مجلس أمناء الحوار الوطني يتابع تنفيذ الحكومة الجديدة لتوصياته    مدرب البنك الأهلي: لن أخوض مباراة زد قبل مواجهة سموحة    بسمة وهبة تتنقد تقصير شركة شحن تأخرت في إرسال أشعة ابنها لطبيبه بألمانيا    برواتب تصل ل11 ألف.. 34 صورة ترصد 3162 فُرصة عمل جديدة ب12 محافظة    ملفات شائكة يطالب السياسيون بسرعة إنجازها ضمن مخرجات الحوار الوطني    بنها الأهلية تعلن نتيجة المرحلة الأولى للتقديم المبكر للالتحاق بالكليات    سعر السبيكة الذهب اليوم وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الإثنين 1 يوليو 2024    13 فئة لها دعم نقدي من الحكومة ..تعرف على التفاصيل    برلماني يُطالب بإعادة النظر في قانون سوق رأس المال    مع بداية يوليو 2024.. سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم    التطبيق من 6:00 الصبح .. المواعيد الجديدة ل غلق وفتح المطاعم والكافيهات ب القليوبية    اتحاد العمال المصريين في إيطاليا يكرم منتخب الجالية المصرية في موندياليتو روما 2024    4 جنيهات ارتفاعًا في سعر جبنة لافاش كيري بالأسواق    رئيس هيئة نظافة وتجميل القاهرة يبحث مع العاملين مستوى النظافة بالعاصمة    بدء محادثات الأمم المتحدة المغلقة بشأن أفغانستان بمشاركة طالبان    الرئيس الكيني يدافع عن تعامله مع الاحتجاجات الدموية في بلاده    رودرى أفضل لاعب فى مباراة إسبانيا ضد جورجيا فى يورو 2024    زيلينسكي يحث داعمي بلاده الغربيين على منح أوكرانيا الحرية لضرب روسيا    انتخابات بريطانيا 2024.. كيف سيعيد ستارمر التفاؤل للبلاد؟    بحضور 6 أساقفة.. سيامة 3 رهبان جدد لدير الشهيد مار مينا بمريوط    يورو 2024 – برونو فيرنانديز: الأمور ستختلف في الأدوار الإقصائية    رابطة الأندية تقرر استكمال مباراة سموحة ضد بيراميدز بنفس ظروفها    موعد مباراة إسبانيا وألمانيا في ربع نهائي يورو 2024    عاجل.. زيزو يكشف كواليس عرض بورتو البرتغالي    بسيوني حكما لمباراة طلائع الجيش ضد الأهلي    بسبب محمد الحنفي.. المقاولون ينوي التصعيد ضد اتحاد الكرة    من هي ملكة الجمال التي أثارت الجدل في يورو 2024؟ (35 صورة)    امتحانات الثانوية العامة.. 42 صفحة لأقوى مراجعة لمادة اللغة الانجليزية (صور)    حرب شوارع على "علبة عصير".. ليلة مقتل "أبو سليم" بسبب بنات عمه في المناشي    مصرع 10 أشخاص وإصابة 22 فى تصادم ميكروباصين بطريق وادى تال أبو زنيمة    صور.. ضبط 2.3 طن دقيق مدعم مهربة للسوق السوداء في الفيوم    إصابة 4 أشخاص جراء خروج قطار عن القضبان بالإسماعيلية    شديد الحرارة والعظمى في العاصمة 37.. الأرصاد تكشف حالة الطقس اليوم    بالصور والأرقام | خبير: امتحان الفيزياء 2024 من أسئلة امتحانات الأعوام السابقة    التحفظ على قائد سيارة صدم 5 أشخاص على الدائري بالهرم    تحالف الأحزاب المصرية: كلنا خلف الرئيس السيسي.. وثورة 30 يونيو بداية لانطلاقة نحو الجمهورية الجديدة    بالصور.. أحدث ظهور للإعلامي توفيق عكاشة وزوجته حياة الدرديري    ربنا أعطى للمصريين فرصة.. عمرو أديب عن 30 يونيو: هدفها بناء الإنسان والتنمية في مصر    عمرو أديب في ذكرى 30 يونيو: لولا تدخل الرئيس السيسي كان زمنا لاجئين    «ملوك الشهر».. 