انتشرت منظمات الإرهاب في العالم، خاصة في العالم العربي، بصورة وبائية . ووجد المختصون أن متابعة هذه الظاهرة من ناحية عملياتها الإرهابية، أصبحت تحتاج إلى البحث في ناحية أخرى، وهي الاستعانة بعلم النفس السياسي، والجنائي، لتشخيص طبيعة الأشخاص الذين يتوجهون إلى هذه الممارسات التي تدفعهم إلى قتل الآخرين، وربما قتل أنفسهم انتحاراً. وبرزت ضمن جهود التشخيص، دراسة عنوانها "سيكولوجية إرهابيي القاعدة"، أعدها العالم النفسي د .مارك ساغمان، معتمداً على 18 مرجعاً علمياً، ولما كانت الأغلبية العظمى من المنظمات الإرهابية ترتبط بالقاعدة بصورة أو أخرى، فقد اعتبرت المعايير التي توصلت إليها هذه الدراسة، تنطبق على هذه المنظمات جميعاً، والتي رصدت عدداً من الدوافع وراء تشكيل عقلية الإرهابي، ودوافعه . وكان اللجوء إلى التشخيص النفسي، مدفوعاً باعتبار السلوك الإرهابي، منشقاً عن سلوكيات الإنسان الطبيعي . وقد التقى واضعو هذه الدراسة، نوعيات من الإرهابيين، بعضهم ممن انشقوا عن هذه المنظمات، والبعض الآخر من الذين اعتقلوا ونقلوا إلى قاعدة غوانتانامو . كان هناك اعتقاد قديم بأن الذين يمارسون الإرهاب، يعوضون عقدة في ماضيهم، لكونهم من عائلات فقيرة أو معدمة، أو أن منهم من هو جاهل وليست أمامه فرصة، أو مهارات لتحسين مستواه المعيشي، أو أنهم من ضعاف العقول، الذين يسهل تعريضهم لغسل المخ، أو من هو مريض عقلياً، ومصاب باضطراب في الشخصية . لكن الدراسة الجديدة، سعت للخروج عن نطاق هذه الأحكام، بعد أن ظهر خلال السنوات القليلة الماضية، أن معظم الإرهابيين لم يأتوا من دول فقيرة للغاية مثل أفغانستان، وأن معظمهم قدموا من دول عربية، وبعضهم من طبقات متوسطة، وبينهم متعلمون، دارسون للهندسة، والطب، والكمبيوتر، والتجارة . لقد كان التفسير القائم على أن الإرهاب نابع من مرض عقلي، أو غريزة فطرية تحرك الشخص للجريمة سببه أن الأشخاص الطبيعيين لا يقتلون الناس، عمداً، أو عشوائياً، وإن تصرفات الإرهابيين، تبرهن على أنهم معادون لمجتمعاتهم . لكن الأبحاث التي استمرت لسنوات طوال استبعدت إصابة الإرهابي بمرض عقلي، بل إنه واع تماماً لما يفعله . وأظهرت الأبحاث أن الإرهابيين بصفة عامة تجمعهم عناصر مشتركة من الشخصية؛ فهم مندفعون في تصرفاتهم بلا ضابط، وعدوانيون بطبيعتهم، ولديهم نهم للإثارة، وهم يسعون وراء هذه الإثارة، ولديهم نزعة الانعزال حتى عن أسرهم، وربما يعود ذلك إلى عقد نفسية نشأت عن معاناة في طفولتهم . ولذلك لا تجد لديهم ولاء نحو آبائهم، وأنهم يصبحون أكثر ارتباطاً بأفراد غرباء عنهم يشعرونهم بأنهم في مركز القيادة منهم، وهو ما يشبع جوعهم للإحساس بأنهم أشخاص لهم أهميتهم . الدراسة النفسية وجدت أيضاً أن الإرهابيين مصابون باضطراب في الشخصية مرجعه إلى جنون العظمة، وتتفاعل داخلهم مكونات ممتزجة بعضها، من الإحباط، وخيبة الأمل، ويتجه شعور كامل بأن أي شيء يحدث لهم لا يرضيهم . وبالنسبة للقادمين من طبقات متوسطة، الذين حصلوا على قسط معقول من التعليم، وهم من عائلات متدينة، ونشأوا مؤمنين بالقيم الدينية السامية، والذين يجيدون اللغات الأجنبية، والتعامل مع وسائل التكنولوجيا الحديثة، فقد وجدت الدراسة أن ثلاثة أرباعهم انضموا للمنظمات الإرهابية، عندما ذهبوا للدراسة في الخارج . وهناك بدأت تحتويهم مشاعر الوحدة، والغربة، والحنين للوطن، والشعور بأنهم لا ينتمون إلى المجتمعات التي يتلقون فيها العلم . وأثناء مرورهم بتلك الحالة النفسية، يلتقون أشخاصاً يقيمون معهم صداقات، ويحاولون التخفيف من مشاعرهم القاسية، لكن هؤلاء الأشخاص يتحركون تجاههم بدوافع ممنهجة تترصدهم وتلتقطهم، لتزيد لديهم فكرة انفصالهم عن كل المجتمعات، حتى التي جاءوا منها، وتقنعهم بأنهم ينتمون إلى عالم آخر يصورونه لهم، على أنه يمثل الدين الصحيح، وبهذا يقيمون لهم جداراً للعداء مع من ينتمون معهم لنفس الدين، طالما أنهم لا ينتمون إلى نفس تنظيمهم، الذي يتحول في نظرهم إلى أنه قرين للدين ذاته . خلاصة الدراسة القائمة على تشخيص سيكولوجية الإرهابي، وجدت أنه شخص تمت إعادة تشكيل عقليته، باستغلال نقاط ضعف كامنة فيه، وتم تحويله من إنسان طبيعي إلى آلة للقتل . ويتم شحن هذه الآلة بأفكار تجردها من النزعات الفطرية للإنسان، ومن القيم الدينية والأخلاقية، والإنسانية التي يتمتع بها الإنسان الطبيعي . وبهذه الطريقة يصبح عقله مثل كتلة صماء من التفكير المتحجر، الذي انتزعت منه مشاعره الإنسانية نحو وطنه، ومجتمعه، بل وأحياناً نحو عائلته ووالديه . نقلا عن صحيفة الخليج