بداية.. ولإسناد الحق لأهله.. كتب شيخ المؤرخين الدكتور عاصم الدسوقي في وفد 12 مايو 2014 حواراً مطولاً تحت عنوان خطير: «الربيع العربي مؤامرة أمريكية لخدمة إسرائيل»، ثم عناوين فرعية تبين الغرض من المقال كله: «اندلاع الثورات في وقت واحد يؤكد أنها من فعل فاعل.. بهدف إنشاء دويلات طائفية»، ويؤكد.. أن أمريكا هي رأس الشيطان الأكبر التي صنعت الربيع العربى، و«الفوضي الخلاقة تسعي إلي هدم الشرق الأوسط القديم وتعيين حكام موالين لأمريكا». الرجل: حائز علي وسام الجمهورية للعلوم والفنون من الطبقة الأولي عام 2013 من الرئيس عدلي منصور.. ذلك غير لقبه الكبير في مصر.. «شيخ المؤرخين».. ما علينا بعد هذه المقدمة.. ننتقل إلي ذكري 15 مايو 1971، وهنا تحضرني واقعة لن أنساها ما حييت.. كانت أسرة الرئيس الشهيد الراحل أنور السادات تحتفل بذكري انتصاره واستشهاده كل عام تحت المنصة المواجهة لموقع استشهاده، بحضورها الكريم ومحبي الرئيس السادات رحمه الله، وتلاوة القرآن الكريم بالصوت الملائكي لشيخ المقرئين «الدكتور نعينع» أطال الله في عمره ودعاؤنا له بالصحة والعافية إلي ما شاء الله تعالي.. وكان بالجو برودة محدثة نسيمًا رقيقًا.. وسحب مُلبدة بغيوم بسيطة بدت لي وكأنها تشاركنا ذكري رحيل البطل!! أما الواقعة.. فقابلت كلا من نجل الرئيس «جمال السادات» وابنته الصغري.. «جيهان السادات» وبعد المصافحة قلت لهما: «لولا والدكما.. لكانت «الدبابات الأمريكية» تسير الآن أمامنا في هذا الطريق الكبير»!! وكان رد «جمال السادات»: «الله يخليك».. هكذا كان رده المهذب المعبر عن الحال والموقف!! أردت أن أسرد تلك الواقعة، لعل ابني جمال السادات يتذكرها إذا قرأ هذا المقال.. فمازالت منذ ذلك الحين صور الرئيس السادات رحمه الله وصورة تجمعه مع عائلته الكريمة تتصدر موقعها في مكتبة المنزل مع أولادي وزوجتي.. ما علينا.. وبعد تلك المقدمة العاطفية!! 15 مايو 1971.. كما قيل ومازال يقال.. كان صراعاً علي السلطة!؟ وهو قول مردود علي أصحابه.. ذلك لأن تاريخ الأمم وتفسير الأحداث والحكم عليها لا يجب أن يخضع لرأي أحد، قدر خضوعه للواقع وأحكام التاريخ اللاحقة للحدث.. بمعني أنه إذا كان 15 مايو 1971 مجرد تصفية حسابات وصراع علي السلطة فقط ما كان الشعب المصري كله يدرك أي تغيير في أحواله، وأن التغيير فقط كان ليطول الأشخاص ورأس الحاكم فقط!! وهذا هو الذي من الممكن تصوره لو كان الطرف الآخر- مراكز القوي- هو المنتصر!! لكن بعد 15 مايو 1971- ثورة التصحيح- قد ثبت يقيناً لكل مصري ومصرية أنه كان ثورة حقيقية علي كل أوضاع الفساد والظلم الذي شمل مصر كلها قبل هذا التاريخ. فلقد سقطت الدولة البوليسية.. وعادت سيادة القانون.. وتحرر واستقل القضاة والقضاء.. فأعاد السادات كل قضاة مصر المفصولين في مذبحة القضاء المشهورة في عهد «عبدالناصر»، فلقد كان السادات رحمه الله يفتخر دائما بقضاء مصر الشامخ الحر لأنه كان علي إيمان ويقين بأن ذلك الصرح مادام قائما.. فلا خوف علي مصرنا الغالية.. وكله يهون.. إلا ده.. وأفرج عن معتقلين ومسجونين وألغيت الحراسات ومصادرة أموال الناس بغير حق.. وظهرت صور من الحريات العامة ورفعت الرقابة عن الصحف وعن القلم وعن الفكر.. وأعاد السادات رحمه الله الأمن والاطمئنان إلي مجتمع عاش فترة طويلة مذعوراً خائفا!! تلك كانت ذكري ثورة التصحيح في 15 مايو 1971.. وهي ذكري مقترنة ب6 أكتوبر 1973.. ذلك فبدون ثورة التصحيح ما كان لمصر أن تعيد ترتيب البيت وتعد العدة لانتصار أكتوبر العظيم.. ويمر 43 عامًا علي ثورة التصحيح.. كل عام ومصر كلها وأسرة الرئيس السادات رحمه الله بخير إن شاء الله.. رجل أحب مصر.. فأحبته.