انحنى أحد نواب مجلس الشعب فى القاعة وتبين أنه كان يحاول خلع حذائه لقذفه فى وجه أحد قيادات الحزب الوطنى عندما احتدم النقاش حول مشروع الموازنة العامة للدولة الذى أحيل إلى المجلس من الحكومة، وتدخل النواب لتهدئة الأطراف التى انحاز بعضها إلى النائب وبعضها إلى قيادى الحزب الوطنى الذى كان يتولى ملف الموازنة، وحصل النائب أبو حذاء على عقاب من لجنة القيم، هو حاليًا هارب خارج البلاد. رغم المناقشات الحادة التى كانت تتم فى مجلس الشعب حول الموازنة العامة للسنة الجديدة أو الحساب الختامى للموازنة السابقة إلا أن الحكومة كانت تفعل ما تريد وحكمها هو الذى يمشى وكانت الموازنة يتم اعداد مكوناتها فى مكتب بطرس غالى بوزارة المالية وتتم تسويتها فى مكتب أحمد عز بمجلس الشعب بصفته رئيسًا للجنة الخطة والموازنة المسئولة عن اعداد تقرير الموازنة وتقدم وجبة شهية فى قاعة المجلس وتتم مناقشات وجدل وخناقات واضافات وحذف وينتهى الأمر بالاستجابة لكل طلبات الحكومة. وكان غالى يعد الطبخة مع عز ويحضر رئيس جهاز المحاسبات فى ذلك الوقت (الملط) يدافع عن المال العام ويصرخ بأعلى صوته بأنه لديه تعليمات من السيد الرئيس بكشف المستخبى ولن يتستر على فساد ولا يسمح بالانفاق الحكومى الترفى، ويدخل رئيس جهاز المحاسبات فى صدام مع وزير المالية الذى هو غالى، ويحدد رئيس جهاز المحاسبات مبلغًا بالمليارات بأنه تجاوز فى الانفاق الحكومى، ويدخل فى خناقة مع وزير المالية، ويطلب من رئيس مجلس الشعب حمايته من تهور الحكومة عليه وانحياز عز لها، وعدم تقديره لمهام منصبه الذى يفرض عليه أن يعلن ما يمليه عليه ضميره، ويعترض عز ويتهم رئيس جهاز المحاسبات بأنه تجاوز حدود وظيفته ويقول رئيس جهاز المحاسبات انه سيلجأ إلى الرئيس، وكلمة من هنا على كلمة من هناك ويتم الاعلان أن المجلس أقر على الموازنة كما وقع على علاوة اجتماعية للعاملين بالدولة نسبتها 10٪ من آخر مرتب، ومرة كان غالى يريد جعلها 5٪ بحجة عجز الموازنة، وتدخل مبارك لرفعها إلى 10٪ وهتف الشعب عاش الرئيس على حسن سلوكه فى الوقت الذى كان غالى معتمد عدة مليارات من أموال الشعب لانتخابات نواب الحزب الوطنى بموافقة مبارك، شخصيًا بخلاف الهبر الذى كان يذهب إلى تجديد القصور والاستراحات. وبنفس الطريقة كانت تتم مناقشة تقارير جهاز المحاسبات، كان الجهاز يتبع مجلس الشعب، ويصدق المجلس على تعيين رئيسه، وكان رئيس المجلس يوقع أجازات رئيس الجهاز ويأخذه غيابًا إن شاء، واستقل الجهاز واصبح يتبع رئاسة الجمهورية، وكانت التقارير إياها لا تذهب إلى مجلس الشعب وإن ذهبت لا تناقش، وكان المجلس يطرح تقارير هزيلة مثل مخالفات فى دار ايتام، أو جمعية أهلية وتجاوزات لا تتعدى عدة آلاف من الجهات وكانت التقارير يتم تمريرها بالموافقة بعد اتفاق الجهة التى تتبادل التقرير مع جهاز المحاسبات على تسوية المخالفات، أما التقارير السمينة فكانت تدخل الثلاجة. تذكرت الطريقة التى كانت تتم فى الرقابة البرلمانية على المال العام وأنا استمع من رئيس جهاز المحاسبات بأن وزارة الداخلية وافقت للجهاز على مراجعة مرتبات الوزارة فى اطار محاولات تطبيق الحد الأدنى والأقصى، الذى ورد فى الدستور ولكن تبين أن هناك جهات فوق الدستور رغم أن رئيس الجمهورية طبق الحد الأقصى على نفسه، كما تذكرت ما يجرى فى وزارة المالية من اعداد للموازنة العامة الجديدة التى لم تخضع للرقابة البرلمانية منذ حوالى 4 سنوات لعدم وجود برلمان. ربما تعرف حجم الموازنة وحجم العجز ولكن لا نعرف شيئًا عن الحسابات الختامية السابقة. البرلمان لم يكن يغير شيئًا مما كانت تعتمده الحكومة لكن على الأقل كان فيه شد وجذب ومناقشات وخلافات، وكان الرأى العام يعرف رأسه من رجليه ويتابع ما يدور من مناقشات حول جرائم الفساد المالى كان هناك زواج بين المال والسلطة وبين الحكومة والبرلمان وعلاقات فى السر. وجود برلمان ضرورة وتأخيره أكثر من ذلك يزيد من مساحة البيئة الخصبة للفساد.