الدكتور عبد المنعم سعيد الكاتب في (الأهرام) ومدير مركز الدراسات الاستراتيجية وعضو لجنة سياسات جمال مبارك ، معروف بمواقفه المؤيدة للتطبيع مع الإحتلال الإسرائيلي . وقد ظل لسنوات يتحفنا بكتابات ومفاجآت في هذا المجال يمكن إعتبارها بمثابة نوادر مثيرة للأسف . وقبل أن أتناول موقف د. سعيد من المسرحية الهزلية الجارية الآن ، أرى من الضرورة للتدليل على ضحالة الإمكانات الفكرية لأحد أهم منظري الحكم في مصر أن أتناول واحدة من أكثر نوادره مدعاة للأسى . وأقصد بذلك تصديه منذ سنوات لتفنيد ماتردد عن نية الإدارة الأمريكية شن حرب على الإسلام تحت لافتة "الحرب على الإرهاب". وكان من ضمن ماقاله سعيد في هذا الشأن هو أن الأمريكيين لا يعادون الإسلام بدليل أنهم قاموا بتحرير الكويت من صدام وتحريرالبوسنه من الصرب. وهذا هراء كان يمكن تقبله من باحث صغير مبتدئ لا يدري حقائق ما يجري حوله.. أما أن يصدر عن مدير أكبر مركز للدراسات الاستراتيجية في مصر، فهي مسألة تعكس طبيعة العلاقة بين الولاء للحكم وتقلد المناصب والتأبيد فيها. ماقاله سعيد عن البوسنة لا يختلف عمن يقول اليوم أن أميركا غزت العراق لتحريره وأنها باقية فيه لمحاربة الإرهاب حتى تهزمه. مشكلة د. سعيد هي العجز عن التمييز بين مستويين من العداء للإسلام : المستوى السياسي والمستوى الديني. وهذا أهم ما يميز بين موقفي أميركا وأوربا من الإسلام . منذ أيام أعلن رئيس الوزراء الأسترالي جون هوارد إعتراضه على فرض حظر على حجاب الفتيات المسلمات في مدارس أستراليا. والمعروف أن هوارد هو من أشد مؤيدي إدارة بوش في غزو العراق وأنه مصر على عدم سحب القوة الأسترالية المتواجدة هناك ضمن " قوات التحالف". وإذا تمعنا في الموقف من الحجاب والمسجد وتركيا والبوسنه ، سنرى تمايزا فارقا بين موقف الولاياتالمتحدة وبريطانيا وأستراليا من جانب ، وموقف فرنسا وألمانيا وعموم أوربا من الجانب الآخر. عداء الطرف الأول للإسلام يتركز في الغالب على المستوى السياسي. ولذا نلحظ حرية نسبية كبيرة للمسلمين في كل ما يتعلق بالدين : الحجاب والصلاة وبناء المساجد. والحوادث التي وقعت ضد محجبات ومساجد في أميركا وبريطانيا يمكن وصفها بالمنعزلة ، أقدم عليها قلة من الدهماء العنصريين الذين تأثروا بالدعاية الصهيونية ضد المسلمين. أما أن يكون للمسلمين أجندة سياسية تناهض أجندة المؤسسة الحاكمة ، فهذا هو ما لا يمكن القبول به في هذه الدول ، وتجري مواجهته بوسائل شتى لا مجال لتفصيلها الآن. وعلى النقيض ، نرى الطرف الآخر (فرنسا وعموم أوربا) يؤيد على الأقل شفاهة الأجندة السياسية للعرب والمسلمين ، ولكنه لا يتسامح فيما يرتبط بالمستوى الديني . ولهذا نرى دعوات حظر الحجاب وتقييد بناء المساجد تنتشر من بلد إلى آخر بسرعة فائقة بعد أن أخذت فرنسا المبادرة ، بمساعدة فتوى شيخ الأزهر. باستثناء بريطانيا ، لا توجد جماعة مسلمة في أي بلد أوربي اليوم إلا وتواجه حملات ضد إرتداء الحجاب في المدارس وأماكن العمل ، وضد بناء المساجد. أوربا تواطأت مع الصرب (بقيادة بريطانيا ومشاركة أميركا) لوأد قيام دولة ذات أغلبية مسلمة في قلب أوربا. وبينما سعى الأوربيون إلى تسهيل إبادة البشر، إنصب هدف أميركا على إبادة الكيان المسلم المستقل. إنتظرت أميركا ثلاثة أعوام ونصف من المجازر والمذابح ، ولم تتحرك إلا بعد أن أيقنت من وصول المسلمين إلى درجة من الإنهاك لا تمكنهم من مقاومة مشروع تقسيم البوسنه الذي قدمه المبعوث الأمريكي ريتشارد هولبروك في دايتون نهاية عام 1995. وكان الأمريكيون قد هددوا الرئيس على عزت بيجوفيتش بأنهم سيتركوا المسلمين تحت رحمة الصرب إن هو رفض هذا المشروع . ما جرى في البوسنه يتكرر اليوم في العراق . ولكن بدلا من تقديمه كمشروع أميركي واضح لتقسيم العراق ، يجري التحايل على العرب من خلال "دستور" يعلم الكل حقيقة الطرف الذي صاغه وفرضه. أما تركيا ، فبينما تلقى تأييدا أمريكيا وبريطانيا للإنضمام إلى الاتحاد الأوربي ، على أساس تطابق أجندتها السياسية مع الأجندة الأمريكية ، فإن فرنسا وألمانيا وعموم أوربا الذين جاهدوا لإبادة البوسنه ، لا يمكن أن يسمحوا لأوربا بأن ينتمي أكبر تعداد سكاني فيها إلى الإسلام. هذا هو مالم يفهمه د. سعيد. [email protected]