5 أبراج محظوظة في يوليو 2024 (تعرف عليهم)    محمد الباز يقدم " الحياة اليوم "بداية من الأربعاء القادم    في أول أعمال ألبومه الجديد.. أحمد بتشان يطرح «مش سوا» | فيديو    مدير دار إقامة كبار الفنانين ينفي انتقال عواطف حلمي للإقامة بالدار    من هنا جاءت فكرة صناعة سجادة الصلاة.. عالم أزهرى يوضح بقناة الناس    تعاون بين الصحة العالمية واليابان لدعم علاج مصابي غزة بالمستشفيات المصرية    علاج ضربة الشمس، وأسبابها وأعراضها وطرق الوقاية منها    ذكرى رأس السنة الهجرية 1446ه.. تعرف على ترتيب الأشهر    تيديسكو مدرب بلجيكا: سنقدم ما بوسعنا أمام فرنسا    وزير الري: الزيادة السكانية وتغير المناخ أبرز التحديات أمام قطاع المياه بمصر    رئيس الوزراء: توقيع 29 اتفاقية مع الجانب الأوروبي بقيمة 49 مليار يورو    أمين الفتوى: التحايل على التأمين الصحي حرام وأكل مال بالباطل    هل تعاني من عاصفة الغدة الدرقية؟.. أسباب واعراض المرض    فيديو.. حكم نزول دم بعد انتهاء الحيض؟.. عضو بالعالمى للفتوى تجيب    اعرف الإجازات الرسمية خلال شهر يوليو 2024    جامعة القاهرة تهنئ الرئيس والشعب المصري بثورة 30 يونيو    أبوالغيط يبحث مع وزير خارجية الصومال الأوضاع في بلاده    محافظ الإسكندرية يطلق حملة "من بدري أمان" للكشف المبكر وعلاج الأورام السرطانية    هل الصلاة في المساجد التي بها أضرحة حلال أو حرام؟..الإفتاء توضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلام السياسى وصناعة الإرهاب من عصر الصحابة إلى حكم الجماعة!
"العقاد" و"الغزالى" و"الخرباوى": علاقة "البنا" بالماسونية و"بيعة المقنع والغرفة المظلمة" تاريخية
نشر في الوفد يوم 15 - 12 - 2013

فى بلاد الغرب.. بلاد «الإفرنجة», و«الوق الواق» التطرف الدينى صناعة عارضة.. وافدة.. ظاهرة استثنائية، وفى بلاد الحضارة الإسلامية, مهد الشرائع السماوية, والوحى, والوسطية, الإرهاب والتطرف الدينى صناعة أصيلة, لها ماركة مسجلة, وملكية فكرية, وبراءة اختراع, ومحظور على ما عداها التقليد.
ورغم تغير الظروف والأزمان بداية من عصرالخلفاء الراشدين, وحتى زوال الخلافة, إلى يومنا هذا لاتزال الفرق, والجماعات والأحزاب, وتيارات الإسلام السياسى بنزقها, وصلفها هى هى.. تتغير المسميات والهدف واحد, وهو الصراع على السلطة، وتحت ستار الدين تقنن الفتن, وجميع الموبيقات لنفسها ولأنصارها, وتزينها لغيرها، فالحرام فى شرعها حلال, والحلال حرام، والكذب مباح, والرجوع عن الحق فضيلة, وسفك الدماء وسيلة، ومن أجل الغرض, والسلطة تستحل الأموال والأعراض، ويصبح «جهاد النكاح» جائزاً ومستحباً فى عرف وأدبيات شيوخ المدعين.
