عزيزي القارئ تعالي معي نعود بالذكريات لمارس 1919 حيث الثورة المصرية التي لها ما بعدها، حيث ساهمت في فكر الانتماء الوطني والبعد القومي والوحدة الوطنية للشعب المصري ومازلنا نعيش فوق هذا البنيان الضخم من الوعي الوطني. انتهت الحرب العالمية الأولي أرسلت الدول مندوبين عنها لمؤتمر الصلح في باريس المنعقد لتسوية الأوضاع بين المنتصرين والمنهزمين. حدد عدد من كبار مصر ميعادا خاصا بين سعد زغلول وعبدالعزيز بك فهمي وعلي باشا شعراوي والمعتمد البريطاني في مصر «السير ونجت» برعاية من حسين باشا رشدي رئيس وزراء مصر. وتمت المقابلة في 13 نوفمبر عام 1918، وطلب سعد ورفاقه وجوب حصول مصر علي الاستقلال مع إعطاء بريطانيا بعض الامتيازات وأكد المعتمد البريطاني أن مصر ترتفع فيها نسبة الأمية وأنها مستهدفة نظرا لموقفها ويجوز أن تكون مطمعا للاحتلال من أي دولة بعد أن يتركها الإنجليز. وللردود الواعية من رجال مصر أثارت «ونجت» وأنهي المقابلة مؤكدا أنها زيارة عادية وليست رسمية وأنه لا يعمل نوايا بلاده تجاه المصريين في المرحلة القادمة. تسرب نص الأحاديث الي المصريين جميعا بسرعة البرق ليسمعوا لأول مرة رجلا مصريا يؤكد لمسئول إنجليزي أنهم يريدون أن يتعاملوا مع انجلترا معاملة الحر للحر وليس العبيد للحر. اتصل حسين باشا رشدي ب«السير ونجت»، فأبدي له اندهاشا كبيرا من تحدثهم ببساطة شديدة بالنيابة عن جميع المصريين رغم أنهم لا يمثلون سوي أنفسهم. وبعد أن علم سعد باشا بهذا الرأي شرع فورا في تشكيل وتكوين الوفد المصري، اجتمع سعد مع مجموعة من أهم رجالات مصر علي تشكيل وفد منهم له الحق في أن يضم فيما بعد من يشاء وأن يكون له الحق في التحدث باسم الأمة. وتمت كتابة صيغة توكيل بأسمائهم وزعت علي أفراد الشعب ليوقعوا عليها باعتبارهم هم يوكلون أعضاء الوفد فيما يتعلق باستقلالهم، شهدت حركة التوقيعات اقبالا هائلا من جميع طبقات الأمة وكانت أوامر حسين باشا رشدي لكل إدارات مصر بعدم تعطيل التوقيعات أو التدخل لوقفها مما وضح للجميع أنها صادرة بموافقة حكومية. تنبه الإنجليز وأصدروا الأوامر بإيقاف التوقيعات حيث كانت البلاد في حالة أحكام عرفية ولا يستطيع ألا ينفذ الأوامر، توقفت الحركة بعد أن ظهر الوفاق الوطني بين الجماهير والالتفاف الجماهيري حول الوفد وانضم عدد كبير الي الوفد ومنهم رجال حزب مصطفي كامل. وكان أعضاء الوفد سعد باشا زغلول رئيسا وعلي باشا شعراوي وعبدالعزيز بك فهمي ومحمد محمود باشا وإسماعيل باشا صدقي ومصطفي بك النحاس والدكتور حافظ بك عفيفي ومحمود أبوالنصر وواصف باشا غالي وحمد الباسل باشا وسينوت حنا بك وچورچ بك خياط ومحمد علي بك وعبداللطيف بك المكباتي وأحمد لطفي السيد بك. سعي حسين باشا رشدي للسفر لحضور مؤتمر باريس ولكن الأحكام العرفية تستلزم موافقة المحتل، وتقدم سعد زغلول وحسين باشا رشدي كل بمفرده طلبا للموافقة علي السفر ل«السير ونجت» ولكن تم رفض الطلبين. تقدم حسين باشا باستقالته للسلطان ورفضت وأرسل سعد برقيات توضح تضحيات مصر خلال الحرب وأحقيتها بالاستقلال. عمل سعد زغلول علي تدويل القضية المصرية بإرسال برقيات الي معتمدي الدول الأجنبية وقناصلها في مصر وكذلك خاطب رئيس الوزراء البريطاني والرئيس الأمريكي «ويلسون» صاحب مبادئ داعية لحق تقرير المصير، للشعوب فصدقتها الشعوب وجعلت منه شخصية خيرية عالمية، وأرسل برقية الي المسيو «كلمنصو» رئيس مؤتمر الصلح في باريس. ألقي سعد عددا من الخطب النارية التي ألهبت حماس المصريين إزاء تجميد الموقف واستمرار رفض السلطات البريطانية منح «رشدي باشا» الموافقة علي السفر ولكنه ألح علي الاستقالة وقبلها السلطان فؤاد في أول مارس 1919. سعد والوفد اعتبر قبول الاستقالة تحديا للشعب فرفع سعد خطابا شديد اللهجة الي السلطان فؤاد أدانوا فيها موقفه ودعوه للتراجع وطلبوا منه لابد أن يسعي لخدمة وطنه وثار السلطان من لهجة الخطاب وطلب من الإنجليز التدخل. وكانت السلطات العسكرية هي المسئولة عن زمام الأمور بعد سفر «السير ونجت» الي بلده لتغييره بالفيلد مارشال اللينبي، استدعت السلطات العسكرية سعد زغلول وأعضاء الوفد وطلبت منهم التزام الهدوء ورفضت مناقشتهم فأرسلوا يحتجون علي هذه المعاملة للوزارة البريطانية. قررت السلطات إلقاء القبض عليهم سعد زغلول وحمد الباسل ومحمد محمود وإسماعيل صدقي ونقلتهم الي بورسعيد ومنها الي مالطة حيث تم نفيهم يوم 8 مارس 1919. المنسق العام لحزب الوفد