طعمها مر دائم، لانها تتجدد مع أى ذكرى ومشهد، لونها أسود لا تمحيه أى محاولات للإضاءة، لأنها ولدت ونمت وعاشت فى الظلام، تبدأ باهتزازة خفيفة فى الضمير، فتتحرك معها الغرائز بكل رغبات النفس الأمارة بالسوء فى امتلاك ما ليس من حقها، فثم تخلخل الضمائر رويدا رويدا كالسائر دون أن يدرى على الرمال المتحركة، تتوغل، تغرق، حتى لا يمكنها النجاة بصاحبها، كما يصعب معها الغفران.. تتساءلون.. ما هى، إنها الخيانة. أن يطعنك عدو فى وجهك أو حتى فى ظهرك فهذا أمر طبيعى ان تتوقع من عدوك الأذى والطعنات، ولكن ان تلتفت فجأة لتجد أقرب الناس إليك يسدد لك طعنة فى قلبك، ليسلب هدأة أمنك، ويزرع الشك الدائم فى نفسك، فهذا مالا تحتمله، ونزف ألمه يفوق الم الموت، فالخيانة زلزال مدمر يهدم كل الأشياء التى كانت جميلة، وحين تتوقف الاهتزازة، يصبح ما هدمه الزلزال حطاماً لا يمكن ان يعاد بناؤه كما كان، حتى وإن تحايلنا بكلمات السماح والغفران، أو أتقنا الترميم، كسر القلب.. المشاعر يترك بأعماقنا ندبة لا تصلها يد طبيب، ولم يخترع لها دواء. المحزن المؤسف.. أن أيامنا الآن مليئة بالخيانة، ولا أقصرها هنا على خيانة الأحباء، الأصدقاء، وقد باتت صفحات حياتنا اليومية وصفحات الحوادث بالصحف مليئة بالجرائم التى تقف الخيانة بوجهها السود وراءها، أحدثها تلك الزوجة السورية التى خانت زوجها الطيب، فكانت خيانتها وبالا على كل أسرتها، فقد قتلها من خانت زوجها معه، كما قتل باقى أسرتها، بل أنتقل معكم الى الخيانة الأكبر والأخطر، خيانة الوطن، أحدثها تلك المحسوبة خطأ على مهنتنا الصحفية «سحر» التى خانت وطنها من أجل حفنة دولارات وزجاجات عطر وأدوات تجميل، وسلمت اسرائيل تقارير حول الجيش والشرطة، وسبقها لخيانة مصر كثيرون، ولا أتصور كيف تخلخلت ضمائرهم الى هذا الحد حتى غرقت فى الرمال المتحركة.. فى الوحل، ويلحق بها الآن أيضا خونة لمصر فى كل صورة ومكان. خونة يتآمرون مع دول أخرى لنشر الرعب والإرهاب فى أرجاء مصر، من أجل المال أو استعادة سلطه جاءتهم بمحض المصادفة التاريخية، سلطة فرضتها الاحداث بعد ثورة 25 يناير، ورغم أن تلك الفئة سبق لها وإن خانت الشعب، بل إن منهم من سجد لله شكرا عندما ذاقت مصر مرارة الهزيمة فى 67، فإن منهم الآن من يتمنون ان تحتل إسرائيل سيناء وتدخل مصر انتقاما من الشعب المصرى الذى رفضهم وأطاح بهم، ومنهم من يخونون درع الوطن الحامية لها فى الداخل وعلى الحدود باغتيال رجال الشرطة والجيش، ويحاول البعض أن «يرقع» أن «يرمم»، وإتاحة الفرصة لأصوات تنادى بالمصالحة، ولكن يبقى السؤال، هل يمكن بالفعل ان ننسى خيانة هؤلاء، ان نتعايش معهم، أن نأمن لهم من جديد، نطل فى وجوههم، نتعامل معهم، وقد نسينا أو تناسينا ما فعلوه.. سؤال تصعب اجابته! وهناك الخونة لضمائرهم، من المتلونين فى مواقفهم، الذين يتحولون فى كل عصر، ويصفقون لكل حاكم أو صاحب سلطة، بمن فيهم للاسف بعض الاعلاميين، الذين كانوا