لم تمر سوى بضعة أشهر على انزواء حكم الإخوان الحليف الرئيسي لتركيا في مصر، حتى ارتمت حكومة أردوغان من جديد في أحضان تل أبيب، ويبدو أن تركيا والإخوان وإسرائيل لا يستغنون عن بعضهم البعض بصرف النظر عن العباءة الدينية لهذا الطرف أو ذاك وذلك حسب وصف الصحف الإسرائيلية، فالمجلس الوزاري الاسرائيلي أقر منذ أيام رفع سقف العمالة التركية من 800 إلى 1200 عامل في مجال البناء. ويأتي هذا القرار في أعقاب تصرّيح وزير المواصلات يسرائيل كاتس، عن تجديد الرحلات الجوية المنتظمة بين تل أبيب وتركيا بعد توقف دام 3 سنوات. وقال كاتس إنّ التوقيع على وثيقة تجديد الرحلات الجوية بات ممكنًا بعد أن استجابت السلطات التركية للمطالب الأمنية الإسرائيلية، ووفقا لمدير سلطة الطيران المدني الإسرائيلي فإنّ شركات الطيران التركية تقوم اليوم بأكثر من 60 رحلة جوية أسبوعيًا إلى إسرائيل، وأنّه تنقل خلال العام الحالي بين إسرائيل وتركيا أكثر من مليون مسافر. وجاءت هذه الخطوة بعد مرور أسبوع على مشاركة وزير البيئة الإسرائيليّ عمير بيريتس في مؤتمر للأمم المتحدة حول حماية البحر الأبيض المتوسط عُقد في إسطنبول، في أوّل زيارة يقوم بها وزير إسرائيلي إلى تركيا منذ قضية السفينة مرمرة في 2010. والعلاقات بين إسرائيل وتركيا ليست وليدة اليوم، وإنما تأسست في مارس 1949 عندما أصبحت تركيا ثاني أكبر بلد ذات أغلبية مسلمة (بعد إيران عام 1948)، تعترف بدولة إسرائيل. ومنذ ذلك الوقت، أصبحت إسرائيل هي المورد الرئيسي للسلاح لتركيا. وفي 1958، وقع داڤيد بن گوريون وعدنان مندريس اتفاقية تعاون ضد التطرف ونفوذ الاتحاد السوڤيتي في الشرق الأوسط. وفي 1986 عينت الحكومة التركية سفيراً كقائم بالأعمال في تل أبيب، وبعدها تبادلت الحكومتان السفراء. وفي فبراير وأغسطس 1996، وقعت حكومتا تركيا وإسرائيل اتفاقيات تعاون عسكري، ومناورات مشتركة، منها تدريب عروس البحر المعتمد عليها وهي تدريبات بحرية بدأت في يناير 1998، والعملية أورتشارد للقوات الجوية، كما يوجد مستشارون عسكريون إسرائيليون في القوات المسلحة التركية. وتشتري جمهورية تركيا من إسرائيل العديد من الأسلحة وكذلك تقوم إسرائيل بتحديث دبابات وطائرات تركية. والحقيقة أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل لم تتأثر كثيراً بعد حادثة «أسطول الحرية»، فقد استمرت العلاقات الدبلوماسية، وتم سحب السفير فقط جُمّدت بعض الاتفاقيات ولكن التعاون الأمني والعسكري لم يتوقف، بدليل أن العلاقات الاقتصادية بين أنقرة وتل أبيب شهدت طفرة بعد حادثة الاعتداء، إذ كان حجم التجارة بين البلدين مليارين ونصف المليار دولار في العام 2009، أي قبل حادثة «مرمرة»، وارتفع حتى وصل في العام 2011 إلى أربعة مليارات ونصف المليار دولار، واستقر عند أربعة مليارات في العام 2012. ويخطئ أيضا من يتصور أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل تراجعت بوصول حزب إسلامي إلى السلطة في أنقرة، إذ إن تركيا عملت على المصالحة بين إسرائيل والفلسطينيين، بل إن البرلمان التركي شهد إلقاء أول رئيس إسرائيلي كلمة أمامه في خريف العام 2007، وذلك بعد شهرين فقط على اعتلاء عبد الله جول سدة الرئاسة، وفي ظل رئاسة رجب طيب أردوغان الحكومة. ومن المفيد التذكير هنا بأنه كلما كان في سدة السلطة في تركيا حزب له طابع إسلامي مثل «الحزب الديمقراطي» بزعامة عدنان مندريس في الخمسينيات، و«حزب الوطن الأم» بزعامة تورغوت أوزال في الثمانينيات، كانت السياسة الخارجية التركية الأكثر التصاقاً بالغرب وإسرائيل. ولم يشذ «العدالة والتنمية» في تركيا ولا حزب الحرية والعدالة في مصرعن هذه القاعدة، فما هي إلا توزيع أدوار وتنفيذ أجندات لا علاقة لها بشعارات القومية العربية أو الخلافة الإسلامية فهي شعارات تستخدم فقط لدغدغة مشاعر البسطاء في الشارعين: المصري والتركي.