استراح ضمير رفيق درب حسن البنا والقيادى بالتنظيم السرى للإخوان, قبل سكرات الموت بأسابيع, بعد اعترافه الصادم, بأن البنا شرب من نفس الكأس الذى ذاق منه عشرات, ومئات المصريين المسلمين المسالمين، حتى كان قتله على يد من ولاه إمارة كتائب الخراب والدمار, وإزهاق الأرواح فى بر مصر بلا ذنب جنوه, سوى أنهم كانوا عقبة فى صراعه السياسى الدنيوى على السلطة، ورغم أن اعترافه جاء متأخراً سنوات لخوفه من تهديدات الجهاز الخاص, أو البوليس السياسى الإخوانى, أفضل من ألا يأتى، وأهمية الاعتراف تأكيد حقيقة أن الأيام دول, «وأن من حفر حفرة لأخيه وقع فيها», وهذا هو المطلوب إثباته.
وليس مستبعداً أن يظهر من قد يصحي ضميره يوماً ما من قيادات الجماعة, ويحذو حذو «راغب» ويكشف عن خزانة أسرار مؤسس الجماعة وتنظيمه السرى, وما ارتكبوه من جرائم وخطايا باسم الدين, والسمع والطاعة لغير الله – لعل وعسى – نطلب لهم الرحمة, ويغفر لهم الله التاريخ الأسود الدموى، وقد أجمل أديبنا العملاق عباس محمود العقاد قوله فى جماعة الإخوان: «إن يهود الأرض لو جمعوا جموعهم, ورصدوا أموالهم, وأحكموا تدبيرهم, لينصروا قضيتهم بتدبير أنفع لهم من هذا التدبير الذي تصنعه هذه الجماعة, لما استطاعوا».
ولم يغيب عن عضو التنظيم السرى نجيب راغب فى شهادته, أن «فاروق» كان خلال هذه الفترة كان على علاقة طيبة بالمرشد, فقد كانوا يناصرونه, ويحشدون شبابهم لتأييده والهتاف باسمه أينما وجد، وكان يقابل أعضاء الإخوان بشكل طبيعي، وكان متعاطفاً جداً معهم. وعندما سئل عن تناقض ذلك مع كتابات الإخوان حول علاقتهم بالملك فاروق, واتهامهم له بتدبير الحادث.
مصادرة جريدة المصرى
قال نجيب: «هذا رأيي في الملك فاروق ولدي ما يدعمه، وأعتذر لقيادات الإخوان, لأنني أعرف جيدا أنهم لا يتفقون معي فيه، بل وربما يثير هذا الرأي مشاكل داخل الجماعة».. و«الحقيقة لابد وأن تظهر مهما مرت السنوات، فالملك فاروق كان له دور كبير جدا مع الإخوان، ولكن للأسف الشديد لم يتكلم أحد عن حقيقة هذا الدور لأسباب مجهولة في نظري».. والغريب أن القضية حفظت مرتين، وكانت جريدة المصرى نشرت رقم سيارة الجناة ماركة (فورد ليموزين)، والذي التقطه صحفى شاب يدعى محيى الدين عمل بجريدة المصرى, وفيما بعد القسم الرياضى تولى رئاسة مجلة المصور، ولكن تمت مصادرة الجريدة بعد طباعتها دون إبداء الأسباب.
وعن رأي «نجيب» في سر طمس علاقة الإخوان بالملك فاروق في كتاباتهم يقول: «إن الإخوان اتهموا فاروق بأنه وراء قتل البنا، فكيف يتكلمون عنه في كتاباتهم بعد ذلك، الحقيقة المؤكدة أن الملك فاروق بريء من هذا الاتهام، وبريء من دم البنا، ولم يشارك أو يسعى في قتله، وهذا لا يعرفه إلا عدد قليل جدا من قيادات الإخوان، مات معظمهم ولم يتبق منهم إلا القليلون».
وقال: هؤلاء لا أعتقد أنهم يريدون أن يتكلموا في الأمر، أو يفتحوا لغز مقتل البنا من جديد، رغم أن كلا منهما مات (أي البنا وفاروق)، إلا أن حقيقة الاغتيال ستظل باقية وفاروق - أيضاً - سيظل بريئاً، لأنه بالفعل لم يقتل البنا.
