منذ أيام أعطي الرئيس عبدالفتاح السيسي إشارة البدء في مشروع استصلاح المليون فدان كنقطة بداية يمكن من خلالها الانطلاق لاستكمال باقي المشروع الذي يهدف لزراعة 4 ملايين فدان هذا المشروع الضخم سيسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر من القمح والذرة والخضراوات، في الوقت الذي تفقد فيه مصر مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، إلا أن هناك تخوفات لدي خبراء الزراعة والري من توقف المشروع لوجود بعض المعوقات، المتمثلة في نقص المياه الجوفية وصعوبة حفر الآبار، وطالبوا بضرورة استخدام التقنيات الحديثة وإجراء الدراسات اللازمة، حتي يكتب لهذا المشروع التنموي النجاح. أكد الرئيس عبدالفتاح السيسي في كلمته التي ألقاها في الاحتفال بعيد الفلاح، أن تكلفة استصلاح المليون فدان تبلغ 150 مليار جنيه، مؤكداً أن تكلفة الفدان الواحد تبلغ 150 ألف جنيه فقط، مشيراً إلي أن هذا المشروع سيوفر ما يقرب من 400 ألف فرصة عمل، تتضمن ملاك الأرض، وبعض المهن المساعدة التي تخدم المشروع. وشدد الرئيس علي ضرورة ربط البحوث الزراعية بالسوق للارتقاء بجودة المحاصيل والإنتاجية، حتي تتواكب مع الارتفاعات في أسعار المدخلات للحفاظ علي دخل الفلاح، داعياً الفلاحين للمشاركة في المشروع. وفي مؤتمر صحفي أعلن الدكتور عادل البلتاجي وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، بدء المرحلة الأولي من استصلاح 4 ملايين فدان، التي تستهدف استصلاح مليون فدان في 11 منطقة تبدأ بثلاثة مواقع في الفرافرة وتوشكي، مؤكداً استبعاد زراعة أية محاصيل تحتاج لكميات كبيرة من المياه، فضلاً عن التركيز علي إقامة المجمعات الزراعية الصناعية في الأراضي المستصلحة، مشيراً إلي أن أبناء الشهداء من الشرطة والجيش سيكون لهم نصيب من مشروع استصلاح المليون فدان، فضلاً عن توفير مساحات للشباب والفئات الاجتماعية، وأشار إلي أنه جار تجهيز المواقع الأخري تمهيداً لزراعتها. هذا المشروع التنموي تم توزيعه علي ما يقرب من 10 مناطق، وهي توشكي 108 آلاف فدان، آبار توشكي 30 ألف فدان، الفرافرة القديمة 200 ألف فدان، الفرافرة الجديدة 100 ألف فدان، وامتداد شرق العوينات 50 ألف فدان، جنوب منخفض القطارة 50 ألف فدان، جنوب شرق المنخفض 50 ألف فدان، غرب المنيا 200 ألف فدان، المغرة 150 ألف فدان، وشرق سيوة 30 ألف فدان. تعتمد الأراضي المخصصة في توشكي علي مياه النيل من خلال المحطة الموجودة هناك، أما باقي الأراضي فتعتمد في الري عن طريق المياه الجوفية. تقديرات مختلفة الدكتور أيمن عبدالوهاب، خبير المياه والقضايا الأفريقية بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية، يري أن المؤشرات الأولية تؤكد إمكانية زراعة ال 4 ملايين فدان، فطبقاً لما تم وضعه من دراسات متعمقة يؤكد أن الأرض صالحة للزراعة، فخلال المرحلة القادمة سيتم إخضاع أراضي المليون فدان الأولي للشركات الاستثمارية الكبري لتتولي تنفيذ المشروع، فضلاً عن تخصيص مساحات كبيرة للشباب، وقد اتفق الخبراء علي أن يتم تقسيم