مد فترة تسجيل الطلاب الوافدين بجامعة الأزهر حتى مساء الأربعاء    محافظ الإسماعيلية يوافق على تشغيل خدمة إصدار شهادات القيد الإلكتروني    حماس ترفض زيارة الصليب الأحمر للأسرى في غزة    وسائل إعلام أمريكية تكشف تفاصيل الاتفاق بين واشنطن وتل أبيب على اجتياح لبنان    ناصر منسي: هدفي في السوبر الإفريقي أفضل من قاضية أفشة مع الأهلي    ضبط نسناس الشيخ زايد وتسليمه لحديقة الحيوان    انخفاض الحرارة واضطراب الملاحة.. الأرصاد تعلن تفاصيل طقس الثلاثاء    أحمد عزمي يكشف السر وراء مناشدته الشركة المتحدة    صحة دمياط: بدء تشغيل جهاز رسم القلب بالمجهود بالمستشفى العام    للمرة الأولى.. مجلس عائلات عاصمة محافظة كفر الشيخ يجتمع مع المحافظ    "مستقبل وطن" يستعرض ملامح مشروع قانون الإجراءات الجنائية    فعاليات الاحتفال بمرور عشر سنوات على تأسيس أندية السكان بالعريش    بيسكوف: قوات كييف تستهدف المراسلين الحربيين الروس    بعد 19 عامًا من عرض «عيال حبيبة».. غادة عادل تعود مع حمادة هلال في «المداح 5» (خاص)    «إيران رفعت الغطاء».. أستاذ دراسات سياسية يكشف سر توقيت اغتيال حسن نصر الله    كيفية التحقق من صحة القلب    موعد مباراة الهلال والشرطة العراقي والقنوات الناقلة في دوري أبطال آسيا للنخبة    الأربعاء.. مجلس الشيوخ يفتتح دور انعقاده الخامس من الفصل التشريعي الأول    للمرة الخامسة.. جامعة سوهاج تستعد للمشاركة في تصنيف «جرين ميتركس» الدولي    ضبط نصف طن سكر ناقص الوزن ومياه غازية منتهية الصلاحية بالإسماعيلية    مؤمن زكريا يتهم أصحاب واقعة السحر المفبرك بالتشهير ونشر أخبار كاذبة لابتزازه    تفاصيل اتهام شاب ل أحمد فتحي وزوجته بالتعدي عليه.. شاهد    الرئيس السيسي: دراسة علوم الحاسبات والتكنولوجيا توفر وظائف أكثر ربحا للشباب    الأمن القومي ركيزة الحوار الوطني في مواجهة التحديات الإقليمية    القاهرة الإخبارية: 4 شهداء في قصف للاحتلال على شقة سكنية شرق غزة    أمين الفتوى يوضح حكم التجسس على الزوج الخائن    قبول طلاب الثانوية الأزهرية في جامعة العريش    كيف استعدت سيدات الزمالك لمواجهة الأهلي في الدوري؟ (صور وفيديو)    محافظ المنوفية: تنظيم قافلة طبية مجانية بقرية كفر الحلواصى فى أشمون    مؤشرات انفراجة جديدة في أزمة الأدوية في السوق المحلي .. «هيئة الدواء» توضح    حدث في 8ساعات| الرئيس السيسى يلتقى طلاب الأكاديمية العسكرية.. وحقيقة إجراء تعديلات جديدة في هيكلة الثانوية    "طعنونا بالسنج وموتوا بنتي".. أسرة الطفلة "هنا" تكشف مقتلها في بولاق الدكرور (فيديو وصور)    رمضان عبدالمعز ينتقد شراء محمول جديد كل سنة: دى مش أخلاق أمة محمد    التحقيق مع خفير تحرش بطالبة جامعية في الشروق    "رفضت تبيع أرضها".. مدمن شابو يهشم رأس والدته المسنة بفأس في قنا -القصة الكاملة    تأسيس وتجديد 160 ملعبًا بمراكز الشباب    إنريكى يوجه رسالة قاسية إلى ديمبيلى قبل قمة أرسنال ضد باريس سان جيرمان    هازارد: صلاح أفضل مني.. وشعرنا بالدهشة في تشيلسي عندما لعبنا ضده    وكيل تعليم الفيوم تستقبل رئيس الإدارة المركزية للمعلمين بالوزارة    5 نصائح بسيطة للوقاية من الشخير    هل الإسراف يضيع النعم؟.. عضو بالأزهر العالمي للفتوى تجيب (فيديو)    20 مليار جنيه دعمًا لمصانع البناء.. وتوفير المازوت الإثنين.. الوزير: لجنة لدراسة توطين صناعة خلايا الطاقة الشمسية    المتحف المصرى الكبير أيقونة السياحة المصرية للعالم    تم إدراجهم بالثالثة.. أندية بالدرجة الرابعة تقاضي اتحاد الكرة لحسم موقفهم    «حماة الوطن»: إعادة الإقرارات الضريبية تعزز الثقة بين الضرائب والممولين    طرح 1760 وحدة سكنية للمصريين العاملين بالخارج في 7 مدن    تواصل فعاليات «بداية جديدة» بقصور ثقافة