علاقة البنا «بالماسونية»
ومن الأسرار التى مازالت مجهولة فى حياة المرشد حسن البنا, وتم التطرق إليها وكشفها فى وجوده, هى علاقته بالماسونية، وكان الكاتب والأديب والمفكر المصرى العملاق عباس العقاد, ولكن نجح الإخوان بعد مطاردة العقاد, وإطلاق الرصاص عليه من قبل التنظيم السرى, ونجاته, وإرهاب من يتناول هذه العلاقة «أخفى على الخبر ماجور» ولم يعد لها ذكر.
ففى مقال للعقاد فى 2 يناير 1949 تحت عنوان «الفتنة الإسرائيلية» يقول الفتنة التى ابتليت بها مصر على يد العصابة التى كانت تسمى نفسها بالإخوان المسلمين هى أقرب الفتن فى نظامها إلى دعوات الإسرائيليين والمجوس, وتناول بالأدلة أن حسن البنا تنحدر جزوره إلى أسرة مغربية ذات أصول يهودية, وأن البنا وأباه وجده كانوا يعملون فى تصليح الساعات وهى مهنة اليهود, وأن ترجمة كلمة «البنا» فى الإنجليزية (mason) أى ماسونى، ولم يكن لفظ البنا ضمن اسمه, ولكن أضيف إليه، والبنا جاء من كلمة بناء وهى أصل الماسونية, ويطلق عليهم «البناؤون الأحرار»، كما أن البحيرة هى مولد البنا, وكانت أكبر تجمع لليهود فى مصر, وفيها ضريح أبوحصيرة الذى يحجون إليه اليوم وأغلب يهود البحيرة جاءوا من المغرب, وأغلبهم تأسلم ومنهم جد حسن البنا, الذى كان صوفياً كعادة أغلب يهود العالم العربى فى أفريقيا، ويتردد اعتماد «البنا» فى فكره على المذهب الأحمدى الذى كان منتشراً فى الهند, وهو يقوم فى الأساس على أن جبريل عليه السلام لم يتوقف عن الوحى بعد الرسول صلى الله عليه وسلم, وهو ينزل الآن على معلمى الأمة وطبعاً البنا أحدهم, ومن هنا نعرف ما هى قصة السمع والطاعة عند الإخوان, لأن معلمهم يوحى له.
وقد حاول إثبات هذه الحقيقة الشيخ محمد الغزالى, الذى يعد أبرز الشخصيات الإخوانية، وعندما انقلب عليهم, أصدر كتاب «قذائف الحق» شرح فيه ماسونية حسن البنا, وحسن الهضيبي الذي لم يكن من الإخوان ولكن الماسونية نصبته خلفاً لحسن البنا، كما تم اختيار مصطفى السباعي الماسوني الحمصي مراقباً عاماً لإخوان سوريا عام 1945, وهو تلميذ حسن البنا الذي عمل بقيادة غلوب باشا الماسوني اليهودي البريطاني، وكانت ترفع شعار: «حرية.. عدالة.. مساواة», واخوان حسن البنا رفعوا نفس الشعار: «حرية.. عدالة»، وبقيت المساواة غير معترف بها!.. (ملحوظة) كان سيد قطب الإخوانى المتشدد قبل سفره لأمريكا يكتب فى جريدة (التاج المصرى) الماسونية لسان حال المحفل الأكبر الوطنى المصرى الماسونى، التى يحظر على غير أعضائها النشر فيها.
