يعد قطاع البترول من أكبر القطاعات التي تعتمد في وظائفها علي الوساطة والمحسوبية، فالوظائف محجوزة مسبقاً لأبناء رؤساء مجالس الإدارة والمديرين والمسئولين والكبار وغيرهم سواء داخل الشركات أو خارجها. ويؤكد كثيرون أن الوظائف يتم شراؤها بآلاف الجنيهات، وعلي الرغم من علم الحكومات المتعاقبة بحقيقة الأوضاع فإنها لم تسع لوقف تلك المهازل التي قضت علي مبادئ تكافؤ الفرص، وأصبح توريث الوظائف داخل هذا القطاع هو السمة السائدة في المجتمع، لتظل المحسوبية هي الباب الخلفي للالتحاق بوظيفة مرموقة، ولا عزاء للمتفوقين وأصحاب المؤهلات العليا. التقينا بأحد العاملين السابقين بشركة بترول والذي طلب عدم ذكر اسمه وكان يعمل بإحدى الشركات الكبري، وهو الآن بالمعاش، حيث أكد أن الوساطة هي المفتاح السحرى لدخول تلك الشركات، فطوال السنوات الماضية كان أصحاب المناصب يستغلون مناصبهم لتعيين أقاربهم وأبنائهم في أي شركة تابعة لشركات البترول بحكم علاقاتهم. ويتابع: عندما كنت أعمل بالشركة قام أحد المهندسين عقب ترقيته لمنصب مدير عام ويدعي (م.ج) بتعيين اثنين من أبنائه بالشركة، واحد منهم في قسم المحاسبة، والآخر بقسم العلاقات العامة، وذلك قبل إحالته للمعاش بعامين، وهناك أيضاً (م. ن) الذي قام بتعيين اثنين من أبنائه بحكم وظيفته، حيث كان يعمل مديراً بقسم التسويق، أما مدير الشئون الاجتماعية والذي يدعي (ح.أ) فقد استغل الأمر أيضاً، وقام بتعيين زوجته في قسم العلاقات العامة بنفس الشركة، ولم يكتف بذلك، بل قام بتعيين أختها أيضاً، و3 من أبنائه منهم ابنة كانت بالمرحلة الثانوية، ولم تكن قد انتهت من دراستها، فقام بحجز وظيفة لها بالشركة، وعندما حصلت علي الثانوية العامة كانت تعمل وقتها كموظفة بالشركة، وهكذا كانت الأمور تسير في شركات البترول، فمديرو الإدارات العمومية لهم حق تعيين أبنائهم وأقاربهم ونادراً ما يتم تعيين أبناء العاملين حتي إن موظفة بالشئون الإدارية قامت بتعيين شقيقها بالأمن وهذا الأمر كان متاحاً لأنها وظيفة لا تحتاج لمؤهلات محددة. ويتابع قائلاً: كانت هناك طريقة أخرى للالتحاق بالعمل في شركات البترول، فمن لا يملك العمل بالشركة عن طريق الوساطة كان هناك باب خلفي يمكن من خلاله الوصول للوظيفة وذلك عن طريق دفع مبلغ مالى كبير، وكانت تلك العملية تتم عن طريق أحد أعضاء نقابة البترول، ليكون وسيطاً في بيع الوظيفة، وكان الأمر في حينه لا يتم من خلاله اشتراط حصول المتقدم للوظيفة علي مؤهل عال، أما من جاءوا عن طريق الإعلانات التي كان يتم نشرها بالصحف القومية، فعددهم قليل جداً، حيث كان يتم نشر الإعلان بعد قبول وتعيين أقاربهم وذلك حفظاً لماء الوجه وتتم تعيينات أبناء العاملين عن طريق تحرير عقود لهم للعمل باليومية أو بمنحهم مكافآت تحت مسمي التدريب لمدة معينة، ثم يتم بعدها عمل عقود دائمة لهم، وهكذا كانت الوساطة والمحسوبية والتوريث هى طريق الدخول لشركات البترول في عهد الرئيس مبارك، أما أصحاب المؤهلات العليا والمتفوقون ممن لهم الحق في الالتحاق بتلك الوظائف، فلم تتح لهم الفرصة. ويضيف المصدر: إنه تم في عهد أحد رؤساء مجلس الإدارة تعيين عدد كبير من لاعبي كرة اليد ولاعبي كرة القدم في شركات البترول رغم أنهم غير متفرغين للعمل بالشركة، وظلت الأوضاع كما هي حتي مجيء ثورة 25 يناير ووقتها توقفت التعيينات نظراً لما جرت به مصر من أوضاع سيئة، ثم عادت مرة أخري في عهد