أرى أن من أهم نتائج زيارة المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء للوادى الجديد، هى إمكانية فتح ملف مؤسسات أبوطرطور، من جديد. فهذا الملف، وهذا الفوسفات، أغلق رغماً عنا بسبب عجزنا عن تسويق هذا الفوسفات، رغم أنه مادة تتصارع عليها الدول، وتقام بسببها الحروب والنزاعات وما حكاية فوسفات بوقراع فى الصحراء المغربية ببعيدة، وهو من أهم أسباب الصراع بين المغرب والجزائر، فيما يعرف بمشكلة البوليساريو.. وما نتائج استخراج فوسفات البحر الميت الذى هو أحد أعمدة الاقتصاد الأردنى إلا تأكيد لما نقول،. بل انه من هذا الفوسفات، يمكن إنتاج اليورانيوم وما أدراكم ما اليورانيوم!! ولقد طبلنا وزمرنا كثيراً لهذا الفوسفات، الذى تتواجد كميات رهيبة منه، ليس فقط فى جبال وتلال أبوطرطور.. بل فى أماكن عديدة من أرض مصر ومنها على سبيل المثال منطقة المثلث الذهبى على ساحل البحر الأحمر، جنوباً.. وقد عاش المصريون سنوات عديدة يحلمون بالثراء الشديد مع حملات الدعاية التى صاحبت هذا المشروع من أيام عبدالناصر ووزير صناعته الأشهر د. عزيز صدقى.. ثم مع إعادة فتح الملف فى السنوات الأولى من حكم الرئيس حسنى مبارك. ويكفى ما قيل إن ما هو فوق سطح الأرض فى أبوطرطور وهو كثير للغاية لايمثل إلا قطرة مما هو تحت السطح.. ولهذا أنفقت مصر بسخاء كبير على تنفيذ هذا المشروع مثل بناء مدينة سكنية متكاملة فى منطقة المحاجر، ومد خط سكة حديد لنقل الخام وما تبعه من إنشاء واحد من أكبر كبارى مصر على النيل.. بالصعيد لتعبر فوقه القطارات حاملة خام الفوسفات القادمة من الوادى الجديد غرباً، وتنطلق شرقاً إلى ساحل البحر الأحمر.. بل وما تبع ذلك من إنشاء ميناء عملاق عند منطقة سفاجة لاستقبال هذا الخام، لتصديره الى الخارج، وبالذات الى الاتحاد السوفيتى وقتها وكان هو أكبر المستوردين والمساهمين فى تنفيذ هذا المشروع العملاق. ويومها قلنا إن هذا الفوسفات مع إنتاج مصانع كيما فى كوم امبو سوف يعوض ما فقدته مصر من فوسفات طبيعى أقصد طمى النيل منذ نفذنا مشروع السد العالى..ولكن لا إنتاج مصانع كيما كان يكفى.. ولا حتى توسعنا فى انتاج أنواع أخرى من الفوسفات من الغاز الطبيعى فى دمياط غرب مصيف رأس البر بمشروعيه الأول والثانى.. ولا مصانع أبوقير.. ولا السويس. وهكذا اصبحت مصر بحاجة كبيرة الى أنواع عديدة من الأسمدة، لتعويض ما فقدته الأرض الزراعية المصرية. حقيقة نعترف بأن مشروع فوسفات أبوطرطور تعثر، ثم توقف تماماً، بسبب تفتت الاتحاد السوفيتى، الذى اعتمد عليه الفوسفات المصرى كمستورد رئيسى.. ولكن هل عدمت الأسواق الأخرى التى تحتاج للسماد المصرى فى أوروبا وآسيا.. أم هو سوء التسويق المصرى وعجزنا عن تسويق ما تحت أيدينا من إمكانيات، تماماً مثل الفحم المصرى الذى نملكه فى منجم فحم المغارة جنوبالعريش مثلاً!! ولكن الإهمال الذى صاحب إغلاق ملف فوسفات أبوطرطور امتد إلى درجة أن معظم قضبان وفلنكات خط السكة الحديد خصوصاً من منطقة المناجم فى عمق الصحراء الغربية، معظمها تم تقطيعها وسرقتها وبيعت خردة.. وفقدنا هذا الخط الاستراتيجى.. تماماً كما أهملنا المدينة السكنية التى تسكنها الغربان والعقارب الآن فى منطقة المحاجر. ولكننا فقدنا ما هو أهم من هذه الماديات.. فقدنا عشرات الألوف من فرص العمل ليس فقط لمن يعمل فى المحاجر، فوق الأرض وتحتها فى جبال أبوطرطور.. ولكن أيضاً فى صناعات عديدة متطورة كان يمكن أن تقام على هذا الفوسفات، سواء فى منطقة المحاجر نفسها أى فى عمق الصحراء.. أو عند مناطق التصدير حول ميناء سفاجا وهذا الميناء هو الحسنة الوحيدة التى لم نقتلها بعد.. ولكن مع بدء اجراءات تنفيذ المشروع النووى لمحطات الكهرباء فى منطقة الضبعة،. تظهر حاجتنا الى اليورانيوم الذى يمكن استخلاصه من هذا الفوسفات، حتى ولو كان مصنع كيما يمكن ان يوفر لنا كمية من اليورانيوم.. وإذا كان الفرنسيون ومنذ نصف قرن نجحوا فى انتاج اليورانيوم من فوسفات بوقراع فى الصحراء المغربية.. فإننا يمكن ان نفعل نفس الشىء.. ولا نكتفى بتصدير الفوسفات كمادة خام ولكن أيضاً لإنتاج اليورانيوم منه. ألا يكفى ذلك لكى يتشجع المهندس ابراهيم محلب لفتح ملف أبوطرطور من جديد؟! أتمنى أن يفعل ذلك.