تعد مواقع التواصل الاجتماعى عبر الإنترنت من أحدث تقنيات الاتصالات الحديثة وأكثرها شعبية، ورغم أن هذه المواقع أُنشئت للتواصل الاجتماعى بين الأشخاص فإن استخدامها امتد ليشمل النشاط الجنائى والإجرامى من خلال تداول المعلومات الخاصة بتشويه الأفراد أو بتكدير الأمن والسلام الاجتماعي، وكذلك الترويج لأعمال الشغب والعنف وإشاعة الكره بين الشعوب، والسخرية اللاذعة واستخدام ألفاظ نابية، وعمليات الاحتيال والنصب والتهديد والابتزاز، والخروج على ثوابت المجتمع، كما أسيء استخدام الإنترنت في نشر مواقع تبث صوراً وأفلاماً خليعة تتصف بالعري والإباحة، وعدم الخصوصية في المعلومات وسرقتها، ونشر معلومات غير صحيحة وقد تكون مؤذية للأشخاص، وأحياناً يتم تلفيق الحوادث ونشر الشائعات والأخبار المغلوطة والادعاءات الكاذبة والباطلة، والتهجم علي الآخرين بإظهار عجزهم وجهلهم وقصورهم، فضلاً عن تتبع العورات ونشر الخرافات والادعاء بحدوث معجزات، وزيادة أعداد مستخدمى شبكات التواصل الاجتماعى خلال السنوات الأخيرة يعجل بانتشار الأفكار السيئة والهدامة التى يتأثر بها المجتمع المصري فى العصر الحالى، وتزايدت خطورتها مع التأثيرات السريعة والتغيرات المتلاحقة التى تحدثها الشبكات لمستخدميها خاصة النشء والشباب، وهو ما يتطلب وقفة لردع الفساد الأخلاقى عبر الإنترنت؟ علي من تقع مسئولية الجرائم الأخلاقية علي الشبكة العنكبوتية؟ كيف نكافح جرائم التواصل الاجتماعى فى النصب والاحتيال والسب والقذف؟ الأخلاق هي عنوان تقدم الشعوب، وقد حثت عليها جميع الأديان السماوية، ونادي بها المصلحون، باعتبارها أساس الحضارة، ووسيلة للمعاملة الراقية بين البشر، هكذا بدأ الدكتور أحمد يحيي عبدالحميد، أستاذ الاجتماع السياسي بجامعة السويس حديثه. وأضاف: أنه من المؤسف أننا نبحث عن شماعة نعلق عليها أخطاءنا وخطايانا، ففي العهد القديم تحدثنا عن خطايا وأخطاء الإعلام أنه جيل تليفزيوني وحملنا التليفزيون كل عيوب السلوك الإنساني، وبعدما اكتشفنا الفضائيات والإنترنت واستخدمناها علقنا عليها أيضاً شماعة فساد وانحراف الأخلاق وعدم احترام الآخر كأسوأ القيم في المجتمع، وهنا تكمن الخطيئة الكبري، فالعالم كله يتعامل مع هذه الآليات، ولكن الفرق بيننا وبينهم أنهم تأسسوا علي نسق قيمي أخلاقي سائد في المجتمع ككل، فلا تؤثر فيه مواقع التواصل الاجتماعي أو أي أجهزة أو آلات حديثة. وأرجع ذلك إلي غياب القيم لدي الأسرة المصرية والمدرسة، وأيضاً في وسائل الإعلام التي أصبحت أكثر فجاجة، وانهيار الخطاب الديني، والثقافي العام، فضلاً عن اختفاء العلاقات الإنسانية والاجتماعية المنضبطة، وليست في الحاسب الآلي أو شبكات التواصل الاجتماعي فقط، وحيث إن الأخلاقيات تمارس بداية من الأسرة، ثم تدعم في معاهد العلم والمدرسة، كما يلعب الإعلام والخطاب الديني دوراً مهماً في تغذيتها مع جيل هذا الزمان الذي لن يجد ثقافته ولا ذاته أو قيمته في كل هذه المؤسسات، فإنه يلجأ للأسف الشديد إلي ما يعرف ب«المجتمع الافتراضي» ومن خلاله يقوم باستخدام الفيس بوك ويمارس حياته ويقول ما يشاء بداخلها، ولأن فهمنا مازال خاطئاً عن مفهوم الحرية، قد ساعد استخدام هذه التقنية الإلكترونية، إما للإهانات أو للتطاول أو للسب أو للقذف أو لاستخدامها لنشر الدعوات والصلوات، أو توظيفها لخدمة أغراض سياسية، أو جنسية غير أخلاقية في بعض الحالات، لكن بالطبع