ارتباط البيعة بالماسونية
ويكشف الدكتور ثروت الخرباوى القيادى الإخوانى المنشق, عن ارتباط إجراءات البيعة فى التنظيم السرى للإخوان بالماسونية العالمية، فوفقاً لتجربته الشخصية, فإن البيعة لها طقوس سرية بحيث يدخل الشخص إلى غرفة مظلمة, ويجلس على الأرض وأمامه مائدة صغيرة «طبلية» عليها المصحف والمسدس، وهذا شعار الإخوان عبارة عن سيفين وكلمة «وأعدوا»، ويدخل المبايع وسط هذه الطقوس «الظلامية»، ويأتي شخص مقنع يخفي وجهه وسط هذا الظلام الدامس، والمبايع لا يعرف من يبايع، وعند أداء قسم البيعة يضع يده على المصحف, واليد الأخرى على المسدس ويقسم على الولاء والطاعة وتتضمن البيعة إقرار هذا الشخص المبايع بحق الجماعة في إهدار دمه إذا خرج عنها، وهى نفس الطقوس التي تأخذ بها الماسونية, ولكنها تستبدل البيعة بالولاء.
البيعة بالوكالة
وكان المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين السابق مصطفى مشهور ابتدع البيعة بالوكالة، لحل مسألة بيعة إخوان الإمارات للمرشد في مصر، وتقوم هذه البيعة على حضور أحد الأشخاص من جماعة الإخوان في الإمارات إلى مصر، وأداء البيعة نيابة عن إخوان الإمارات أمام المرشد!
ويرى المفكر الإسلامى خالد محمد خالد فى مذكراته الثانية، أن آفة نظام جماعة الإخوان كامنة فى تعجلها للوصول إلى الحكم.. ثم فى تعصبها للفكر الإخوانى ونبذ كل ما عداها.. ثم فى غياب الوعى السياسى الرشيد عن تفكيرها.. وكفرانها بالديمقراطية، وقد كانت هذه سمة مشتركة بين الإخوان المسلمين إلاّ قليلاً منهم.. وفى مثل هذا المناخ يفرخ العنف ويبيض، ويصبح التطرف - إلى حد استباحة الدماء - شعيرة أو فريضة.. وقد كان للمرشد من على حق فى تخوفه بأن قيام تنظيم سرى فى هذا المناخ الخانق سيكتوى بناره ذات يوم الإخوان أنفسهم، والمرشد ذاته.
الحرب الباردة مع «ناصر»
تشير الوثائق التاريخية إلى استثناء جماعة الإخوان من قرار مجلس قيادة ثورة يوليو بحل الأحزاب, بعد أربعة أشهر من قيامها بادعاء أنها جمعية دينية دعوية، وانتهازاً للفرصة دفعت الجماعة بالصاغ الإخواني صلاح شادي والمحامي منير الدولة, لتقديم الجماعة على أنها المؤيد الوحيد للثورة, ولهذا يجب أن يكونوا في وضع يليق بدورهم وبحاجة الثورة لهم»، فقال لهما جمال عبدالناصر: «إن الثورة ليست في أزمة أو محنة، وإذا كان الإخوان يعتقدون أن هذا الظرف هو ظرف المطالب وفرض الشروط فإنهم مخطئون».. لكنه سألهما بعد ذلك: «حسناً ما هو المطلوب لاستمرار تأييدكم للثورة, فقالا له: «إننا نطالب بعرض كافة القوانين، والقرارات التي سيتخذها مجلس قيادة الثورة قبل صدورها على مكتب الإرشاد لمراجعتها من ناحية مدى تطابقها مع شرع الله والموافقة عليها.. وهذا هو سبيلنا لتأييدكم إذا أردتم التأييد».. وكان رد جمال حازماً: «لقد قلت للمرشد في وقت سابق إن الثورة لا تقبل أي وصاية من الكنيسة أو غيرها».
ثم عادا وجددا طلبهما, بألا يصدر أي قانون إلا بعد أن يتم عرضه على مكتب إرشاد لإخوان وموافقته، وتكررالرفض، فبدأ الإخوان بالانقلاب على الثورة.
