ينشغل الناس الآن بانتخابات البرلمان القادم، والبعض تحرك بالفعل في الشارع المصرى ببعض الدوائر الانتخابية، وقبل أن تتحدد بشكل نهائى الدوائر الانتخابية، خاصة بعد صدور قرار جمهورى بإنشاء ثلاث محافظات جديدة.. المهم أن البعض بدأ التحرك مبكراً بهدف دخول البرلمان بغض النظر عن أي حسابات سياسية أو انتخابية أو حتى اجتماعية!! للأسف الشديد أن إحدى آفات مصر في الفترة الماضية كانت تكمن في برلماناتها التي تحولت من أداة للتشريع والرقابة على السلطة التنفيذية ومحاسباتها نيابة عن الشعب.. إلي أداة للسلطة التنفيذية، ووصل الحال بالبرلمان المصرى في بعض الأحيان إلي إصدار تشريعات تخدم النظام الحاكم بهدف تمكينه من السلطة، وازداد فجورها إلي حد التشريع لحساب بعض رجال الأعمال لحماية مصالحهم وزيادة ثرواتهم، كما رأينا في قانون الاحتكار.. وفي المقابل حصل معظم أعضاء هذه البرلمانات علي ثمن انحيازهم للحكومة علي حساب الشعب وحصلوا علي جزء من التورتة في شكل أراض وقروض وتسهيلات ومناصب ووظائف عليا لأبنائهم وأقاربهم والبعض استخدمها كواجهة اجتماعية، وتركوا الشعب يئن في مشاكله وهمومه. كلنا يذكر آخر انتخابات برلمانية جرت قبل ثورة 25 يناير بشهور قليلة، والتي كانت أحد أهم أسباب زيادة الاحتقان الشعبى عندما تم سلقها وتزويرها بصورة فجة إلي حد أن غالبية الشعب لم يعترف بها، وأعلنت بعض القوي السياسية عن تشكيل برلمانات موازية بهدف إحراج النظام داخلياً وخارجياً، الأمر الذي جعل الرئيس الأسبق يسخر من هذه القوى بقوله -خليهم يتسلوا- وهو أمر كان له مردوده العكسى وتسبب في زيادة الغضب وكان أحد الأسباب في مساندة الشعب لمظاهرات الشباب حتي تحولت إلي ثورة اختطفتها جماعة الإخوان بعد أن تركت الأحزاب السياسية الساحة لهم، وذهب بعضها يبحث عن الفتات من خلال الإخوان.. إلا أن الشعب عاد واسترد الوطن في 30 يونية. الآن وبعد ثورتين نجد للأسف نفس الثقافة القديمة والنظرة الانتهازية تعود من جديد بهدف خطف مقاعد البرلمان سواء علي المستوي الحزبى أو الفردى، وكأن عجلة التاريخ تعود إلي الوراء والماضى بكل ما يحمله من فساد وإفساد.. والمؤسف أيضاً أن كل من يفكر من مقاعد البرلمان ينسى أو يتناسى كل الظروف والمتغيرات التي مرت بها مصر وحالة الانفلات التي تمر بها مصر في بعض الأماكن، وأيضاً حالة الاحتقان في الشارع سواء لأسباب سياسية أو معيشية مثل أزمة الكهرباء التي أصبح لها تأثير بالغ علي كثير من الناس، وكلها عوامل تهدد العملية الانتخابية ويمكن أن تحولها إلي مشكلة كبرى في مصر في ظل التربص الدولى والأموال التي تضخ لبعض الفصائل. أيضاً هناك سبب مهم وجوهرى وهو ضرورة بناء نظام سياسي جديد يؤسس لدولة ديمقراطية حديثة، وهو أمر يحتاج بصراحة لقانون جديد لمباشرة الحقوق السياسية يطرح للنقاش المجتمعي لفترة لا تقل عن 6 أشهر وتساهم في وصفه وتشكيله معظم القوي السياسية والوطنية حتي يساهم في تغيير شكل الحياة السياسية في مصر وعلي رأسها البرلمان القادم الذي يجب أن يضم النخبة الفكرية في الاقتصاد والسياسية والثقافة وعلم الاجتماع وغيرها وليس فقط أصحاب المال حتي لا نجد أنفسنا أمام صورة متكررة من البرلمانات السابقة التي كانت أشبه بتجمع أصحاب المصالح.