ليس العيب كما قال الشعراء في الوسيلة الحديثة إنما العيب الحقيقي في مستخدمها، فإذا تربي الإنسان علي حسن استخدام تلك الآلة كانت لها فائدة كبيرة فيما يعرف بالتواصل الاجتماعي والاستفادة العلمية منه، ولكن إذا استخدمت المواقع فى أغراض مشبوهة أصبحت أداة هدم وليست أداة بناء. وطالب الدكتور «عبدالحميد» بضرورة قيام الأسرة بدورها في مراقبة ومتابعة أبنائها، وأن تقوم المدرسة ومعاهد العلم بالتوجيه والتبصير نحو أهمية هذه الأجهزة علمياً، وكيفية الاستفادة من هذا الأسلوب الإلكتروني في بناء الأخلاق والقيم الإنسانية الحميدة، والحرص علي أن يكون وسيلة من وسائل المعرفة والإبداع والابتكار، وعلينا أن نتخذ من الدول الأخري نموذجاً لذلك فمثلاً اليابان تقدمت من خلال وسائلها التكنولوجية وكذلك الهند وماليزيا، بل أعظم الدول استطاعوا أن يجعلوا من التواصل الاجتماعي عبر التكنولوجية الحديثة وسيلة للتقدم، بدلاً عن الهدم وضياع الوقت، وهذا للأسف لم يحدث في مصر. مشيراً إلي أن المسئولية لا تقع علي الآلة الحديثة وإنما تقع علي المواطنين جميعهم في سوء استخدام هذه الأداة أو الوسيلة. إجراءات عقابية محمد زارع، الناشط الحقوقي ومدير ومؤسس المنظمة العربية للإصلاح الجنائي، يطالب بضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية الرادعة تجاه من يصدر عنه أفعال غير لائقة ومنها ازدراء الأديان، والتشهير، والإساءة للسمعة، وخدش الحياء، والتهديدات، وإهانة الآخر، والدعوة للخروج على الثوابت المجتمعية، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والأمر يتطلب تقدم المعتدي عليه إلي السلطات المختصة وهي النيابة العامة لاتخاذ ما يلزم تجاهه، وبناء عليه يجوز تتبع مرتكب الجرائم غير الأخلاقية بأمر قضائي مسبب، ولمدة محددة، وفى الأحوال التي يبينها القانون، لأنه لا يحق لأي إنسان المساس بحقوق الآخرين، وهو ما يعاقب عليه قانون العقوبات المصري. الشيخ عبدالباسط عبدالسلام محمد، مدير عام دار الإفتاء بمحافظة البحيرة، يدعو إلى تمسك الإنسان بالأخلاق الحميدة والدعوة إليها وهو ما يعد أحد أبرز أهداف الدين الإسلامي، قال الرسول محمد: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، وبهذه الكلمات حدد الرسول الكريم الغاية من بعثته، ومن ثم يجب علي مستخدمي وسائل التقنية الحديثة خاصة الشباب باعتبارهم شمس مصر الساطعة ومستقبل الأمة بأكملها ضرورة التحلي بالأخلاق الحسنة والبعد عن أفعال الشر والآثام المحرمة في جميع الأديان السماوية وعلي رأسها الدين الإسلامي، لتحقيق الكثير من الأهداف النبيلة، ومنها سعادة النفس ورضاء الضمير، كما أنها ترفع من شأن صاحبها وتشيع الألفة والمحبة بين أفراد المجتمع المسلم وهي طريق الفلاح والنجاح في الدنيا والآخرة، فالانضباط هو صمام الأمان للنهوض بالمجتمعات. وأضاف: لابد أن يحرص الجميع علي ثبات القيم الأخلاقية الطيبة والمثل العليا، والتعامل مع الآخر بمبادئ تقنع العقل وترضي الضمير، لأن الخُلق صفة يتصف بها الإنسان، تظهر أفعالاً حسنة أو سيئة، فإن كان ما يصدر عن الفرد أمر يلحق الضرر بالآخرين كان الخلق سيئاً، وهو ما يحتاج إلي تفعيل دور المؤسسات الدينية الغائبة عن توجيه المواطنين بالنصح والإرشاد والحث علي الالتزام بالقيم الإنسانية السمحة وصحوة الضمير واعتدال العقل البشري والإحساس بالواجب والقوانين الملزمة، حتي تنصلح حال الأمة.