المشروع علي 4 مراحل، وحتي الآن تم إنفاق ما يقرب من 6.5 مليار جنيه كبنية أساسية للبدء في المشروع، وعمل محطات لرفع المياه، والتمهيد لزراعة الأرض، وعلي الرغم من أن هناك تقديرات مختلفة بشأن فرص نجاح المشروع، الذي يعتمد علي المياه الجوفية، إلا أن الأمر لا يشكل مشكلة، خاصة أنه سينفذ علي مراحل، فالمياه الجوفية تخضع لتقديرات علمية بشأن الكميات المسحوبة منها، لأن زيادتها تؤدي لزيادة نسبة الملوحة، كما أن معدلات السحب تتوقف علي طبيعة التربة وخزان المياه، ونوعية الزراعات التي ستتم زراعتها في تلك الأراضي، وكل ذلك يخضع لمقاييس.. ويقول: في تقديري إذا تم تنفيذ المشروع علي مراحل فسوف نتمكن من الاستفادة من المياه الجوفية المتوافرة لدينا، لكن الأمر يحتاج للمزيد من الدراسات، خاصة أن هناك آراء مختلفة بشأن صعوبة توافر المياه اللازمة للزراعة، كما أن تكلفة المشروع ستكون مرتفعة.. ومن ناحية أخري يجب الأخذ في الاعتبار وجود عوامل أخري يتوقف عليها نجاح المشروع، فلابد من تقييم مسألة العدالة الاجتماعية، فيجب توفير الخدمات اللازمة لإقامة العاملين وتوطينهم هناك، وإخضاع المشروع لشركات كبري، أو لشباب التعاونيات، وهذه الأمور تحتاج أيضاً لدراسات أكثر تفصيلاً، حتي يتم استكمال المشروع بنجاح. التقنيات الحديثة الدكتور فوزي عبدالصمد، الأستاذ بمعهد بحوث الأراضي الزراعية، يقول: الأراضي التي سيتم استزراعها متوافرة بالفعل وتصلح للزراعة، لكن البعض يري صعوبة في توافر المياه، وهذا الأمر يتوقف علي ضرورة توفير هذا العنصر الحيوي بشتي الطرق، سواء بالاعتماد علي المياه الجوفية، أو مياه الأمطار أو الترع التي يمكن الاعتماد عليها أيضاً، ولا شك أن تقسيم المشروع علي عدة مراحل سيتيح له توفير كميات المياه اللازمة للزراعة، فهناك ما يقرب من 600 ألف فدان تم إجراء دراسات دقيقة بشأنها وتوفير المياه اللازمة لزراعتها، أما الأجزاء الباقية فما زالت تجري بشأنها الدراسات من أجل توفير الآبار لاستكمال المشروع، وعمل محطات لتحلية مياه البحر، وحفر آبار كبيرة لتخزين مياه الأمطار والسيول، خاصة أن مساحات كبيرة من المشروع ستتم زراعتها بمحاصيل القمح والذرة والخضراوات والفاكهة، ما سيسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي لمصر من تلك المحاصيل، في الوقت الذي تفقد مصر فيه سنوياً مساحات كبيرة من الأراضي الزراعية، لكننا لابد أن نستخدم التقنيات الحديثة التي تزيد من إنتاجية الفدان، والوسائل غير التقليدية كما هو معمول به في كثير من الدول، حتي لا تقابلنا أية صعوبات تعوق استكمال المشروع، فهذا المشروع الضخم يحتاج لمجهودات مكثفة، لدراسة طبيعة التربة، وقياس مدي صلاحيتها للزراعة، كما تم في المرحلة الأولي، وحتي يكتب لهذا المشروع العملاق النجاح. ندرة المياه الجوفية وكان للدكتور إمام الجمسي، أستاذ الاقتصاد الزراعي بمعهد بحوث الأراضي الزراعية، رأي آخر، فيقول: من المتوقع أن نتعرض لخسارة اقتصادية إذا تم البدء في تنفيذ مشروع ال 4 ملايين فدان لأن المشروع يعتمد علي المياه الجوفية