ثلاثة أحداث تزامنت في الأيام الماضية، لتقدم صورة من الوضع في الخليج والمنطقة، والتحركات العربية والإقليمية والدولية لمواجهة تطور الأحداث بها. الحدث الأول.. تمثل في زيارة وزير الدفاع الأميركي تشاك هاجل للمملكة العربية السعودية ولقائه بوزراء الدفاع في مجلس التعاون الخليجي. وواضح انه جاء ليستكمل المهمة التي بدأها الرئيس الأميركي أوباما في مارس الماضي بزيارة السعودية في محاولة لاستيعاب ردود الأفعال الغاضبة بسبب المواقف الأميركية من قضية إيران، ومن مأساة سوريا، ومن النظام الجديد في مصر بعد سقوط حكم الإخوان. وترافقت زيارة الوزير الأميركي مع تصريحات مهمة للمشير عبد الفتاح السيسي المرشح الأوفر حظاً للرئاسة المصرية. حيث أكد أن الأمن القومي العربي في بؤرة اهتمام جيش مصر الذي لن يتردد في التدخل ضد أي عدوان يهدد هذا الأمن، وأن الأمر لن يستغرق كمال قال - إلا «مسافة السكة» بين قواعد الجيش المصري والموقع الذي تحتاج فيه الأمة العربية لتدخله. هذا تصريح لا يخرج اعتباطاً من رجل مخابرات محترف مثل السيسي، وأيضاً لا ينبغي أن يغيب عن المشهد أن المشير السيسي ظل في موقعه كوزير للدفاع حتى آخر لحظة ممكنة بحكم القانون، معللاً ذلك بأن وراءه مهام خطيرة لابد من إنجازها. وكان آخر ما أعلنه هو إنشاء قوة التدخل السريع لمواجهة أي خطر داخلي أو خارجي، وليتم الإعلان بعد ذلك عن أن ميدان عملها لن يقتصر على الداخل، وأنها ستطارد الإرهاب في كل مكان، وستصد الخطر مهما كان مصدره. الحدث الثالث جاء أيضاً من السعودية حيث أعلن وزير الخارجية الأمير سعود الفيصل عن دعوة وزير الخارجية الإيراني لزيارة السعودية في أي وقت يراه مناسباً لبدء التفاوض بين البلدين. وقد يبدو الأمر مفاجئاً، لكن الحقيقة أن الزيارة كان من الممكن أن تتم قبل شهور لولا التشدد الإيراني في محاولة فرض شروط رفضتها السعودية. وإذا كان قد تم الآن تجاوز هذا الأمر، فلأسباب عدة، أولها أنه رغم الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة، فإن الثقة على الجانب العربي من الخليج قد تضاعفت. فمصر التي كادت تضيع قد أنقذت، مصر أصبحت على أبواب استكمال استقرارها بانتخابات الرئاسة بعد أيام، وجيشها الذي كان مخططاً له أن يغرق في مستنقع الإرهاب في سيناء قد تمكن من سحق هذه الفصائل هناك. مصر تعود رقماً عربياً صعباً، وهي تعلن بوضوح أنها لن تترك الأمن العربي القومي يتهدد من أي مصدر. وفي الوقت نفسه تثبت دول الخليج أنها قادرة على إدارة معارك سياسية ودبلوماسية واقتصادية ناجحة، كما حدث في معركة دعم مصر. في المقابل كان فشل الأطراف الأخرى مدوياً. ليبيا سقطت في يد عصابات الإرهاب حتي إشعار آخر. وتونس تناضل حتى لا تواجه المصير نفسه. وسوريا أصبحت ساحة مفتوحة لكل الجماعات المتفرعة عن الإرهاب الأساسي للإخوان والقاعدة. تتقاتل فيما بينها على سفك دماء الشعب السوري المنكوب. ليست قضيتنا أن تبيعنا أميركا السلاح أو لا تبيعه. فالسلاح موجود في أسواق العالم، وأميركا هي المستفيدة قبلنا من بيع سلاحها لنا. وليست مشكلتنا أن يتم التوافق بين واشنطن وطهران. فقد كنا دائماً ضد الحرب لأننا نعرف ويلاتها جيداً. المشكلة هي ألا ندفع نحن فواتير التوافق من أمننا ومن استقرارنا.. بل وأحياناً من أرضنا. والتجربة علمتنا الكثير، إننا نملك كل عناصر القوة ولكننا لا نستخدمها كما ينبغي (ولا نريد أن نقول إننا أحياناً نبددها). ونحن ارتكبنا الكثير من الأخطاء ولكننا نعرف الآن أن الاستمرار في الخطأ معناه الانتحار، وأن تصحيح ما أخطأنا فيه هو الفريضة الوطنية والقومية والدينية في وقت واحد. النموذج الرائع في العمل العربي الذي تم من خلال تجربة مصر ودول الخليج العربي بقيادة السعودية والإمارات والكويت خطوة تتأكد أهميتها يوماً بعد يوم. ولولاها لما كانت مصر التي نعرفها قد عادت لتؤكد أن أي عدوان على الأرض العربية ستواجهه بكل قوة، ولولاها لما كانت موازين القوى في المنطقة قد تغيرت. ولولاها ما كان سعى الولاياتالمتحدة الأميركية نحو الخليج مرتبطاً بالوعي بأن العرب لن يقبلوا دفع فواتير لأخطاء الآخرين، كما حدث ذلك كثيراً من قبل، ولولاها لما كانت الثقة بأن موازين القوى (حتى قبل أن يكتمل تصحيحها) تسمح لنا الآن بأن نتحاور مع القوى الإقليمية والعالمية من موقع الندية، بعد أن دفعنا الثمن غالياً بسبب التآمر علينا حيناً، والتآمر من داخلنا أحياناً!! في معركة واحدة استعدنا بعض الثقة، والكثير من توازن القوى. أمامنا معارك أخرى صعبة سنجتازها بنجاح إذا قررنا أن طريقنا الوحيد أن نستكمل ما بدأناه حين أدركنا الخطر لو سقطت مصر، وحين أوقفنا المؤامرة حين استعادت مصر نفسها.. فاستعادها العرب، وباتت المهمة أن نكمل المشوار ونستكمل الصحوة. نقلا عن صحيفة البيان الاماراتية