في تاريخ مصر الحديث هناك أربعة أيام فاصلة في عمر مصر.. اليومان الأولان حسما أمر الماضي.. وقضيا علي أحداث شديدة السواد. وأسقطا نظامين ورئيسين في حوال عامين هما يوماً 25 يناير 2011 و30 يونية 2013، عندما خرجت ملايين المصريين في حدثين لم يشهدهما العالم من قبل. ودخلا قائمة الثورات التي هزت العالم، شرقه.. وغربه.. إذ لم يشهد العالم خروج 30 مليون انسان ليهزوا عرش السلطان الذي توهم أنه واخوانه سوف يحكمون مصر مئات السنين. واليومان الآخران.. سوف يحسما مستقبل مصر وأيضاً لمئات السنين القادمة.. ويبنيان للوطن دولة عظيمة.. هما يوما تقرير المصير: يوما 26 و27 مايو الحالي وهما يوما انتخابات رئيس جديد، يقود مصر نحو المستقبل.. وكما كان اليومان الأولان علامة صحة ويقظة ورفضا لاستمرار الفساد واستنزاف خيرات البلاد.. فان اليومين القادمين هما نكون أو لا نكون، أي نتقهقر إلي الوراء وتنزل غلالة النسيان علي ذاكرة العالم بأن مصر كان فيها دولة وشعب وحضارة.. أو نتقدم إلي الأمام لنؤكد أن شعب مصر لا يموت.. ولن يموت.. وأنه الشعب الذي أعطي البشرية أعظم حضارة.. وأعظم شعب قادر علي البناء. وأري وغيري ممن تعمقوا في تاريخ البشرية أن ما يمكن أن يفعله شعب مصر سيدخل التاريخ.. وينمي أمة لم تعرف الانهيار.. وأنها رغم كل ما تعرضت له من محن.. استطاعت أن تنهض من جديد.. وعودوا إلي العصور الفرعونية، إذ في أعقاب أي انهيار للدولة المركزية، عاد الشعب من جديد يبني.. بل وأقام نهضة أفضل من سابقتها.. ولاحظوا ما حقيقته مصر من نهضة شاملة هو عصر الدولة الحديث الذي يبدأ من الأسرة 18 عقب طردنا للهكسوس الذين كانوا قد جاءوا.. للأسف، من فلسطين وما حولها!! وإذا تركنا التاريخ القديم، وانطلقنا للتاريخ الحديث فان أمامنا تجربة محمد علي باشا.. الذي «اختاره» الشعب أيضاً ولاحظوا تاريخ هذا الاختيار.. اختاره الشعب يوم 13 مايو 1805 حاكما وواليا علي مصر وأرغموا السلطان العثماني علي الخضوع لقرار الشعب.. وهنا نسجل أن شعب مصر ومنذ وجود حملة بونابرت في مصر ثم في أعقاب خروج جيش الاحتلال الفرنسي هذا أسقط أيضا «واليين» يعني اثنين من الولاة أي الحكام هما خورشيد باشا وخسروا باشا!! والفارق بينهما أيضاً كان حوالي عامين!! وإذا كانت دعوة الفريق السيسي للشعب بالخروج لتفويضه مع الجيش لإسقاط مرسي وإخوانه.. فان مصر شهدت خروجاً شعبياً مماثلاً بالفعل عندما وجه زعيم مصر يومها السيد عمر مكرم نداء للشعب.. ان كان يريد اسقاط الوالي التركي فعليه أن يخرج إلي دار القضاء، أمام بيت القاضي المعروف بجوار الأزهر.. واستجاب الشعب وخرج وملأ المنطقة كلها حتي وصلت الجماهير المحتشدة الي أمام الجامع الأزهر.. هنا سألهم عمر مكرم وبجواره الشيخ عبدالله الشرقاوي شيخ الأزهر: من تختارون والياً.. أي حاكماً.. فأجابوا بصوت واحد: نريد محمد علي. ولم ينتظر الشعب ولا زعماؤه رد السلطان العثماني.. وقام زعماء الشعب باعلان محمد علي حاكما أي والياً. ونصت وثيقة التعيين، التي أعلنت علي المتظاهرين.. وألبساه «خلعة الحكم».. نصت علي «أن يحكم بشروطنا أي شروط الزعماء.. والشعب نفسه.. وألا يفرض ضريبة علي الناس إلا بعد موافقة الزعماء والشعب عليها.. وانطلق محمد علي يضع أساس نهضة شاملة للبلاد..» والشعب الذي أسقط رئيسين ومعهما خمس حكومات في ثورتيه هو هو نفس الشعب الذي اسقط حاكمين عثمانيين الذي أسقط هذه الأيام رئيسين اثنين و5 حكومات وهو نفس الشعب الذي «فوض» زعيمه عمر مكرم في اختيار الحاكم الذي يريده ويرضي به الشعب.. هنا نقول: هل نعيد ماحدث من الشعب ومظاهراته أمام بيت القاضي يوم 14 مايو.. هل نعيد ذلك هذه الأيام وأيضاً في شهر مايو ولكن 2013 الجواب: إن تفويض الشعب للسيسي يوم 30 يونية الماضي لا يكفي.. بل المطلوب خروج الشعب كله ليدلي بصوته في الانتخابات، ليختار الرئيس الذي يريده.. كما اختار شعب مصر في مايو 1805 حاكمه.. محمد علي صاحب معجزة مصر الحديثة.. ولا يكفي أن نقول إن السيسي سوف يكتسح الانتخابات ثم نجلس في البيوت، المهم أن نؤكد هذا الاختيار يومي 26 و27 مايو.. أمام صناديق الاقتراع.