وعاد المرشد العام حسن الهضيبى, للتنازل عما سبق, وعرض إغلاق دور السينما والمسرح, وتحريم الموسيقى والأغانى, وفرض «الدفوف» فى الأفراح, ومنع النساء من العمل, وإزالة التماثيل، وتكرر الرفض حتى وواجهه «ناصر» لماذا بايعتم الملك فاروق خليفة على المسلمين؟.. ولماذا لم تطالبوه بهذه المطالب؟.. وبعد فترة تم تكليف حامد أبوالنصر, والشيخ فرغلى بعرض غير قابل للتأجيل, وهو فرض الحجاب على النساء، وتم عرض ثلاثة نماذج للحجاب للاختيار بينها، فكان السؤال لحامد أبوالنصر «الذى أصبح المرشد الرابع فيما بعد»: ما سر استهدافكم للنساء؟.. ثم: «ليه بناتك سافرات يا أستاذ حامد وليه متلزمهمش بأى نموذج من الحجاب؟».. ولم تقف محاولات الإخوان الخبيثة بعد الوقيعة بين عبدالناصر, والأحزاب حتى تم حلها, وأبقى عليهم، ثم مطاردته بالمطالب وفرض الرأى، حتى مساومته فى تشكيل الحكومة بشغل حقيبتين وزاريتين، ثم ممارسة لعبة الكراسى الموسيقية، فمن لم يأت بالتى هى أحسن يكون بالإجبار، حيث يجيدون سياسة الترهيب, وهى - ببساطة - التصفية الجسدية!
تغيير المواقف والأقنعة عادة محببة «للتنظيمات السرية» وهذا دأب جماعة الإخوان منذ نشأتها لمسايرة اتجاه التيار، فإذا كانت السلطة باطشة, أو متحكمة فإن المهادنة والمراوحة, وطول النفس سياسة متبعة, إعمالاً بمبدأ «تسلم تسلم» بكسر التأء الأولى وفتح الثانية، لأن المناطحة أو المكابرة دون استعداد هلاك لا محالة، وعندما تكون السلطة مرتبكة أو مأذومة يكون اللعب على المكشوف خير وسيلة للمقايضة، وكسب المزيد من التنازلات للسيطرة، والاقتراب من الخلافة الموعودة، وحدث ذلك فى التحالف مع القصر ضد حزب الوفد، وأيضاً مع إسماعيل صدقى رئيس الحكومة صاحب القبضة الحديدية، وفى التعاون مع الإنجليز, ثم مع «دول المحور» ألمانيا وإيطاليا من وراء ظهر الملك فاروق، وكان هذا مخططاً جارياً تكراره مع مجلس قيادة الثورة بعد إلغائه الأحزاب, ورفع الحظر عنهم الذى كان فرضه النقراشى، وانتظروا حتى إسقاط الأحكام على جميع معتقليهم للتحرك، ولكن سرعان ما انكشفت محاولاتهم, وتم تحجيمهم من جديد.
وفى كتاب «عبدالناصر والإخوان المسلمون» للكاتب عبدالله إمام, فى إطار المصالحة مع حسن الهضيبى المرشد الثانى, الذى أعلن تأييد الإخوان للثورة, وتركيزها فى العمل الدعوى, أصدر مجلس قيادة الثورة عفواً خاصاً عن قتلة المستشار أحمد الخازندار من أعضاء التنظيم السرى للإخوان, وعن بقية المسجونين في قضية اغتيال رئيس الوزراء النقراشي، بالإضافة إلى المحكوم عليهم في قضية إحراق مدرسة الخديوية الثانوية للبنات من قبل المتشددين في جماعة الإخوان، ثم أعقب ذلك عفواً شاملاً عن كافة المعتقلين السياسيين باستثناء الشيوعيين وبلغ عدد المفرج عنهم 934 معتقلاً معظمهم من الإخوان.
ولأن الطبع يغلب التطبع لم يتحمل الإخوان البعد عن المشهد السياسى, بدأوا الالتفاف على وعودهم التى قطعوها على أنفسهم لعبدالناصر, بعرض مشاركتهم فى الحكومة بعضوين من الجماعة – من باب – تحمل المسئولية, وليس التدخل مقابل التأييد الكامل لقرارات مجلس قيادة الثورة، وما كاد يقبل عرضهم، حتى انقلبوا, ونقضوا اتفاقهم بتغيير الترشيحات, واستبدالهما بآخرين، وهو ما قوبل بالرفض.