في الزراعة، وهذا غير متوافر لدينا في الوقت الحالي، فالخزان الجوفي لابد أن يكون مخزونه كافياً لزراعة المساحة المطلوبة علي مدار 50 سنة علي الأقل، كما أن المناطق المستهدفة ستكون تكلفتها مرتفعة لأن تكلفة حفر البئر الواحدة تصل إلي مليون جنيه، هذا فضلاً عن تكاليف تشغيلها ومعظم الآبار الموجودة هناك في المناطق التي ستتم زراعتها بالوادي الجديد وتوشكي والعوينات عمقها يصل إلي 1000 متر، وكلما زاد العمق، ارتفعت تكاليف تشغيل البئر، ومن ناحية أخري نجد أن الفدان يحتاج علي الأقل إلي 6 آلاف متر مكعب من المياه سنوياً لزراعته، وهذا يعني أن ال 4 ملايين فدان تحتاج إلي 24 مليار متر مكعب من المياه لزراعتها بالكامل، والمشكلة تكمن في عدم توافر المياه الجوفية من ناحية، فضلاً عن التكلفة الاقتصادية الباهظة، في ظل نقص الموارد الذي نعاني منها، خاصة أن تكلفة استصلاح الفدان الواحد تتراوح ما بين 30 و35 ألف جنيه قبل البدء في زراعته وتشغيله، ومن الممكن أن ترتفع التكلفة عن ذلك، وهذا يعني أننا سنحتاج إلي ما لا يقل عن 35 مليار جنيه لاستصلاح المساحات المطلوبة بالكامل، هذا مع ضرورة الأخذ في الحسبان وجود نحو 560 ألف فدان تم احتسابها في المشروع، وهي المساحات المنزرعة بالفعل في توشكي، فضلاً عن 200 ألف فدان أخري موجودة بالعوينات والفرافرة. وطالب بضرورة الاعتماد علي الدراسات الدقيقة في هذا المشروع حتي يكتب له النجاح، وتوقع أن تتم زراعة ما لا يزيد علي 250 ألف فدان سنوياً، أما إذا تم إنجاز مليون فدان في السنوات الأربع الأولي، فهذا سيكون إنجازاً هائلاً من قبل القوات المسلحة، وتوقع أن يتم الاعتماد علي المستثمرين في تمويل المشروع لأن فرص الاعتماد علي المواطنين ستكون ضعيفة، ولن يكون مثل مشروع محور قناة السويس، لأن المخاطرة فيه ضعيفة، أما الزراعة فالمخاطرة فيها كبيرة، وفرص النجاح بالمشروعات الزراعية قليلة جداً. الدكتور أحمد عبدالخالق الشناوي، خبير دولي موارد مائية وتصميمات السدود بالأمم المتحدة سابقاً، يقول: لن نتمكن في الوقت الحالي من زراعة فدان واحد علي الأقل لعدم توافر المياه اللازمة لزراعته، خاصة أن المشروع يعتمد علي الري عن طريق المياه الجوفية، والمجتمع الذي يقوم علي المياه الجوفية حتماً سيفشل لأننا نعاني الآن ندرة بالمياه الجوفية، وهذا يعني أن الأراضي ستكون أراضي «مملحة» لأن مياه البحر ستدخل علي المياه الجوفية عندما تقل، ما يعني أن المزارع التي تروي بالآبار سوف تروي بالمياه المالحة، وأري أن هذا المشروع تدميري، فالفدان يحتاج عند زراعته بالري الحديث إلي 5 آلاف متر مكعب من المياه في السنة، وأي فدان يزرع مرتين كل عام، كما أنه سيتكلف علي الأقل 12 ألف جنيه للفدان الواحد، إذا توافرت المياه لزراعته، ويؤكد أنه لكي يتم نجاح المشروع لابد من البدء في تنفيذ مشروع نهر الكونغو، الذي سيتمكن من ري 20 مليون فدان، كما سيسهم في توليد كهرباء بنحو 55 جيجا علي الأقل، فبدون مشروع نهر الكونغو لن نتمكن من استصلاح تلك الأراضي، خاصة أن مياه الترع بدأت تجف.