مصر تعاني من خلل كبير ومتزايد في الميزان التجاري وأصبحت تستورد بقدر ما تصدر مرتين وإذا نظرنا الى مؤشرات الميزان التجاري سنجد أن أكبر عجز للميزان التجاري كان بعد الأزمة العالمية مباشرة ثم استمر العجز على ضخامته لثاني عام بعد الأزمة، وشهد الميزان التجاري بعد الأزمة العالمية مباشرة تحقيقه لانخفاض في الواردات لأول مرة منذ عشر سنوات قبل الأزمة وقد بلغ الانخفاض 2.5 مليار دولار «خلال العام المالي 2008/ 2009» الا أن زيادة الواردات قابلها انخفاض أكبر في الصادرات بلغ 4.3 مليار دولار ليحقق الميزان التجاري أكبر عجز في تاريخه آنذاك وبلغ 25.2 مليار دولار ثم جاء العام المالي الثاني بعد الأزمة «2009/ 2010» ليشهد انخفاضاً طفيفاً للعجز لم يتجاوز 0.1 مليار دولار وفقاً لما جاء في دراسة للخبير المصرفي أحمد آدم حول تطورات الميزان التجاري. وبلغ عجز الميزان التجاري قبل اندلاع احداث الثورة 13.3 مليار دولار عام 2010 مقابل عجز 11.9 مليار دولار خلال عام 2009 وقد جاء ذلك العجز رغم ارتفاع الصادرات بنحو 1.2 مليار جنيه ليصل الى 12.7 مليار دولار مقابل 11.5 مليار دولار، وارتفعت الواردات بنحو 2.6 مليار دولار لتصل الى 26 مليار دولار مقابل 23.4 مليار دولار ولتحقق عجزاً 1.4 مليار دولار، وخلال النصف الثاني من ثورة 25 يناير 2011 تضخم عجز الميزان التجاري ليصل الى 27.1 مليار دولار بارتفاع بلغ 2 مليار دولار. وشهد عام 2012 انخفاضاً في الصادرات بنحو 1.9 مليار دولار مقابل ارتفاع في الواردات بنحو 5.1 مليار دولار مما رفع من عجز الميزان التجاري بنحو 7 مليارات دولار وبنسبة 25.8٪ ونتج عنه عجز تاريخي لميزان المدفوعات بلغ 11.3 مليار دولار مما زاد من العبء الذي يتحمله البنك المركزي في ادارة احتياطيات مصر الدولية من العملات الأجنبية. وشهد عام 2013 تولي أول رئيس منتخب للبلاد لمقاليد الأمور، وشهد تقديم مساعدات مالية من دول قطر وليبيا وتركيا بقيمة 12 مليار دولار في شكل ودائع لدى البنك المركزي المصري واقتناء أذون وسندات خزانة مصرية وهو ما أدى لظهور فائض في ميزان المدفوعات بقيمة 0.2 مليار دولار إلا أن العجز في الميزان التجاري ظل نزيفا يرهق الاقتصاد المصري. وتشير الدراسة الى أن العجز في الميزان التجاري خلال عام 2013 بلغ قدرة 30.7 مليار دولار على الرغم من زيادة الصادرات بنحو 1.9 مليار دولار وانخفاض الواردات بنحو 1.5 مليار دولار. واستمر نزيف الميزان التجاري خلال عام 2014 ليصل الى 33.7 مليار دولار، وقد انخفضت الصادرات بنحو 900 مليون دولار، والواردات ارتفعت بقيمة 2.1 مليار دولار وذلك على الرغم من تلقي مصر مساعدات مالية وعينية «بترول ومشتقاته» من دول السعودية والامارات والكويت بقيمة 11 مليار دولار، وهو ما حقق فائضا في ميزان المدفوعات بلغ 1.5 مليار دولار، وشهد هذا العام احداثا مؤسفة بعد عزل الدكتور مرسي. وتوقعت دراسة أحمد آدم انخفاض الصادرات خلال العام الحالي مما سيؤثر بالسلب على الميزان التجاري ومعدل النمو الاقتصادي. وعن ملامح المناطق الجغرافية للصادرات المصرية تشير الدراسة الى زيادة الصادرات للاتحاد الأوروبي بسبب البترول الخام الذي ارتفع من 3.3 مليار دولار الى 4.6 مليار دولار، وزيادة الصادرات للدول العربية نتيجة لصادرات الاجهزة الكهربائية من 0.6 مليار دولار إلى 0.8 مليار دولار، وانخفضت الصادرات الى الدول الآسيوية غير العربية نتيجة لانخفاض النفط الخام من 2.1 مليار الى 1.8 