رجحت مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية أن يُحكم الرئيس الروسى فلاديمير بوتين السيطرة الكاملة على شبة جزيرة القرم الأوكرانية بنهاية شهر مارس الجارى، وقالت إن من الواضح أنه يطمح إلى أكثر من ذلك بكثير. وقالت المجلة – فى تقرير بثته على موقعها الإلكترونى اليوم الثلاثاء- إنه على الرغم من الهدوء المتوتر الذى يسود شبه جزيرة القرم منذ تدفق الآلاف من القوات الروسية عليها خلال الأسبوع الماضى، إلا أن فرصة القوات الروسية للتوغل داخل أوكرانيا ازدات بشكل ملحوظ يوم 4 مارس، عندما أعلن بوتين فى مؤتمر صحفى أنه "ليس قلقًا" من نشوب حرب فى أوكرانيا. ونقلت المجلة عن بوتين قوله إنه إذا قررت روسيا القتال فسيكون من أجل "حماية المواطنين الأوكرانيين"، مشيرة إلى أنه من المستحيل أن تقوم القوات الأوكرانية بأى شىء حيال ذلك، قائلاً "دعونا نرى القوات الأوكرانية تحاول إطلاق النار على مواطنيها وقواتنا خلفهم، ليس أمامهم بل خلفهم، دعوهم يحاولون إطلاق النار على السيدات أو الأطفال!". ونوهت المجلة الى أنه فى الوقت ذاته وسع بوتين مجال نواياه فى أوكرانيا من مجرد "حماية" المواطنين الروس (المبرر الذى استخدمه لغزو واحتلال القرم) لتشمل "حماية" جميع المواطنين الأوكرانيين، ويتضح أنه سيستخدم المدنيين الأوكرانيين من النساء والأطفال كمسوغ لغزو القوات الروسية. ورأت المجلة أن الوقت قد حان لتصور ما كان يستحيل يومًا تصوره، هجمات بوتين وتقسيم أوكرانيا، فضلاً عن شبه جزيرة القرم والاستيلاء على مدن جنوب شرق أوكرانيا التى تُعد دومًا أكثر المدن عرضة للغزو، ومنها دونيتسك وخيرسون وغيرها من المدن التى تعد معقل المواطنين الروس. وفى مثل هذا السيناريو، ستكون روسيا هى الفائز المباشر، بينما ستكون أوكرانيا هى الخاسر المباشر، ولكن على المدى المتوسط إلى المدى الطويل ستتمكن أوكرانيا من المضى قدمًا فى نهاية الأمر. ولفتت المجلة إلى أن الخسائر الأولية الأوكرانية واضحة وتتمثل فى: الهزيمة فى حرب برية، والتخلى عن أراضٍ وسكان والتضحية بالآلاف – وربما عشرات الآلاف - من المواطنيين الأوكرانيين. وبمجرد انتهاء الحرب، من المتوقع أن تكون أوكرانيا أكثر إحكامًا واتساقًا وترابطًا، وسيتغير الوضع بالنسبة للناخبين فى إقاليمها الشرقية التى تؤيد دومًا الحزب الشيوعى وحزب الأقاليم المؤيد للرئيس الأوكرانى المعزول فيكتور يانوكوفيتش، ونتيجة لذلك ستتراجع المشاعر المعادية للأوكرانيين والغرب. وتوقعت المجلة أن تتمكن الحكومة الأوكرانية الجديدة من المضى قدمًا بثقة والتزام فى تنفيذ برنامج إصلاحى جذرى فى الأنظمة السياسية والاقتصادية والسعى للاندماج السريع فى الهياكل الأوروبية والعالمية. وأضافت المجلة أنه من المتوقع أن يصبح الاقتصاد الأوكرانى أكثر انفتاحًا للاستثمار الأجنبى المباشر، واستعدادًا للانطلاق إذا حررت الدولة نفسها من بعض القطاعات الصناعية غير المربحة. وأشارت المجلة إلى أن أوكرانيا ستصبح أصغر حجمًا إذا انفصلت عنها شبه جزيرة القرم ومدنها الجنوبيةالشرقية، ولكنها على الأرجح ستنجو وتصبح أكثر قوة. وبالانتقال إلى مكاسب روسيا، أفادت المجلة أنها أيضًا واضحة، وتتمثل في: نصر "عظيم ومجيد" فى الحرب، والاستيلاء على أراض، ولكن ستتلاشى القومية المفرطة الناتجة عن الحرب والحماس حول التوسعات الإقليمية عند إدراكهم الواقع؛ حيث إنهم فى سعيهم للحصول على السيطرة، سيكتشف الروس سريعًا أنهم يمتلكون إقاليم غير قابلة للاستمرار اقتصاديًا، والتى لن تتمكن من النجاة بدون دفعات هائلة من الروبل. وأوضحت المجلة أن روسيا تخدع نفسها باعتقادها أن سكان جنوب شرق أوكرانيا سيرحبون بالاحتلال؛ حيث إنه وفقًا لاستطلاع الرأى الذى أجراه معهد كييف الدولى لعلم الاجتماع فى منتصف شهر فبراير الماضى، ترفض الأغلبية العظمى من الأوكرانيين – حتى فى الجنوب الشرقى - الانضمام إلى روسيا. خلاصة القول، سيؤدى الاحتلال إلى سخط شعبى بالغ على عتق روسيا، حيث إنه من الممكن أن يقاوم الشعب الحكم الروسى بسلبية، ومن الممكن أيضًا أن يرفعوا ضدهم الأسلحة. واختتمت المجلة تقريرها بالإشارة إلى أن السخط الشعبى سيصعب مهمة الانسحاب على بوتين، وسينبغى على عشرات الآلاف من القوات الروسية البقاء فى المنطقة كمحتلين لفترة طويلة مقبلة، الأمر الذى سيكلف روسيا مليارات الدولارات سنويًا، وحينها لن تتمكن روسيا من تجاهل اقتصاد المنطقة؛ حيث إن ذلك من شأنه فقط زيادة السخط الشعبى والمقاومة.
