عندما جاءت سلطة يوليو إلى الحكم عام 1952 أرادت أن تصنع لنفسها كياناً ثورياً شرعياً، فأسرع أحسن المتحدثين فيهم من الضباط الأحرار وهو البكباشى (أ. ح) جمال عبدالناصر بإصدار كتيب أسماه «فلسفة الثورة» يؤكد فيه للجماهير المتعطشة للتغيير فى ذاك الحين، أنهم ثوار، وأن تلك الحركة العسكرية التى قامت ليلة 23 يوليو لا تنحصر فى مطالب عسكرية خاصة بل هى بداية لعمل تغييرات شاملة عامة! لكن خروج هذا الكتيب المعنون ب«فلسفة الثورة» لم يذكر شيئاً عن مبادئ هذه الثورة أو أهدافها، بما يدل على أنها كانت مجرد حركة عسكرية لولا زعم الولاياتالمتحدة بأنها لا تتدخل فى شئون الدول الداخلية، وهو الكلام الذى ثبت نفاقه يا أمريكا أفغانستان والعراق؟! وكما هو الأمر الذى شجع الضباط الأحرار لإحداث قنبلة دوى صداها فى كل أرجاء العالم، وذلك بتنازل ملك مصر عن عرشه.. وهكذا وجد الضباط الأحرار أنفسهم أبطالاً بين عشية وضحاها، ولعبت نشوة النصر برءوسهم فأصبح لزاماً عليهم إصدار قرارات تصنع أحداثاً مهمة لا تقل فى روعتها عن حدث التنازل الملكى عن العرش بما دفعهم لإصدار قرارات ثورية مهمة تدعم وجودهم من جهة وتحوّل حركتهم العسكرية إلى ثورة! ولأنه لم يكن لديهم مخطط سابق لعمل ثورة قومية أو لديهم خبرة سياسية أو قضايا فكرية تخدم تطلعات رءوسهم فقد أصدروا عدداً من القرارات التى قلبت بالفعل أوضاع البلاد رأساً على عقب لكن بلا دراسة علمية متأنية متعمقة كحل الأحزاب السياسية الذى أدى بمقتضاه إلى فقدان مصر لحزب الوفد المصرى وهو حزب الأغلبية النابض بالوجدان الوطنى، لأن النظام الجمهورى الرئاسى الذى لا يصلح لمصر الفرعونية والتى أثبتت تجارب العقود الستة فشله بإنجاب ثلاثة فراعنة من النوع المستبد والذى استطاع كل أن يزيد شعبه لوناً من الاستبداد المختلف عن الآخر بما ضاعف من إرهاق النفسية القومية بصورة بالغة، وقانون الإصلاح الزراعى الذى قام بتفتيت الرقعة الزراعية وانتزع سيادة مصر العظمى عالمياً فى تصدير الأقطان وحاصلات زراعية أخرى.. كما اتفقوا على كثير من التوجهات المصيرية كالقضاء على فئآت عظيمة من الساسة الوطنيين والقانونيين، وطبقة الأعيان الأبرار والملاك الأخيار، وزوال صالونات الفكر والثقافة، وإلغاء عيد الجهاد الوطنى (13 نوفمبر) الذى يعد جزءاً من التراث الوطنى بثمة أن مصر ولدت يوم 23 يوليو دون قبلها، والاستعانة بأهل الثقة دون الخبرة، وغيرها كثير.. وكثير! ونتيجة لذلك أن تردت البلاد من سىىء إلى أسوأ عقداً بعد عقد، وحتى فشلت سلطة يوليو فى تحقيق الأهداف التى زعموا بأنهم قاموا من أجلها (وتفصيل ذلك فى مقال آخر). وحيث إنه من الثابت أن ثورة 25 يناير ليست ضد فساد ثلاثين عاماً، بل ضد استبداد ستة قرون متوالية، وأنه لولا فشل سلطة يوليو فى تحقيق أهدافها ما قامت ثورة 25 يناير. وأن هذه الثورة النبيلة العظيمة، إنما قامت لتصلح ما أفسدته سلطة يوليو ولتصحيح المسار الذى كانت تسير عليه مصر أعقاب ثورة 1919، وحتى عام 1952، لذلك يصبح من الضرورى إلغاء يوم 23 يوليو كعيد قومى لمصر حتى لا نستمر فى الضحك على أنفسنا أكثر من ذلك، أو حتى لا نستمر فى وضع رءوسنا فى الرمال تجنباً لمواجهة أنفسنا بالواقع المرير، وحتى نجعل من يوم 25 يناير عيداً قومياً لمصر المحروسة الجديدة المجيدة، سيما وقد دخلت التاريخ كواحدة من أشرف وأنبل ثورات الحضارة الإنسانية البناءة.