مليار دولار، وانخفضت الصادرات لأمريكا أيضاً نتيجة لانخفاض البترول الخام. وتشير الدراسة الى انخفاض واردات مصر من الاتحاد الأوروبي بسبب تراجع واردات المنتجات البترولية من 2.9 مليار دولار الى 1.2 مليار دولار وزيادة الواردات من الدول العربية نتيجة لارتفاع المنتجات البترولية من 3.7 مليار دولار الى 8.9 مليار دولار وزيادة الواردات من الدول الآسيوية غير العربية من الملابس الجاهزة من 0.7 مليار الى 0.9 مليار دولار. ويعتبر الاتحاد الأوروبي أهم شركاء مصر التجاريين فقد بلغت حصته خلال العام المالي الماضي 38.7٪ من اجمالي صادرات مصر وبلغت الواردات من الاتحاد الأوروبي نحو 27.1٪ من اجمالي الواردات، وهو ما رفع الطلب على اليورو من سعر صرفه امام الجنيه المصري وهو ما أدى الى ارتفاع في أسعار السلع ومستلزمات الانتاج المستوردة من منطقة اليورو بشكل أثر سلباً على معدلات التضخم،وتعد ايطاليا أهم دول العالم التي تصدر لها مصر بلغت الصادرات نحو 4.1 مليار دولار تشكل ما نسبته 15.6٪ من اجمالي الصادرات. وتتوقع الدراسة تراجع الصادرات لايطاليا بسبب ما تعانيه من مشكلات اقتصادية بالغة وقد انخفضت وارداتها من كافة دول العالم ومن بينها مصر نتيجة لاصلاحات هيكلية لاقتصادها. وعن الرؤية المستقبلية للميزان التجاري تشير دراسة «آدم» الى أن مصر تعاني من أزمة طاقة لعدم توافر الغاز الطبيعي اللازم لتشغيل محطات الكهرباء وهو ما يعني تأثر صناعات تصديرية مهمة مثل صناعة الأسمدة والتي انخفضت بالفعل صادراتها من 0.9 الى 0.7 مليار دولار وهو ما سيؤدي الى انخفاض في الصادرات ستتزايد حدته كلما تأخر ايجاد حلول لمشكلة الطاقة،وكما ستؤدي الى انخفاض الصادرات البترولية وتزايد الواردات مما يزيد من عجز الميزان التجاري. وأكد أن الزيادة السكانية الكبيرة أدت لزحف عمراني على الاراضي الزراعية أدى لتآكلها وزادت حدته بعد ثورة 25 يناير للغياب الأمني وهو ما أدى لتناقص في الرقعة الزراعية بشكل أثر تأثيراً كبيراً على الانتاجية الزراعية مع مشكلات اخرى أهمها مشكلة الري التي تعاني منها محافظات زراعية مهمة مثل الشرقية والدقهلية وكفر الشيخ ونظرا لاستحالة ازالة التعديات التي تمت على الرقعة الزراعية بعد ثورة 25 يناير وكذا حل مشكلات الري والتي ستتزايد بعد استكمال سد النهضة الاثيوبي فإن صادراتنا الزراعية انخفضت وستنخفض مع زيادة في الواردات الزراعية مثل القمح والذرة وهو ما سيؤثر سلباً على ناتج الميزان التجاري وبالتبعية على ناتج ميزان المدفوعات. وطالبت الدراسة بضرورة وضع رؤية استراتيجية للنهوض بالاقتصاد المصري شبه المنهار خاصة بعد انتخابات مجلس الشعب القادمة والتخلص من حالة عدم الاستقرار، حتى يتم جني ثمارها خلال النصف الأخير من عام 2016. وحذرت من استمرار نزيف الميزان التجاري، مما سيشكل عبئا على ميزان المدفوعات قد لا تتحمله احتياطيات مصر من العملات الأجنبية وبالتالي لا يتحمله سعر صرف الجنيه المصري أمام العملات الأجنبية، كما أن انخفاض تحويلات المصريين العاملين بالخارج 0.2 مليار دولار عن العام السابق نتوقع أن يستمر خلال العام الحالي وهو ماسيجعل عجز الميزان التجاري يزيد العبء على ميزان المدفوعات وبشكل أكبر مما كان، وطالبت بعلاج مشكلات الري بالمحافظات الزراعية المهمة، والبدء في اتخاذ الاجراءات والتدابير المالية اللازمة لانشاء مجموعة من محطات تحلية مياه البحر لمواجهة مشكلة المياه الناتجة عن سد النهضة الاثيوبي.