من المقربين المهللين لمبارك ثم أصبحوا من المهللين لمرسى، وتحولوا الآن الى مهللين لمن يتوقعون أنه سيأتى على كرسى الرئاسة، وهؤلاء لا يستحون، ولا يقرأون تاريخهم، ويعتقدون ان الشعب مصاب بالغباء أو العمى، لا يفهم ولا يرى ضمائرهم التى تتحرك يمينا ويساراً على حسب الريح، حتى فقدوا تقريبا تلك الضمائر وصاروا أشباه أناس، كخيال الظل. وهناك الخونة لأماناتهم، للأعمال والمهام الموكولة إليهم، لا يعملون.. لا ينتجون، فى وقت أحوج ما تكون فيه مصر الآن للانتاج والعمل، وكل ما يفعله هؤلاء الآن هو النواح واللطم على المكاسب المادية الضائعة، وممارسة الضغط على الدولة المنهارة الاقتصاد الآن للمطالبة بمكاسب جديدة، وسمعت مسئولاً بنقابة الاطباء يدعو الأطباء الى الإضراب العام، ورفع سعر «الفيزيتا» الكشف على المرضى، وان يكتب الأطباء أسماء أدوية غير متوافرة فى الروشتة ودفع المريض للذهاب الى الشرطة وتقديم بلاغ ضد الحكومة لأن الدواء غير متوافر، وذلك لتعطيل منظومة العمل الطبى والرعاية الصحية للمرضى، من أجل الضغط على الحكومة لتطبيق مطلبهم «الكادر»، هكذا يطلق طبيب دعوته الجشعة اللا إنسانية من أجل تحقيق بعض المكاسب المالية، وهو المفترض انه أحد ملائكة الرحمة للمرضى. وهناك الخونة لمستقبلهم، من المتمسكين بالفشل المتنطعين بين طيات الكسل والتواكل، سواء طلبة لا يقومون بواجبهم للنجاح، أو فاقدو الطموح المشروع المكتفون بهامش الحياة وفتاتها وغيرهم، للأسف أمثلة الخيانة كثيرة.. كثيرة، وبات المشهد الرئيس الغالب على حياتنا فى كل صوب وحدب. وللأسف، كل خائن يختلق لنفسه ألف عذر ليقنع نفسه بأنه فعل الصواب، أو إنه اضطر للخيانة، الرجل يزعم فى زوجته عشرات العيوب والعبر ليبرر خيانته، ويستمرئ تمثيل دور الحبيب الهائم مع كل امرأة يصادفها، وكذلك المرأة الخائنة، خائن الوطن يختلق أقاصيص الفقر، أو مزاعم التغرير به، كدوافع لخيانته، المتحولون المهللون لكل صاحب سلطة، يتعللون بلقمة العيش، والبحث عن الستر من أجل المستقبل والأولاد، وهكذا، تسير منظومة الخيانة وتتسع يوما بعد يوم كبقعة الزيت الملوث الذى انتشر على صفحة نيلنا ليكدر صفوها ويسمم شربها. يا سادة.. نحن فى زمن أحوج ما نكون فيه للأمانة، للصدق مع أنفسنا، احبائنا، وطننا، لإنقاذ مجتمعنا ومصرنا من الضياع، بتنا نحتاج الى ثورة من نوع جديد، ثورة أمانة حتى ننقذ أنفسنا من الرمال المتحركة بنا الى أعماق الظلام، قبل أن نغرق للهاوية، فلن نجد من ينتشلنا، ما لم ننتشل أنفسنا، فهناك من ينتظر أن «يدوس» بأقدامه علينا لنختفى جميعا للأبد. وسبحانه وتعالى القائل «إن عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُوماً جَهُولاً» وقال «إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً» صدق الله العظيم. هامش: الناس الصالحون يعطونك «السعادة» والسيئون يعطونك «التجربة» أما أسوأ الناس «الخونة» فيعطونك «درساً لا تنساه أبداً».