قبل خمسة أيام عدت الى مصر، بعد زيارة الى شمال ألمانيا، دامت اربعة عشر يوما، من بينها يوم ممتع، قضيته بالكامل في هولندا، وتحديداً في حديقة حيوان بيرجرز «نسبة الى مؤسسها رجل الاعمال يوهان بيرجرز» وهي حديقة ليست مثل غيرها من حدائق الحيوان المنتشرة في مشارق الأرض ومغاربها، انها مختلفة تماما، مقارنة بها تعتبر حديقتنا صحراء جرداء. «وارنهايم» اقرب المدن الهولندية إليها ومما يعرف عن هولندا انها ملكية، مثلها في ذلك مثل دول اسكندنافيا الثلاث «الدانمرك والنرويج والسويد» والمملكة المتحدة، وبلجيكا وأسبانيا. وملوك وملكات هذه الدول يملكون ولا يحكمون اي ليس لهم حق التدخل في ادارة شئون البلاد، هذا الأمر تنفرد به الحكومة صاحبة الاغلبية المنتخبة في المجلس النيابي. ولم يكن الامر كذلك حتي عهد قريب ففي زمن غير موغل في القدم كان الملوك والملكات، يشاركون في الحكم، بل كان بعضهم له الكلمة العليا في كل ما يتصل بسياسة البلاد لاسيما ما كان منها متعلقاً بسياستها الخارجية اما كيف فقدوا حقهم في الجمع بين الملك والحكم، على نحو اصبحوا معه مجرد رموز، تملك دون ان تحكم، فذلك ما يحكيه فيلم «فيكتوريا في صباها» لصاحبه المخرج «جان مارك فالليه» حسبما يقول التاريخ كانت الملكة «فيكتوريا» اطول ملوك بريطانيا بقاء على العرش، حيث ظلت متربعة عليه زهاء ثلاثة وستين عاما، اذا اعتلته وهي في عمر الزهور ليس لها من العمر سوى ثمانية عشر عاما، وبدءا من عام 1876 أصبحت امبراطورة تبعا لضم الهند الى املاك التاج البريطاني وبقيت على هذا الحال، الى أن جاءها الموت في الثاني والعشرين من يناير لعام 1901 اي والقرن العشرون لايزال في شهره الأول، يتحسس خطاه. وأثناء هذه الحقبة الطويلة من عمر الزمان توسعت امبراطوريتها على نحو استلزم تسميتها بالامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس. وكان من بين ما ضمته الى املاكها وادي النيل، بدءا من منبعه في اوغندا، مروراً ببحيرة فيكتوريا والسودان وانتهاء بمصر حيث مصبه في البحر المتوسط. والفيلم يعرض لسيرتها، قبل وفاة عمها «ويليم الرابع» بقليل ثم بعدها عند اعتلائها العرش والمؤامرات من حولها، تحاك وتتقمص شخصيتها بجدارة النجمة الصاعدة «اميلي بلنت». ويشاركها البطولة «روبرت فريند» متقمصا شخصية الامير «ألبرت» زوجها الاول والاخير، الذي وافته المنية وهو في مقتبل العمر. ورغم ان عصرها كان مدويا بطبول الانتصارات وصهيل الخيول الزاحفة، وصليل السيوف، في اوج الامجاد، التي رفعت الراية البريطانية على شواطئ الصين في اقصى الشرق، الى وسط افريقيا وجنوبها ثم الى نيجيريا في اقصى الغرب، وخفقت على مصر والسودان، وعلى جزر البحر الابيض المتوسط. وفضلاً عن ذلك كان عصراً باهراً مفعما بالغنى والمتاع، رغم كل ذلك كان حقها في ان تحكم بل وحتي في ان تشارك في الحكم، يتقلص شيئا فشيئا حتي كاد ان يكون هو والعدم سواء بسواء. فمع كل انتصار ومع كل ارتفاع في مستوى المعيشة اخذ نفوذها يضعف لحساب السلطة التشريعية المنتخبة ومجلس الوزراء المنبثق منها. وعن فقدانها لما كان يعتبر حقا لها في أن تحكم عرض الفيلم لواقعة تعيين الوصيفات معروف ان الملكة لها طقم من الوصيفات وكان الجاري عليه العمل انها هي التي تختارهن. وحدث ان جرت انتخابات، انتهت بانتصار الحزب المعارض وتولى زعيمه رئاسة الوزارة بدلاً من الرئيس السابق الذي كان محل ثقة الملكة وكانت تستشيره في كل صغيرة وكبيرة بما في ذلك تعيين الوصيفات، ولقد فوجئت برئيس الوزراء الجديد يطلب اليها تغيير الوصيفات، وان يكون البت في امر تعيينهن له وحده، دون الملكة لانهن بحكم قربهن منها، لهن تأثير كبير على ما قد تتخذه من قرارات. وفي البدء قاومت الملكة طلب رئيس الوزراء واتخذت موقفا عدائيا بمقولة انه تدخل منه في شأن خاص ليس له صلة بالشأن العام. وكان من نتيجة ذلك قيام مظاهرات تندد بموقفها واطلاق الرصاص عليها في محاولة فاشلة لاغتيالها، انتهت بإصابة الامير «ألبرت» الذي كان في صحبتها. وفي نهاية الامر انتصر رئيس الوزراء المنتخب وفقدت الملكة حقها حتي في تعيين وصيفاتها وعندما غابت عن دنيانا كانت امبراطورة لا تملك من امر الحكم شيئا!!