفاع غير ملحوظ أمام الجنيه المصرى، مما يؤدى لارتفاعات متزايدة فى الأسعار، وإحداث أزمات وسوق سوداء، ويحدث عنها نقص السيولة، وبالتالى صعوبة فى التداول النقدى لحركة البيع والشراء، ومن ثم ترفع الأسعار مقابل انخفاض قيمة الجنيه المصرى. وطالب الدكتور «عبد الفتاح» بتطبيق بنود القوانين التى تحارب الاستغلال، وتحدد الأسس الواجب اتباعها للشركات الاستثمارية بمختلف مجالاتها، حتى لا تتحكم فى أسعار المنتجات والخدمات كيفما شاءت، والتركيز على تحسين مناخ الإنتاج لدعم الصادرات المصرية وتحقيق الاكتفاء الذاتى من السلع الاساسية، وتقليل الاستيراد. وأوضح الدكتور «عبد الفتاح» أن خطوة تطبيق العقوبات على المخالفين لقوانين البنوك والاستثمار، تعتبر أملاً مكملاً يساعد على إنهاء الطلبات المتزايدة على الدولار والعملات الأجنبية، بجانب تقليل حجم الاستيراد للمنتجات التى ليست لها أولوية داخل السوق، بشكل يقلص الضغط على الميزان التجارى ويخفض العجز الذى يعانى منه بصفة مستمرة.