«ارتدي حجابك سأرافقك في الطريق».. هذا ما قالته سيدة استرالية عندما لاحظت أن الراكبة المسلمة التي تجلس بجوارها قامت بنزع حجابها قبل مغادرة المترو خوفاً من تعرضها لاعتداء متوقع كرد فعل على قيام مسلم باحتجاز رهائن في مقهى بإحدى المدن الاسترالية وإجبارهم على رفع علم اسود مكتوب عليه «لا إله إلا الله». هذا الموقف الذي حدث خلال الأيام القليلة الماضية سجلته السيدة الاسترالية على حسابها في تويتر وتحول إلى هشتاج بعنوان (سارافقك في الطريق I will ride with you) الذي تفاعل معه الاستراليون ليجمع نصف مليون مشارك في نصف يوم! لتوصيل رسالة طمأنة للجالية المسلمة هناك،غير ان الرسالة الأهم لهذه الحادثة وتداعياتها هي كشف الجمهور العادي للعبة تعمد القيام بأفعال عنيفة باسم الإسلام. فقد تبين أن الشخص الذي أساء للإسلام والمسلمين لا ينتمى إلى أي تنظيم إسلامي وإنما متهم بالمشاركة في قتل زوجته وعمليات تحرش جنسي عديدة. الأمر الذي زاد من التفاعل مع الهشتاج، وحتى الآن لا أحد يعلم دوافع ما فعله الرجل وهل هناك أيد خفية وراء قيامه بترهيب الناس باسم الإسلام؟ ولكن الشاهد في الحادثة أن الشعوب المتقدمة بدأت تتخلص رويدا من هيمنة الإعلام العالمي والصور الذهنية التي يحاول دائما رسمها تجاه الإسلام والمسلمين وبخاصة في الغرب عبر سيل الأخبار التي تربط بين الإسلام وأي حادث عنيف، بالتركيز على بيان هوية الفاعل الإسلامية في حين لا تفعل ذلك إذا كان مرتكباً الحادث العنيف ينتمى الى أي دين آخر، هذا السلوك المتحيز يعلمه المتابع للإعلام الغربي منذ عقود وأكبر شاهد على ذلك الجرائم التي ارتكبها الصرب في البوسنة والهرسك، فالإعلام لم يصف مجرمي الحرب بأنهم مسيحيون بخاصة وانهم يقتلون مسلمين وإنما لجأ الى معادلة غير منطقية في وصف القتال بانه بين الصرب والمسلمين. مع أن المنطقي ان يكون التقسيم على اساس العرق (صرب / كروات مثلا) أو الدين (مسيحيون / مسلمون). والأمر ذاته ينطبق على جيش الرب بأوغندا فلا تصفه وسائل الإعلام الغربية بأنه مسيحي. ولكنها الصورة الذهنية المشوهة للإسلام والمسلمين تكرسها أيضا آلاف الأفلام والروايات. ومع تزايد دور وسائل التواصل الاجتماعي أو ما يسمى بإعلام المواطن في كشف تزييف الإعلام التقليدي، من خلال التمحيص وراء الأخبار والبحث عن الحقيقة، بدأت الكثير من النخب الواعية في كسر هيمنة أصحاب المصالح وجماعات الضغط على وسائل الإعلام ومن هنا وجدنا استراليون كثيرين ينشرون هشتاج «سأرافقك في الطريق» علي حساباتهم بتويتر. وهو نموذج لصحوة الشعوب، ومن ناحية أخرى تجلي لإحدى إيجابيات هذه الشبكات الاجتماعية الجديدة، بما قد يؤدي الى ترشيد مسيرة الصراع الأبدي بين الصدق والكذب والحق والباطل.. ويزيد جرعة الأمل في أن تصحح الشعوب خطايا تحالفات السياسة والإعلام. ولكن هذه الحالة الإيجابية لم تدم طويلا، فبعدها بأيام قليلة شهدت فرنسا قيام سائق سيارة بدهس عدد من المارة بمدينة «ديجون»، وهو يردد «الله أكبر»، مما أسفر عن إصابة 12 شخصاً. جاء الحادث بعد يوم من قيام شخص آخر في وسط فرنسا بطعن ثلاثة رجال شرطة -وهو يهتف «الله أكبر»- قبل أن يُردى هو قتيلا. وذكرت تقارير ان مرتكبي الحادثين قد يكونا مختلين عقليا. غير انه لم يظهر هشتاج على شبكات التواصل الاجتماعي من جانب الفرنسيين يشابه ما فعلته السيدة الاسترالية، كما لم تعلن مبادرة إلكترونية مماثلة من جانب أبناء الجالية الإسلامية بفرنسا تطمئن مواطنيهم بأن أيا من هذين الرجلين لا يتحدث باسم المسلمين. هذا الإغفال لاستثمار تجربة «الهشتاج الاسترالي» على شبكات التواصل الاجتماعي لتصحيح الصورة المشوهة جزء من إغفال أكبر للاستفادة من إمكانيات هذ الشبكات لصالح قضايا العرب والمسلمين، وعندما نتقاعس نحن عن قضايا فلن يرافقنا أحد على الطريق. من ناحية أخرى فإن ما حدث بفرنسا يعني انه اما هناك اصرار على استمرار تغذية الصورة الذهنية المشوهة للإسلام من جانب أعدائه أو أن هناك حرصاً علي التحلي بالغباء من جانب بعض المسلمين انفسهم ليساهموا في هذا التشوية. قد يتساءل البعض: وهل هناك من يحتاج الى اظهار عنف مرتبط بالإسلام بعد ما تقوم به داعش؟ الاجابة تحتاج إلى نظرة أوسع تربط بين هذه الاحداث وما تفعله داعش وما يحدث في المنطقة، وهذا يستكمل في حديث آخر.