أنشيء الجهاز المركزي للمحاسبات كجهاز تابع لمجلس الشعب لمعاونته في الشق الرقابي علي الحكومة، كان الجهاز حتي عام 2008 يتبع المجلس تبعية كاملة، يصدق المجلس علي تعيين رئيسه بعد ترشيح رئيس الجمهورية له، ويعتمد موازنته إيراداً ومصروفات، ويشرف علي لائحته التنظيمية، وكان رئيس مجلس الشعب يعرف كل كبيرة وصغيرة عن كل ما يدور داخل الجهاز من اجازات رئيسه وسفره وترحاله، وتصرفات أصغر موظف فيه، وكان المجلس يتلقي صوراً من جميع التقارير السنوية التي يصدرها الجهاز وإحالتها إلي اللجان المختصة لاعداد تقارير عنها تناقش في الجلسة العامة. كما كان يناقش المجلس تقريراً سنوياً يلقيه رئيس الجهاز عما تكشف للجهاز أثناء متابعته لتنفيذ الخطة العامة والموازنة العامة للدولة من قصور أو نقص أو انحراف في تحقيق أهدافها. كما يستطيع المجلس تكليف الجهاز بإعداد تقارير عن أي عمل أو نشاط للمصالح الإدارية والمنظمات الخاضعة لاشراف الدولة والمشروعات التي تسهم فيها الدولة، كما كانت المجلس يخفي أحيانا التقارير المهمة التي يحيلها إليه الجهاز فيما يعرف ب«الثلاجة» خاصة إذا كانت تمس أسماء قريبة من الرئاسة سواء كانت شخصيات أو أسماء معنوية.،وكان الجهاز يسرب أحياناً تقارير مهمة إلي الصحف لفضح الفاسدين لتأكده من عدم مناقشتها تحت قبة البرلمان. وفجأة وبعد عام 2008 وبعد ظهور أحمد عز أو مع تنامي نفوذه وسيطرته علي لجنة الخطة والموازنة بالمجلس اتفق مع بطرس غالي وزير المالية علي قصقصة ريش جهاز المحاسبات وتم تعديل قانونه، وأصبح يتبع رئاسة الجمهورية وفقد مجلس الشعب سيطرته عليه لا يعرف شيئاً عن موازنته ولا مصروفاته ولا مرتبات موظفيه ورئيسه ولا لائحته وليس له سلطة علي تعيين رئيسه، واستمر اختصاص مجلس الشعب في تكليف الجهاز بإعداد التقارير المطلوبة، كما استمر التزام الجهاز بإرسال تقاريره إلي المجلس ولكن التقارير المضروبة التي لا تتعدي الأجهزة الفقيرة. وتولي الدكتور جودت الملط رئاسة الجهاز، وشهد المجلس في عهده مباريات كلامية بينه وبين الدكتور يوسف بطرس غالي وزير المالية حول ملاحظات الجهاز علي الحساب الختامي لموازنة الدولة، وكانت مواجهات شديدة اللهجة تقع بين عز والملط ويتهم عز رئيس الجهاز بتجاوز حدود اختصاصه عندما ينتقد الحكومة ويصر رئيس الجهاز علي ان من حقه نقد الحكومة، وأن مبارك موافق علي دوره في كشف التجاوزات الحكومية، وفي النهاية ينتهي النقاش إلي لا شيء وأحياناً ينتهي إلي توصيات لا تعمل بها الحكومة ويشتكي «الملط» لرئيس مجلس الشعب في ذلك الوقت الدكتور فتحي سرور، وأحياناً يجامله سرور ليسخنه علي الحكومة وخاصة وزير المالية بطرس غالي أو علي أحمد عز الذي بلغ نفوذه حد تدخله في إدارة المجلس، وضاعت خلال هذه الفترة علي الدولة مليارات الجنيهات لعدم جدية المحاسبة بسبب سيطرة الحكومة علي جهاز المحاسبات وسيطرة الحزب الوطني علي مجلس الشعب. وتقاعد الملط وهرب غالي بعد سقوط نظام مبارك ولم يختبر المستشار هشام جنينة رئيس جهاز المحاسبات الحالي الذي عينه الرئيس المعزول محمد مرسي لعدم وجود برلمان يحيل إليه تقاريره ولعدم استقرار الحكومة، وسعي الإخوان من خلال دستور 2012 المعطل إلي تقليص دور الجهاز المركزي للمحاسبات، وأضافوا مادة إلي الدستور لانشاء مفوضية لمكافحة الفساد ومعالجة تضارب المصالح ونشر قيم النزاهة والشفافية، ويتولي جهاز المحاسبات الرقابة علي أموال الدولة. ولم يتم انشاء المفوضية وتم تعطيل دستور الإخوان وتجدد الحديث حالياً داخل لجنة الخمسين للإبقاء علي المفوضية، تواجه هذه المفوضية معارضة شديدة من الأجهزة الرقابية وعلي رأسها الجهاز المركزي للمحاسبات خوفاً من قيام المفوضية بسحب البساط من تحت هذه الأجهزة. لجنة الخمسين لم تحسم موقفها لكن وضع الأجهزة الرقابية في حاجة إلي مراجعة بعد اصابة جهاز المحاسبات ب«هزة» في الفترة الأخيرة وكاد يتحول إلي جهاز سياسي أكثر من كونه رقابياً.