هي خطوة شديدة الجرأة أن يتناول كاتب الآن سيرة حياة سيدة اختلف عليها الناس، كلهم.. سواء الذين أنصفوها وهم قلة عددية.. أو الذين هاجموها، وهم أكثرية.. فهي بلا شك كانت واحدة من أشهر سيدات مصر قبل ثورة يوليو 1952 بالذات.. فهل كانت شهرتها منبعها عائلتها الشهيرة في محافظة البحيرة.. أم نبعت شهرتها منذ تزوجت واقترنت بزعيم الأمة مصطفي النحاس.. انها السيدة زينب هانم الوكيل.. وهي فعلاً سيدة مصر التي كانت تنافس أشهر أميرات الأسرة المالكة.. بل وأيضاً نافست ملكتين متوجتين علي مصر: الأولي التي هتف الشعب لها يوم طلاقها من الملك فاروق وقالوا عنها- في مظاهراتهم- خرجت من بيت الدعارة.. أي القصر الملكي، إلي بيت الطهارة، أي حضن الشعب، ونقصد بها الملكة فريدة.. والثانية هي الملكة ناريمان التي تزوجها الملك فاروق وأنجبت له ولي عهده الأمير أحمد فؤاد، الذي أصبح ملكاً علي مصر، بعد تنازل والده عن العرش له. وأعتقد ان الصحافة المصرية لم تكتب عن شخصية نسائية مصرية كما كتبت عن هذه السيدة: زينب هانم الوكيل.. طبعاً بعد أن نترك جانباً سيدة مصر الأولي- قبلها- السيدة أم المصريين حرم سعد باشا زغلول، والتي كان والدها مصطفي فهمي باشا، هو أطول رؤساء مصر عمراً في رئاسة الوزراء.. والسيدة هدي شعراوي زعيمة النشاط السياسي النسائي المصري. وأن يجىء الزميل العزيز مصطفي عبيد ليحيي صورة هذه السيدة ويعيد ذكراها رغم انها رحلت عن عالمنا في نوفمبر 1967 وعمرها لم يتجاوز 55 عاماً وهي التي لم تتحمل رحيل زوجها- زعيم الأمة النحاس باشا- أكثر من عامين فلحقت به حزينة. أقول أن يجىء كاتب جريء ليروي قصتها كاملة بعد 47 عاماً فهذا يؤكد ان التاريخ لا ينسي الذين سطر حياتهم. والمهم أن زينب عبدالواحد الوكيل اختلف عليها حتي الوفديون أنفسهم سواء الذين لم يقبلوا زواجها من زعيمهم النحاس باشا ويرون أن هذه السيدة كانت وراء كل ما حاول أعداء الوفد أن يلوثوا به سمعتها وسمعة زعيم الأمة.. أو حتي غير الوفديين، ومن الذين خرجوا علي الوفد أيام النحاس باشا.. أو الذين كانوا يرون أن يبقي «النحاس» بلا زوجة ولا رفيق حتي يتفرغ للمعركة الوطنية. ولكن الحقيقة المؤكدة أن أحداً من المنصفين لم ينصفوا هذه السيدة في حياتهما أو بعد رحيلها.. وقد كانت صورها وحكاياتها تزين الصفحات الأولي للصحف اليومية.. ولا تخلو منها صفحات المجلات الأسبوعية.. حتي الإعلانات كانت هي أيضاً نجمة من نجماتها تماماً كما كانت أم المصريين وأنتج لها «الشبراويشي»- أشهر صناع العطور في مصر رائحة خاصة بها.. هي رائحة صفية زغلول. والكتاب الذي أصدره منذ أيام زميلنا العزيز مصطفي عبيد هو الوحيد، فيما أعتقد الذي ينصف زينب هانم الوكيل.. ولكنه يكشف أسراراً عديدة، تماماً كما لم يغفل الحديث عن «الاختلاف» هو بداية هذا الزواج وهل كان في يونية 1934.. أو عام 1935 أو حتي عام 1936 الذي ذكره إبراهيم باشا فرج الذي كان سكرتيراً ل«النحاس».. تماماً كما اختلف الناس حول تاريخ ميلادها أيضاً. أيضاً سلط المؤلف بوعي يحسد عليه الضوء علي ما قيل عن فساد دخل حزب الوفد بدخول زينب الوكيل حياة الزعيم مصطفي النحاس.. وكيف أن أعداء الوفد حاولوا تشويه حياة وسلوك النحاس باشا، من خلال حديثهم في كتابهم الأسود عما وصفوه من انحراف «النحاس».. وتناول تأثير هذا الزواج في قرارات حكومات «النحاس» المتتالية.. وكيف انها حاولت أن تفوز لأسرتها بالغنائم.. وما هي حقيقة «فرو» زينب هانم وكيف اشتراه لها الزعيم.. رغم انها ابنة عبدالواحد باشا الوكيل. وكيف فازت أسرتها بالمغانم.. وكيف وكيف.. وهو ما دفع حكومة الوفد إلي اصدار الكتاب الأبيض للرد علي ما جاء في كتابهم الأسود. المهم اننا لسنا هنا في مقام ذكر، أو تكرار، ما جاء في هذا الكتاب الخطير، الذي أراه كتاباً شجاعاً لمؤلف شجاع صدر عن دار شجاعة هي «الرواق للنشر والتوزيع» ليس فقط لأنه حاول إنصاف سيدة ظلمها الناس، والساسة، بل وثورة يوليو كلها.. حتي ان هذه الثورة كما دفعت الكاتب الشهير أحمد بهاء الدين لتشويه صورة الملك فاروق فأصدر- بعد شهر واحد من ثورة يوليو كتابه الشهير «فاروق» ملكاً.. تماماً كما دفعت صحفياً كبيراً آخر هو علي أمين لكي يصدر كتابه الشهير: هكذا تحكم مصر وأيضاً بعد أسابيع قليلة من الثورة. وكأن الاتفاق كان واضحاً في تشويه صورة العمل السياسي والحزب في مصر وبالذات حكم الوفد.. قبل هذه الثورة. والحمد لله أن يجىء أحد الكُتاب الشبان الواعدين ليرد اعتبار الوفد وزعمائه.. حتي ولو بعد 62 عاماً. وشكراً للمؤلف الواعد: مصطفي عبيد علي جهده الرائع وإخراجه لهذا الكتاب، الذي أنصف سيدة مصر زينب الوكيل.. ورد الاعتبار لها ولزعيم الأمة النحاس باشا.. شكراً، ألف شكر.