احتلت مدينة جدة، التي يعود تاريخها الى عصر ما قبل الإسلام، مكانة هامة عبر الحضارات المختلفة، ولكنها في بدايات العصر الإسلامي، شهدت نقطة تحول كبيرة عندما اتخذها الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه ميناءً لمكةالمكرمة في عام 26 ه/ 647 م، ومن تلك الفترة، اكتسبت مدينة جدة بُعدَها التاريخي الإسلامي الذي جعلها واحدة من أهم المدن الواقعة على سواحل البحر الأحمر، وبوابة للحرمين الشريفين. ونظراً لقيمتها التاريخية والعمرانية، ومكانتها لدى المتخصصون الذي يضعونها في مقدمة المدن التي يتمثل فيها بوضوح الطراز العمراني المتميز لحوض البحر الأحمر، فإن الهيئة العامة للسياحة والآثار سعت بقوة الى إدراج ملف "جدة التاريخية" للتصويت عليه من قِبل لجنة التراث العالمي بمنظمة "اليونيسكو" لتكون ضمن قائمة التراث العالمي، وهو ما تحقق بالفعل، حيث تم إدراجها للتصويت خلال الدورة الثامنة والثلاثين التي ستعقد في دولة قطر في يونيو من عام 2014م الجاري. تضم "جدة التاريخية" عدداً من المعالم والمباني الأثرية والتراثية المهمة، والتي من أبرزها المساجد التاريخية ذات الطراز المعماري الفريد، مثل: (مسجد عثمان بن عفان، ومسجد الشافعي، ومسجد الباشا، ومسجد عكاش، ومسجد المعمار، وجامع الحنفي، وسورها التاريخي الذي تم تشييده وتزويده آنذاك بالقلاع والأبراج والمعدات العسكرية ليكون حصناً منيعاً يحمي المدينة من هجمات الطامعين والسفن الحربية التي تغير على المدينة عن طريق البحر. كما يتجلى تراثها العمراني في حاراتها التاريخية التي تختزن في مسمياتها الكثير من القصص والأحداث، بالإضافة إلى أسواقها التي تتميز بطابعها الخاص الذي جعلها مختلفة عن الأسواق المشابهة في غيرها من المدن. أحيطت مدينة جدة قديما بسور طيني له ثماني بوابات تفتح فجراً وتقفل عشاء، شيدت من أجل حماية شريان الحياة في حاراتها المقسمة آنذاك إلى ثلاث حارات رئيسية؛ هي: حارة الشام في الجزء الشمالي، وحارة اليمن في الجزء الجنوبي، وحارة المظلوم التي تقع بينهما. لكل حارة من هذه الحارات «عمدة» يطلق عليه «شيخ الحارة»، وهو المسؤول عن الشأن العام فيها، فضلاً عن أنه بمثابة همزة الوصل بين السلطة، والشرطة، وأهل الحارة. كما عرفت بوابات جدة الثماني بباب المدينة الذي كان يقع في حارة الشام، حيث كانت هذه البوابة تستخدم للوصول إلى «القشلة» وهي الثكنة العسكرية القائمة حتى يومنا هذا، كما كان الباب يستخدم لمرور العربات المحملة بالحجارة المستخرجة من المناقب الواقعة شمال مدينة جدة، والطين المستخرج من بحر الطين أو ما أصبح يُعرَف ببحيرة الأربعين والمستخدم في بناء بيوت جدة في ذلك الوقت. هناك باب جديد جرى تشييده في مطلع العهد السعودي وهو آخر البوابات التي بنيت على السور الذي تهالك عام 1366ه، ويقع في القطاع الشمالي من السور شرق بوابة المدينة، وباب مكة الذي يقع أمام سوق البدو، وينفذ إلى أسواق الحراج والحلقات الواقعة خارج السور، كما يوجد باب شريف الذي يقع أمام برحة العقيلي، وباب النافعة وهو أولى بوابات السور من جهة الغرب من ناحية الجنوب، إلى جانب باب الصبة ثاني بوابات السور الغربية، المطل على سوق البنط «برحة مسجد عكاش» غرباً، وسمي باب الصبة لأن الحبوب المستوردة كانت تصب عنده، حيث تنقى وتوضع في أكياس ثم توزن بواسطة القباني تمهيداً لنقلها لمستودعات التجار. احتضنت جدة قديما أيضا باب المغاربة وهو ثالث بوابات السور الغربية وموقعه حيث عمارة الجفالي على شارع الملك عبد العزيز حاليا وهو المخرج الوحيد للحجاج القادمين عن طريق البحر للتوجه إلى كل من مكةالمكرمةوالمدينةالمنورة عبر باب المدينة وباب صريف الذي يُعَدُ رابع بوابات السور الغربية وموقعه بين مبنى فندق البحر الأحمر وعمارة الفيصلية حاليا ولا يعرف مصدر تسميته هذا الاسم.