وحول تبدل مواقف الإخوان, وعلاقتهم مع الألمان, كتب عباس العقاد يقول: بدأ الإخوان في دعم التوجه نحو ألمانيا مستفيدين من كراهية الشعب للإنجليز، وبدأوا يثيرون الشعور عليها باسم الدين، وباسم سوريا وفلسطين، ولا يثيرون الشعور علي الدول الأخري (ألمانيا وإيطاليا) باسم ألبانيا, وبرقة, وطرابلس والصومال، وتحوم الشبهات عليهم, ومن أين تتلقي تلك الجماعات المتدينة أزوادها ونفقاتها، إنها جاسوسية مأجورة تتواري بالإسلام للإيقاع ببلاد الإسلام لأن سيادة الديكتاتورية لن تنتهي إلي مصلحة المسلمين ولا إلي سيادة المسلمين وإنما تنتهي إلي ضياع المسلمين.
وقد خان الإخوان التوفيق فى سباق كسب رضى القصر, فسجلوا باندفاعهم المكشوف على أنفسهم ما يدينهم, ويوصمهم بأنهم تجار دين.. النفاق دينهم, والكذب بضاعتهم كالخوارج لا يعنيهم من الدين إلا لغرض, والغرض دائماً مرض فى سبيله السلطة كل شيء قابل للمساومة، فبمجرد إعلان خبر وفاة الملك فؤاد كان غلاف مجلة الإخوان «مات الملك يحيا الملك»، أى أن ولاءهم لمن فى الحكم فقط، في إشارة لمبايعتهم خليفته فاروق الذي كان عمره 14 عاماً، ولتدارك هذه الفضيحة أعيد نشر نعى ثان تحت عنوان «مصر تفتقد اليوم بدرها في الليلة الظلماء، ولا تجد النور الذي اعتادت أن تجد الهدي علي سناه».
ولم تقف انتهازية الإخوان عند هذا الحد، ففى ذكرى الاحتفال بجلوس الملك فاروق, على عرش مصر وهو لم يتجاوز ال 17 سنة, تجمع الإخوان فى ميدان عابدين وهم يرددون يمين الولاء: «نمنحك ولاءنا على كتاب الله وسنة رسوله» مليكنا حامي حمي الدين، ونصير الإسلام والمسلمين، وعندما عادت صحيفة الإخوان المسلمون إلى الصدور فى أغسطس 1942، كانت افتتاحية العدد الأول صورة «فاروق» وفى يده مسبحة!.. وفى الاحتفال بعيد الهجرة أعيد نشر نفس الصورة، وصورة أخرى وهو ملتح وكتب تحتها القدوة الصالحة!.. وفى عيد ميلاده كتب مانشيت, «أن عيد الملك هو عيد الشعب»، ورغم ذلك لم يكن فاروق يطمئن إليهم, ويرتاب فيهم, لعلمه أنهم مستعدون للتعاون مع الشيطان من أجل السلطة.
حرب المساجد
كان لمحاولة اغتيال عبدالناصر أثناء إلقاء خطابة فى المنشية بالإسكندرية مقدمات, بعد انتهاء شهر العسل بين ناصر والإخوان, وتلاشى فرصهم فى التقارب، والمشاركة فى الحكم، ويرى الاخوان المسلمون ومؤيدوهم نظرية أن حادث المنشية تمثيلية ومسرحية دبرها وأخرجها جمال عبدالناصر, من أجل خلق مبرر له لكى يطيح بالجماعة وينفرد بالسلطة وحده، وليس المجال هنا لتقييم موقف «ناصر», ولكن للحكم على حادث الاغتيال.
