تشهد مصر خلال الفترة القريبة القادمة إجراء الانتخابات النيابية المرتقبة التي تكتسب أهمية خاصة باعتبارها أول انتخابات نيابية تشهدها البلاد عقب ثورة 30 يونيو وتعبر عن استكمال الاستحقاق الثالث من خارطة المستقبل السياسي والتخلص من الفراغ السياسي والمؤسسي الذي عانت منه مصر، كذلك من مظاهر الخصوصية في هذه الانتخابات النيابية كونها تدور في وقت تعاني منه البلاد من صعوبات وضغوط وتحديات داخلية وإقليمية ودولية مما يضع المزيد من المسئوليات والأعباء على المجلس النيابي القادم نظرا لدوره الهام والمتوقع في مواجهة هذه الصعاب والتحديات والتغلب عليها تحقيقا لمصالح شعب مصر الذي قام بثورتين في فترة زمنية وجيزة للوصول إلى تحقيق آماله وطموحاته، ويمكن في هذا الإطار الإشارة إلى عدة ملاحظات أساسية وذلك على النحو التالي:- أولا: إن المقصود بالانتخابات وعلى أي مستوى (رئاسية – نيابية - محلية) هو عملية اختيار وانتقاء ومفاضلة بين المرشحين لاختيار الأنسب والأفضل، ويقصد بذلك أن الناخب أو المواطن عند ممارسته لحقه الانتخابي الذي يكفله له القانون والدستور لا يقوم بممارسة هذا الحق (أو الواجب) بطريقة روتينية أو خوفا من غرامة مالية يفرضها عليه القانون، بل يقوم الناخب بعملية الاختيار والانتقاء بوعي وذكاء وأن يضع أمام عينيه دائما مصلحة الوطن العليا ومستقبل أبنائه وألا يتأثر بمحاولات الإغراء المادي أو الإكراه المعنوي أو الإرهاب الفكري وبحيث تكون اختيارات الناخب معبرة فعليا عن رغباته وتفضيلاته،كذلك فإن الانتخابات في النظم الديمقراطية لا تكون نتيجتها معروفة سلفا أي لا يكون معروفاً مسبقا من هو الحزب الفائز (أو الائتلاف الحزبي أو الكتلة السياسية) التي تفوز بالأغلبية في الانتخابات، وحتى لو كانت هناك توقعات معينة بفوز طرف سياسي معين فإن هذه التوقعات يمكن أن تخطئ أو تصيب، ولا يكون معروفا على وجه التحديد الطرف الفائز في كل دائرة انتخابية مسبقا وهذه من أهم سمات العملية الانتخابية الصحيحة حيث لا يمكن توقع نتائج الانتخابات بطريقة يقينية. ثانيا: إن الانتخابات النيابية القادمة يتوقع أن تشهد منافسة بين أطراف متعددة وإن اختلفت درجة الثقل النسبي لكل طرف، وتتمثل أهم هذه الأطراف فيما يلي: أ- الأحزاب سواء كانت منفردة أو تكتلات حزبية. ب- المستقلون. ج - الأحزاب ذات الانتماء الديني سواء المحظورة منها أو المتواجدة على الساحة السياسية. د- ائتلاف شباب الثورة. ه - الشخصيات العامة. وبالنسبة للأحزاب فإنها تواجه تحدياً لإثبات وجودها وثقلها السياسي وكذلك تحدياً لقدرتها على تحقيق درجة من التوازن في العملية السياسية ،ويقصد بالأحزاب في هذا النطاق الأحزاب المدنية وما يرتبط بها من كتل سياسية حتى لو لم تصل إلى مرحلة تكوين الأحزاب بالمعنى المستخدم في العلوم السياسية، كذلك قد ترتبط بهذه الأحزاب انتخابيا بعض النقابات الهامة والمؤثرة في العملية الانتخابية سواء كانت نقابات مهنية أو عمالية ويتوقع أن تحصل الأحزاب بهذا المعنى على المقاعد المخصصة للقوائم والتي تقدر بقرابة ربع مقاعد المجلس النيابي (23%) وذلك بالإضافة إلى مدى مهارة الأحزاب في خوض انتخابات المقاعد الفردية من خلال دفع مرشحين أقوياء لخوض هذه الانتخابات مع ملاحظة أنه ليس من المحتم أن يقوم كل حزب (أو تكتل حزبي) بالدفع بمرشحين على جميع المقاعد بل يحسن اختيار المناطق التي يتمتع فيها بالشعبية. ويمثل المستقلون أيضا رقما هاما في البرلمان القادم سواء كان هؤلاء المستقلون مستقلين حقيقيين أو ينتمون إلى الحزب الوطني السابق أو نظام الإخوان (في الصفين الثالث أو الرابع) ويخوضون الانتخابات تحت لافتة المستقلين وإذا لم تتوحد جهود الأحزاب في جبهة قوية فإن الأغلبية في المجلس النيابي القادم يمكن أن تكون للمستقلين، أما الأحزاب ذات الانتماء الديني فمنها ما هو قائم بالفعل مثل حزب النور وغيره، ومنها ما هو محظور مثل الحرية والعدالة، ومن غير المتوقع أن تفوز هذه الأحزاب بنسبة كبيرة من المقاعد وذلك بعد الأحداث والتطورات السياسية التي شهدتها البلاد في السنوات السابقة، وقد لا تزيد النسبة التي تحصل عليها هذه الأحزاب على 10% ومعظمها من خلال المقاعد الفردية وبشرط أن يحسن الشعب الاختيار وألا يخضع لتأثير الإغراءات أو الضغوط ،كذلك من المتصور أن يحصل شباب الثورة على نسبة من المقاعد قد لا تكون كبيرة في الانتخابات القادمة وإن كان يتوقع زيادتها في المستقبل، كذلك من المتوقع أن يكون هناك تواجد في مجلس النواب القادم لنسبة من الشخصيات العامة وأصحاب الخبرة والكفاءة سواء من خلال القوائم أو المقاعد الفردية تستعين بهم الأحزاب في خوض الانتخابات نتيجة لدورهم الهام المتوقع في البرلمان القادم. ثالثا: إن البرلمان القادم تقع عليه الكثير من المهام والأعباء مثل اصدار القوانين المكملة للدستور وتحويل الدستور إلى واقع يعيشه ويحياه المواطن العادي وتحقيق مبادئ الثورة في العيش والحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، كذلك مواجهة الإرهاب وعلاج التضارب التشريعي وكذلك ما قد يكون هناك من نقص تشريعي في بعض الأحيان، بالإضافة إلى اصدار ما يلزم من قوانين وتشريعات لتحقيق المشروعات القومية الكبرى والحفاظ على الاستقرار السياسي، وبالإضافة إلى مهام البرلمان فهناك أيضا مهام الشعب في أن يحسن الاختيار للمرشحين وألا يعاد إنتاج نظام سبق أن أسقطه الشعب ،كذلك هناك مهمة للحكومة وللأجهزة الرقابية في تتبع الإنفاق الانتخابي وعدم تجاوزه السقف الذي حدده القانون ومعرفة مصادر تمويل الحملات الانتخابية، وحتى يكون مجلس النواب قويا بأعضائه وقويا بقدراته ووظائفه وخبراته حتى يمكن الوطن من التغلب على ما يواجهه من مصاعب وتحديات. أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة