طالب الدكتور محمد عمارة بإنصاف الأديب والناقد الدكتور طه حسبن عميد الأدب العربي، والذي نحتفل بذكرى رحيله ال41، من المتعصبين له أو المتعصبين عليه الذين يقفون عند مراحل معينه من حياة طه حسين دون النظر إلى كل مراحل أفكاره، والتي اختتمها بالانتصار إلى الإسلام والعروبة. وقال الدكتور محمد عمارة فى كتابه بعنوان "طه حسين من الانبهار بالغرب إلى الانتصار للإسلام" الذي صدرته مجلة الأزهر الشهرية، إن المرحلة الأخيرة من حياة طه حسين هي الأهم في مسيرته الفكرية ولكنها لم تحظ بالاهتمام المطلوب. واستعرض الدكتور عمارة حياة طه حسين ومسيرته الفكرية التي اتسمت بالاتجاه نحو الغرب بشكل كامل قبل أن يعود لجذوره العربية والإسلامية. وقدم عمارة في كتابه الجديد الذى يقع فى 192صفحة من القطع المتوسط دراسة علمية تتناول مراحل التطور الفكري للأديب للدكتور طه حسين تكشف ملامح المرحلة الأخيرة بالذات ، ويرى عمارة أن المرحلة الأخيرة من حياة طه حسين كانت أهم مراحل حياته إلا أنها لم تلق الاهتمام الصحيح وتغافل عنها المعجبون به والكارهون له على السواء. واستعرض حياة طه حسين بداية من مولده في إحدى قرى مركز مغاغة بمحافظة المنيا "شمال الصعيد" مرورا بأهم المحطات الفكرية والسياسية والاجتماعية في حياته وحتى وفاته يوم عيد الفطر - غرة شوال 1393هجرية الموافق 28 أكتوبر 1973 . ويقسم الكتاب التطور الفكري الذي مر به طه حسين إلى أربع مراحل، المرحلة الأولى هي بداياته الفكرية (1908-1914م) التي بدأت بالتحاقه بالجامعة الأهلية المصرية بعد حرمانه من نيل شهادة العالمية الأزهرية وانتهت بسفره إلى فرنسا عام 1914م مبعوثا من الجامعة المصرية لنيل درجة الدكتوراه من جامعة السوربون. وفي هذه المرحلة بدا طه حسين مترددا في الهوية الحضارية لمصر بين مذهب "حزب الأمة" ومفكره أحمد لطفي السيد، الذي يدعو إلى الوطنية المصرية الرافضة للعروبة القومية والانتماء الحضاري الإسلامي وبين اتجاه "الحزب الوطني" وزعيمه مصطفى كامل ذي الهوية الإسلامية والمدافع عن الجامعة الإسلامية والخلافة. أما المرحلة الثانية التي أطلق عليها المؤلف وصف "مرحلة الانبهار الشديد بالغرب" فاتسمت بإعجاب طه حسين بكل ما هو غربي ، حيث سعى بكل ما يملك إلى إلحاق مصر بهذا النموذج الحضاري الغربي وفيها ظهرت كتبه التي أثارت جدلا واسعا منها مشاركته في تأليف كتاب "الإسلام وأصول الحكم" للشيخ علي عبد الرازق والذي لطالما دافع عنه ثم كتابه "في الشعر الجاهلي" الذي اتسم بتأثر مستفز بالأفكار والقيم الغربية عندما طبق غلو الشك العبثي على المقدسات الإسلامية ثم كتابه "في الأدب الجاهلي". ويشير المؤلف إلى أن أهم تطور فكري في تلك الفترة نتج عن زواج طه حسين في فرنسا من فتاة فرنسية مسيحية أقنعها عمها القسيس بالزواج منه فكانت عينه التي يقرأ بها وأثرت كثيرا في قناعاته الفكرية. ويرى الدكتور محمد عمارة أن المرحلة الثالثة من تطور فكر طه حسين بدأت عام 1932 واستمرت حتى عام 1952 وقد أطلق عليها "مرحلة الإياب التدريجي والمخاض الحافل بالتناقضات" ومن أهم عوالمها خلو كتابات طه حسين من أي إساءة إلى الإسلام ومقدساته ورموزه، والتوجه ضمن كوكبة من كبار الكتاب، إلى الكتابة في الإسلاميات، والدفاع عن الإسلام ضد التنصير. إلا أنه ورغم ذلك ظل التأثر بالطابع الحضاري الغربي ملحوظا في عطائه الفكري وخاصة في كتابه "مستقبل الثقافة في مصر" الذي مثل ذروة التأثر بالغرب في مشروعه الفكري. أما المرحلة الرابعة والأخيرة (1952-1960) فيعتبرها المؤلف "مرحلة الإياب والانتصار الحاسم للعروبة والإسلام" وأهم ملامحها تتجسد في تأكيد طه حسين على "حاكمية القرآن الكريم" وانحيازه إلى العروبة التي صاغها الإسلام بعيدا عن الفرعونية التي تبناها من قبل. ويشير عمارة إلى أهمية رحلة طه حسين إلى الأراضي الحجازية عام 1955 وهي الرحلة التي هزته من الأعماق ومثلت قمة الإياب الروحي إلى أحضان الإسلام وميلادا جديدا له بعد مخاض عسير وفيها قدم لنا طه حسين كتابه "مرآة الإسلام" 1959، و"الشيخان" 1960.