وبدأت المقدمات باستغلال الإخوان لمنابر المساجد فى صدامها مع مجلس قيادة الثورة, بتسييس الدعوى, ودخول المساجد طرفاً فى الصراع, وتحويله إلى صراع دينى, ثم طائفى مذهبى، ففى يوم الجمعة 27 أغسطس 1954 بحى منيل الروضة وعقب صلاة الجمعة, اعتلى القيادى الإخوانى حسن دوح المنبر بمسجد شريف وألقى خطاباً هاجم فيه سياسات مجلس قيادة الثورة وما تقوم به من إجراءات وخرج بمظاهرة من المسجد اشتبكت فيها مع قوات الشرطة, ووقعت إصابات فى الجانبين، وفى نفس اليوم خرجت مظاهرات إخوانية فى طنطا اشتبكت هى الأخرى مع الشرطة.
ومن رؤية الصحفى والمحلل السياسى الأمريكى روبرت دريفوس متخصص فى شئون المخابرات الأمريكية عن شبكات الإرهاب العالمية يقول: «لم يكن عبدالناصر يتصور أن الإخوان بعد العفو عن 934 من المحكوم عليهم, سيصل بهم الحال لاغتياله, وهم المدافعون عن الإسلام وأصحاب دعوى الإصلاح يكونون مجرد مخلب قط لأجهزة المخابرات العالمية, فبعد أن افتضح سرهم, وانكشف مخططهم للقفز على السلطة, وقد تحولت الصراع ضد عبدالناصر ومجلس قيادة الثورة من تحركات واجتماعات لأعضاء الجماعة, وتصريحات للمرشد فى صحف أجنبية ينتقد فيها الثورة, ولقاءات سرية ببعض ممثلى السفارات, إلى المواجهة العلانية».
حادث المنشية
وفى شهر سبتمبر 1954 تم منع سعيد رمضان أحد قيادات الإخوان, و5 من زملائه من السفر إلى سوريا لتعبئة أفرع الإخوان فى السودان وسوريا والعراق والأردن ضد عبدالناصر، حتى جاء يوم 26 أكتوبر ليشهد محاولة اغتيال عبدالناصر من قبل عضو الإخوان محمود عبداللطيف، ولم يكن التدبير بعيداً عن أيدى المخابرات البريطانية, وعلم المخابرات الأمريكية، وإن كانت الإخوان هى الأداة المنفذة، وقد كانت هناك لقاءات متوالية لهم مع الإخوان، وطبقاً لتحليل «روبرت دريفوس» كانت التعليمات من «إيدن», ومن البيت الأبيض «أيزنهاور» أن يتم الأمر دون أن يكون هناك أى أثر على تورط بريطانى أمريكى فى تلك العملية التى استهدفت رأس عبدالناصر حسبما طلب إيدن شخصياً، فدائماً هم جاهزون لعمل الشىء ونقيضه لحساب الغير، وعلى إثر الحادث تم اعتقال المئات من الإخوان، وحل الجماعة، وغلق جريدتهم.
شاهد عيان
فى شهادة تاريخية للشيخ أحمد حسن الباقورى وزير الأوقاف الأسبق عضو مكتب الإرشاد لجماعة الإخوان المسلمين، قال: مخطئ من صور أن حادث المنشية لاغتيال الرئيس عبدالناصر تمثيلية، فقد كنت أجلس بشرفة هيئة التحرير بميدان المنشية, وكنت أجلس بالقرب من الرئيس وكان بجوارى الميرغنى حمزة وزير الزراعة السودانى, وكانت يده غارقة بالدماء نتيجة تناثر شظايا الزجاج بيده، وفى الناحية الأخرى كان أحمد بر المحامى سكرتير هيئة التحرير بالإسكندرية، وأصيب بعدة رصاصات استقرت أحدها بجسده ونقل إلى مستشفى المواساة.
وقد أدت الحادثة إلى توجيه عبدالناصر ضربة مميتة للإخوان، بإعلان قرار حل جماعة الإخوان المسلمين، وشن حملة اعتقالات موسعة، وإحالة معظمهم لمحاكمات عاجلة، واستثنى منهم كتبة التقارير، والمتعاونين مع الأمن الذين وشوا بزملائهم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.