الرئيس الأمريكي باراك أوباما حريص على توقيع اتفاق مع إيران ينهي الأزمة المثارة حول برنامجها النووي. هذا الحرص نابع من إدراك استراتيجي لخطورة فشل التوصل إلى مثل هذا الاتفاق الذي يرى أوباما ضرورة أن يضمن لإيران امتلاك برنامج نووي سلمي ويضمن لواشنطن والدول الحليفة لها استحالة تحول هذا البرنامج النووي السلمي إلى برنامج نووي عسكري، ولذلك كان استياء أوباما من الدعوة التي وجهها رئيس مجلس النواب الأمريكي جون بوينر لبنيامين نتنياهو رئيس حكومة الكيان الصهيوني وكان استياؤه أكثر حدة من إصرار نتنياهو على تلبية الدعوة متجاوزاً تحفظات أوباما وإدارته، وإلقاء خطاب يتحدى به مشروع أوباما للاتفاق مع إيران . ولذلك أيضاً كان رد فعل أوباما هو الغضب من الرسالة التي بعث بها 47 من 54 عضواً جمهورياً في مجلس الشيوخ (من إجمالي أعضاء المجلس البالغ عددهم 100) إلى إيران وحذروا فيها الإيرانيين من أن "الكونغرس يملك وحده سلطة رفع العقوبات المفروضة على إيران" . وقالوا في هذه الرسالة التي تستهدف تشكيك الإيرانيين في جدوى توقيع أي اتفاق حول برنامجهم النووي مع الإدارة الأمريكية دون دعم من الكونغرس وموافقته . "إذا كان أوباما يملك سلطة تعليق العقوبات الأمريكية المفروضة على إيران عبر إصدار مرسوم بذلك فإن الرئيس المقبل (المرجح أن يكون جمهورياً) قد يبطل بقرار منه هذا المرسوم بجرة قلم، كما أن أعضاء الكونغرس الجدد قادرون على تعديل شروطه في أي وقت" . ولمزيد من تيئيس الإيرانيين من جدوى التفاوض مع الإدارة الحالية، حرصوا هم على رفع سقف شروط التوقيع على اتفاق مع إيران تجاوزوا بها الشروط التي أعلنها نتنياهو في خطابه أمام الكونغرس . من هذه الشروط التفكيك الكامل للبنية التحتية لتخصيب اليورانيوم . أوباما رد بحدة على هذه الرسالة واستنكرها من منظور توافقها مع مواقف المتشددين في إيران وبقية دول "مجموعة 5+1" . قال أوباما رداً على هذه الرسالة: "من المفارقات أن يشكل بعض البرلمانيين في الكونغرس جبهة مشتركة مع الإيرانيين المؤيدين لاعتماد نهج متشدد" . أوباما لم يكتف بذلك ولكنه تحدى الجمهوريين في الكونغرس قائلاً: "في هذه المرحلة سنرى ما إذا كان بإمكاننا التوصل إلى اتفاق، وإذا حصل ذلك فسنتمكن من الدفاع عنه أمام الأمريكيين" . هذا التحدي المتبادل بين أوباما وإدارته وبين الكونغرس ليس هو التحدي الوحيد الذي يواجه فرص أوباما للتوصل إلى اتفاق مع إيران، هناك أيضاً ثلاثة تحديات أخرى أساسية تتلخص في التحدي "الإسرائيلي" والتحدي الفرنسي وأخيراً تحدي المتشددين الإيرانيين . فقد عاد نتنياهو من واشنطن وهو يدرك أنه استطاع أن يفرض على الإدارة الأمريكية ضرورة توخي الحذر والحيطة عند التوقيع على أي اتفاق مع إيران، وبالذات الوعي بأن إيران نووية خطر وجودي على "إسرائيل"، والأخذ بشروطه التي أعلنها أمام الكونغرس وحظيت بالتصفيق الحار . هذه الشروط التي طرحها نتنياهو والتي جاءت رسالة الجمهوريين المتشددين في الكونغرس إلى إيران دعماً لها ليست هي التحدي "الإسرائيلي" الوحيد، ولكن عودة نتنياهو مجدداً كرئيس للحكومة المقبلة إذا حاز الأغلبية البرلمانية أو حقق حزبه الليكود تفوقاً يمكنه من تشكيل ائتلاف حكومي يميني متشدد ستكون تحدياً كبيراً لأوباما، وهناك قناعة بان نتنياهو عندما أصر على تحدي أوباما والذهاب إلى واشنطن لإلقاء خطابه كان يدرك أنه لن يستطيع منع الرئيس أوباما من المضي قدماً في مشروع التوصل إلى اتفاق مع إيران، لكنه كان يدرك أن هذه المعركة مع الإدارة الأمريكية والدعم الذي سيحظى من الكونغرس سيقويان موقفه الانتخابي . يجيء التحدي الفرنسي ضمن بقية شركاء واشنطن في "مجموعة 5+1" ليفاقم من القيود والضغوط الواقعة على الرئيس أوباما وفريقه التفاوضي برئاسة وزير الخارجية جون كيري . فالواضح أن فرنسا لديها تحفظات مهمة على التفاوض الثنائي الأمريكي - الإيراني من خارج "مجموعة 5+1" . كما أن فرنسا تتزعم موقفاً أوروبياً متشدداً في المفاوضات يتعلق بعدد أجهزة الطرد التي يسمح لإيران بالاحتفاظ بها، وما يتعلق بعمليات البحث والتطوير في ما يخص البرنامج النووي الإيراني . ناهيك عن المخاوف الفرنسية من التأثيرات السلبية للتقارب الأمريكي مع إيران على المصالح الفرنسية المباشرة وفي مقدمتها مبيعات الأسلحة حيث ستحرص واشنطن على الاستحواذ على التعامل التجاري مع إيران . يجيء موقف المتشددين الإيرانيين لرفض أي اتفاق قد ينال من المشروع النووي الإيراني ليفاقم من التحديات والضغوط على الرئيس الأمريكي، من هنا حرص محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني على الرد بقوة على ما ورد في حديث الرئيس أوباما مع وكالة "رويترز" يوم 3 مارس/ آذار الجاري حول رفع السقف الزمني للاتفاق مع إيران إلى أكثر من عشر سنوات ورده القوي على رسالة أعضاء الكونغرس الأمريكي، لكن هناك من يرى أن للمتشددين الإيرانيين مصلحة في إفشال أي اتفاق مع الغرب قد يكون في مصلحة الرئيس حسن روحاني والتيار الإصلاحي . تحديات صعبة لكن إصرار أوباما على الاتفاق ربما يزيل هذه التحديات شرط أن يجد في إيران ما يعينه على ذلك وأن تجد إيران أية مبررات كافية للقبول .