عن دار الرواق للنشر والتوزيع صدر كتاب جديد للكاتب الصحفى مصطفى عبيد بعنوان " زينب الوكيل سيدة مصر " يتناول سيرة حياة حرم مصطفى باشا النحاس رئيس وزراء مصر السابق . يُحلل الكتاب الذى اعتمد على شهادات موثقة من عدد من أفراد عائلة الوكيل ومذكرات الساسة المعاصرين الاتهامات التى لاحقت حرم الزعيم الوفدى والمحنة التى تعرضت لها بعد ثورة يوليو ، كما يرصد السنوات الاخيرة فى حياة الزعيم الراحل ومعاناته هو وزوجته من المصادرة وتحديد الاقامة وتشوية السمعة . ويقدم الكتاب فصلا عن تفاصيل محاكمة زينب أمام محكمة الثورة ، وفصلا آخر عن كتاب مكرم عبيد الاسود والذى ركز على اتهامات تخص حرم النحاس . وينفرد كتاب " عبيد " الجديد بمجموعة نادرة من صور السيدة زينب الوكيل لم تنشر من قبل منذ طفولتها وحتى قبيل وفاتها فى نوفمبر 1967 عن عمر 55 عاما . ويقول المؤلف أنه لا يجد دافع واضح لتناوله سيرة حرم النحاس باشا سوى الرغبة فى الانصاف وتصحيح التاريخ المزور الذى كتبه المنتصرون على حسب قوله . مقدمة الكتاب حملت اسم "وضوء ما قبل القراءة" وفيها يكتب مصطفى عبيد : " استكشاف مساحات الظل متعتى ، وفتح الملفات المغلقة وازالة الغبش عن حقائق التاريخ لذتى الكبرى ، أن يتحول الكاتب أو الباحث إلى لحظة نهار ، وشعاع فاضح فذلك يعنى أن الحقائق والأسرار لا تموت بموت أصحابها ، وإنما يقيض الله لها بعد ردح من الزمن مَن يُعيد قراءتها ويفك شفراتها ويشعل عود كبريت فى ظلمة الماضى . إننى أشعر أن يد الله تعمل فى الظلام ، لذا فإننى لا أعرف حتى الآن على وجه اليقين ما دفعنى أن أقضى ساعات وليال فى كتابة هذه الدراسة الإنسانية عن سيدة رحلت منذ أكثر من أربعة عقود . لا أعلم يقينا سر تلك الرغبة العارمة التى دفعتنى بقوة أن التقى عشرات الشهود ، وأفتش مئات الصفحات من الكتب والصحف والوثائق مُحللا ومقارنا ومستهدفا الحق والحقيقة . إننى لا أدرى حتى كيف طاوعنى الذهن وأطاعنى القلم أن أفتح نافذة معرفة لزمان كان أكثر جمالا ووطن كان أعلى رقيا ً. على هذه الأرض خطت سيدة جميلة عظيمة كانت شاهدة على حقبة هامة من تاريخ مصر .سيدة اسمها زينب الوكيل دفعت شبابها وجهدها وفكرها فى سبيل تعظيم قيم النزاهة والتحضر والرقى . سيدة كانت هى الاولى لدى الناس رغم وجود ملكات متوجات فى عصر الملكية . سيدة كانت شريكة حياة لمصطفى النحاس أنبل سياسى فى تاريخ مصر الحديث فى المجد والانكسار ، فى العطاء وحب الناس ، فى تحمل الألم والظلم . لقد جاءت زينب من الظل إلى النور حيث دنيا الرجل المتوج على قلوب ملايين المصريين . وقفت إلى جواره فى سنوات هى الاصعب والاشرف فى تاريخنا الحديث . شاركته انتصاراته وانتصارات مصر وشعبها فى مواجهة سلطة ملكية مستبدة ، واحتلال بريطانى بغيض ، وتلقت سهام الحساد والخصوم فى صبر وجلد يليق بسيدة عظيمة . كان خصوم الوفد وسماسرة السياسة والمنتفعون بالملك فاروق يهاجمون النحاس باشا من خلال زوجته . يختلقون حولها الحكايات ويروجون عنها الشائعات وينشرون ضدها المقالات والافتراءات بلا حدود فى الصحف والمجلات وحتى فى الكتب للانتقاص من قدره ، وكان الرجل يبتسم فى صبر وهو يعلم مقدار عطائه للأمة المصرية . وبعد ثورة يوليو وكعادة الأنظمة المُتسلطة اتسع حجم الافتراء وزاد عدد الخصوم وصار واضحا أن كثيرين صعدوا إلى رضا السلطة على حساب النحاس باشا وحرمه وتشويه صورتيهما . وفى ظل الحكم العسكرى الغاشم لنظام يوليو عاشت زينب الوكيل مع زوجها الزعيم المحبوب سنوات فقر وألم ومرض وحرمان . لقد صادرت حكومة الضباط ثروتها وحددت إقامتها ، ولم تعترف لها ولزوجها بأى دور وطنى قدموه لمصر، وظلا كلاهما مريضين حبيسين يشكيان إلى الله ظلم الحكام الجدد . وعلى مدى 13 عاما ساندت السيدة العظيمة زوجها بكل ما تملك . باعت حُليها وأثاث منزلها لتكفل له مصروفات علاجه حتى لقى ربه فى 23 اغسطس 1965 ، ولم يمهلها القدر أن تعيش طويلا بعده ، ففى 9 نوفمبر 1967 رحلت زينب الوكيل لتلحق به فى دار الحق ، بعد أن صبرت طويلا على افتراءات وأكاذيب دار الباطل لتطوى صفحة من المجد لم يكتبها أحد ، ولتثبت أنها لم تطق الحياة بعده سوى عامين فقط ، وتعجلت اللحاق به رغم أنها لم تكن قد جاوزت عامها الخامس والخمسين . لقد ظُلمت زينب حية وميتة . لم تذكرها كتب التاريخ إلا مُتهمة ، ولم تعرفها الأجيال التالية إلا مرورا كريما لا يناسب دورها أو عطائها "