أشارت أحدث الدراسات التي أجريت على المصابين بالتوحد إلى أن هناك أكثر من 80% من البالغين المصابين عاطلون عن العمل على الرغم من القدرات الفريدة والخاصة في إدراك الأنماط التي يتمتع بها مرضى التوحد، فضلا عن قدرتهم المذهلة في الانتباه للتفاصيل. ويعرف مرض التوحد في الطب النفسي بأنه أحد الاضطرابات التابعة لمجموعة من اضطرابات التطور المسماة باللغة الطبية "اضطرابات في الطيف الذاتوي"، تظهر في سن الرضاعة قبل بلوغ الطفل سن الثلاث سنوات، فهو نوع من الإعاقات التطورية نتيجة خلل وظيفي في الجهاز العصبي المركزي (المخ)، يتميز بتوقف أو قصور في نمو الإدراك الحسي و اللغوي، والقدرة على عدم التواصل و التخاطب و التعلم و التفاعل الاجتماعى ، يرفض العناق وينكمش على نفسه ويعيش في عزلة انطوائية تعزله عن العالم الخارجي من حوله بحيث يعيش منغلقا على نفسه يكاد لا يحس بما حوله و ما يحيط به من أفراد أو أحداث أو ظواهر. ترجع بداية تصنيف التوحد إلى العام 1943 عندما كان العالم "ليو كانر" يفحص مجموعات من الأطفال مصابة بالتخلف العقلي, و قد كان سلوكهم يتميز بالانغلاق الكامل عن الذات و الانعزال عن كل ما حولهم حتى أقرب من يحيطون بهم. و قد أطلق عليهم كانر مصطلح التوحد الطفولي المبكر. أعراض الطفل التوحدي.. تذكر دكتور زينب البشري أستاذ الطب النفسي للأطفال بطب عين شمس: "تظهر أعراض التوحد عند الأطفال في سن الرضاعة، بينما قد ينشأ أطفال آخرون بصورة طبيعية تماما خلال الأشهر أو السنوات الأولى من حياتهم لكنهم يصبحون فجأة عدائيين، يميلون للعزلة". وتضيف أكثر السمات الواضحة التي يجب أن تنتبه لها الأم في المراحل الأولى من حياة الطفل على النحو الآتي :" لا يميل للمعانقة، فتور في المشاعر، الارتباط غير الطبيعي بالألعاب، فقدانه على الحوار والحديث من حوله، حبه للعزلة، الروتين اللفظي ويردد ما يسمعه عجز في التحصيل اللغوي ، يبدأ الكلام في سن متاخرة مقارنة بالأطفال الآخرين، يفقد القدرة على قول كلمات أو جمل معينة كان يعرفها في السابق، يصاب بالذهول والانبهار، شديد الحساسية. أسباب مرض التوحد... تقول دكتور زينب البشري أستاذ الطب النفسي للأطفال بكلية طب عين شمس: "ليس هناك عامل واحد ووحيد معروفا باعتباره المسبب المؤكد، بشكل قاطع، لمرض التوحد، لكن ثبتت مؤخرا إحصائيات ونظريات كثيرة وجود عوامل عديدة لأسباب مرض التوحد أهمها، الاعتلالات الوراثية، وزواج الأقارب، أو طفل آخر من مرضى التوحد في العائلة لديها احتمال أكبر لولادة طفل آخر مصاب بالمرض، أو نتيجة خلل في الكروموسومات". وتكمل :"هناك عوامل أخرى تحدث أثناء الحمل تكون سبب في إصابة الطفل بمرض التوحد أهمها، تعرض الأم الحامل لعدوي فيروسية أو تلويثا بيئيا من العوامل المحفزة لنشوء وظهور مرض التوحد، أو حدوث مشكلات أثناء مخاض الولادة أو خلال الولادة نفسها، أو حدوث نقص في الماء المحيط حول الجنين، أو إصابة الطفل بالجفاف مثل الأسهال والقيء، أو نتيجة تجهل الأم للقاح الأطفال الذي يعطي ضد النكاف والحصبة ". كيف يتم التعايش مع مريض التوحد ... تقول دكتور زينب البشري أستاذ الطب النفسي: "الاكتشاف والتشخيص المبكر لمرض التوحد من أهم عوامل نجاح تعايش الأسرة مع مريض التوحد"، مكملة :"أن هناك كثيرا من الحالات التي يتم تشخيصها مؤخرا مما يزيد من حدة أعراض المرض لديه". وتوضح هناك كثير من الأمهات والآباء يقعون في خطأ ترك أطفالهم منذ الصغر أمام التلفاز لمشاهدة أفلام الكارتون والإعلانات، وهذا خطأ يجب تداركه من جانبهم، لأن هذا يزيد من عزلة الطفل عن العالم الخارجي من حوله. وتضيف أستاذ الأمراض الجلدية في تصريح خاص للوفد :"على الأم والأب أن يتشاركوا سويا في تربية طفلهم التوحدي من خلال المشاركة الفعّالة والإيجابية معه، عن طريق الحديث معه كثيرا، تنبيه دوما بأماكن وجود أعضاء جسده، المشاركة معه في اللعب، لمراقبه الجيد له ومحاولة معرفة ما قد يثره والعمل على توفيره له لكي يشعر ببعض القرب من الآخرين، لأن هذا يحسن من الاستجابة السمعية لديه، وزيادة التفاعل الإيجابي لديه". وتتابع :"وبعد ذلك يتم خضوعه لجلسات تخاطب مع جلسات تعديل السلوك، وتنمية المهارات، مع استخدام علاج دوائي للتقليل أو لتخفيف أعراض مرض التوحد لديه". وتختتم حديثها قائلة: "على كل أم وأب أن يكونوا أشد حرصا على معاملة الطفل التوحدي كأنه طفل طبيعي سليم ، فهناك دورات متوفرة في بعض المؤسسات المتخصصة بمرضي التوحد يمكن للأم والأب اللجوء إليها".