المعزول محمد مرسى، حيث دخل شركات البترول عدد كبير جداً من الإخوان حتي إن أحد رؤساء مجلس الإدارة ويدعي «ي. ش» قام بتعيين عدد أقاربه، منهم زوج ابنته، والمضحك المبكى أنه تم نشر إعلان وهمي في الصحف بعد أن تمت عملية التعيين بصورة فعلية، أما الآن وبعد ثورة 30 يونية، الأوضاع غير مستقرة، وتم غلق باب التعيينات حتي الآن. تفعيل الرقابة الدكتور صلاح الدسوقى، مدير المركز العربى للإدارة والتنمية، يقول: استشرى الفساد في عهد الرئيس مبارك، حيث شهدت مصر نظاماً لا يتسم بالنزاهة أو العدالة وتمكن عناصر الحزب الوطنى من الاستحواذ على المزايا للأقارب والمحاسيب، وسارت القيادات الوسطى في الدولة في عهد مبارك علي نفس الطريقة، ووجد الموظفون بالجهاز الإداري بالدولة أنفسهم أمام نظام فاسد فأفسدهم، وشاع الفساد في جميع أرجاء المجتمع، وأصبح الحصول علي وظيفة في أي مكان مرموق يأتي عن طريق الوساطة، مما يضيع الفرصة علي الكثيرين في الالتحاق بالوظيفة التي يستحقها، لذا أصبح الحل الوحيد أمامنا الآن لإصلاح تلك الأوضاع الفاسدة المتراكمة هو التنمية لخلق وظائف كافية للخريجين حتي نتمكن من غلق باب الوساطة، كما يجب تفعيل دور الرقابة الإدارية، وتطهير جميع الأجهزة الإدارية من القيادات الفاسدة، ووضع نموذج للنزاهة من خلال حزمة تشريعات يمكن من خلالها وضع عقوبة صارمة علي المرتشين، وضرورة اختيار القيادات بدقة حتي نحقق مبدأ العدالة الاجتماعية. ثقافة مجتمع الدكتور عبدالمطلب عبدالحميد، أستاذ الاقتصاد وإدارة الأعمال بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، يؤكد أن الوساطة والمحسوبية هي بمثابة الموروثات في المجتمع المصري، فقد كان جزء من أهداف ثورة 23 يوليو هو القضاء علي المحسوبية، وقد حاول الرئيس جمال عبدالناصر القضاء عليها من خلال الاعتماد علي مبدأ تكافؤ الفرص، وبالفعل بدأت الدولة وقتها في توظيف الخريجين وتم فتح الباب أمام الكثيرين للالتحاق بالوظائف من خلال وضع معايير للتعيينات، بحيث يحصل علي الوظيفة كل من يستحقها، وطبقاً للمؤهل الدراسي، واتجهت ثقافة المجتمع وقتها لتعيين ذوي المؤهلات، إلا أنه بمجىء الرئيس أنور السادات بدأ عصر الانفتاح الاقتصادى، وتغيرت الأوضاع على نطاق واسع وظهرت الوساطة والمحسوبية إلي أن تم ترسيخ قواعد الفساد في عهد الرئيس مبارك. فاعتمد النظام علي مبدأ «انت ابن مين في مصر» ووصل الأمر إلي تحكم أعضاء مجلس الشعب في تعيين الشباب مقابل دفع مبالغ مالية حسب كل وظيفة، وأصبحت الوظائف تباع بالتسعيرة، وهكذا تخلت الحكومة عن تعيين الخريجين، وأصبحت الوساطة هي الباب الرئيسى للتعيين، وأكد أنه بالرغم من قيامها بثورتين تم خلالها رفع شعار تحقيق العدالة الاجتماعية، فإن الأوضاع لم تتغير، ولم يتطرق أحد لمعالجة تلك الظاهرة لعدم وجود استراتيجية واضحة لإنهائها، لذا يري الدكتور عبدالمطلب أن الأمر سيحتاج لبعض الوقت حتي يتم وضع منظومة استراتيجية ذات آليات محددة، للقضاء علي الوساطة، مع ضرورة تنمية الوعى لدي المواطنين بتعميق مبادئ العدالة الاجتماعية وتنمية مهارات الشباب، لأن الكفاءة هي معيار الالتحاق بالوظيفة، فضلاً عن ضرورة تدخل الحكومة للقضاء علي الفجوة الموجودة بين احتياجات سوق العمل، ومؤهلات الخريجين، حتي نتمكن من القضاء علي البطالة، فنحن الآن في مرحلة جديدة، ونسير في طريق التنمية المأمول من أجل اجتياز العقبات التي تواجهنا منذ عقود.