العريش في شمال سيناء    اللجنة الدولية للصليب الأحمر بلبنان: نعيش أوضاعا صعبة.. والعائلات النازحة تعاني    نائب محافظ الدقهلية يبحث إنشاء قاعدة بيانات موحدة للجمعيات الأهلية    فرنسا: مارين لوبان تؤكد عدم ارتكاب أي مخالفة مع بدء محاكمتها بتهمة الاختلاس    أفلام السينما تحقق 833 ألف جنيه أخر ليلة عرض فى السينمات    5 ملفات.. تفاصيل اجتماع نائب وزير الصحة مع نقابة "العلوم الصحية"    برغم القانون 12.. ياسر يوافق على بيع ليلى لصالح أكرم مقابل المال    إنفوجراف.. آراء أئمة المذاهب فى جزاء الساحر ما بين الكفر والقتل    مدير متحف كهف روميل: المتحف يضم مقتنيات تعود للحرب العالمية الثانية    «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف إعانة شهر أكتوبر للمستحقين غدًا    التحقيق مع المتهمين باختلاق واقعة العثور على أعمال سحر خاصة ب"مؤمن زكريا"    الأهلي يُعلن إصابة محمد هاني بجزع في الرباط الصليبي    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إجراءات وقوانين حماية القضاة والشهود فى العالم
نشر في الوفد يوم 02 - 11 - 2013

ما من شك أن مهنة القضاء تعد واحدة من أصعب وأشق المهن على الإطلاق، حيث أنها تحدد مصير العدالة في الأرض، حيث إن الهدف الرئيسي للقضاء هو إقامة العدل في الأرض.
ولقد تولى مهنة القضاء في القدم الرسل ورجال الدين بهدف تطبق الشرائع السماوية، وفي العصر الحديث بات القضاء في أيدي القضاة دارسي القانون الذين يطبقون القوانين والشرائع الوضعية.
بالنظر لأهمية الدور الذي يضطلع به القضاة في حياة الأمم، وفي ظل تفاقم الجريمة والإرهاب وتعاظم العصابات المسلحة باختلاف أشكالها وتوجهاتها السياسية والدينية، وعلى خلفية تعرض استقلالية القضاء لخطر شديد سواء من قبل تدخل الدولة في شئون القضاء أو عن طريق ممارسة العناصر الإرهابية والخطرة تهديداً وضغوطاً على القضاة وأسرهم وإجبارهم في بعض الأحيان على الحياد عن الاستقلالية والحيادية، وفي أحيان أخرى الشروع في قتل القضاة...بات من الضروري حماية القضاة وذويهم وحماية المدافعين عن الحق من محاولات الضغط عليهم سواء كان الضغط سياسياً (بواسطة النظام) أو إرهابياً (بواسطة أفراد وتنظيمات) لكي يستطيع القضاة الاضطلاع بعملهم دون أي ضغوط في ظل الاستقلالية المطلقة للقضاء.
وسوف نتعرض خلال الأسطر القادمة لتجارب بعض الدول الرامية لترسيخ مبدأ استقلالية القضاء وحماية القضاة وذويهم وأسرهم والشهود من أجل تحقيق العدالة وإعلاء دولة القانون.
قوانين حماية القضاة والشهود
ما من شك أن مهنة القضاء تعد واحدة من أصعب وأشق المهن على الإطلاق، حيث أنها تحدد مصير العدالة في الأرض، حيث إن الهدف الرئيسي للقضاء هو إقامة العدل في الأرض.
ولقد تولى مهنة القضاء في القدم الرسل ورجال الدين بهدف تطبق الشرائع السماوية، وفي العصر الحديث بات القضاء في أيدي القضاة دارسي القانون الذين يطبقون القوانين والشرائع الوضعية.
بالنظر لأهمية الدور الذي يضطلع به القضاة في حياة الأمم، وفي ظل تفاقم الجريمة والإرهاب وتعاظم العصابات المسلحة باختلاف أشكالها وتوجهاتها السياسية والدينية، وعلى خلفية تعرض استقلالية القضاء لخطر شديد سواء من قبل تدخل الدولة في شئون القضاء أو عن طريق ممارسة العناصر الإرهابية والخطرة تهديداً وضغوطاً على القضاة وأسرهم وإجبارهم في بعض الأحيان على الحياد عن الاستقلالية والحيادية، وفي أحيان أخرى الشروع في قتل القضاة...بات من الضروري حماية القضاة وذويهم وحماية المدافعين عن الحق من محاولات الضغط عليهم سواء كان الضغط سياسياً (بواسطة النظام) أو إرهابياً (بواسطة أفراد وتنظيمات) لكي يستطيع القضاة الاضطلاع بعملهم دون أي ضغوط في ظل الاستقلالية المطلقة للقضاء.
وسوف نتعرض خلال الأسطر القادمة لتجارب بعض الدول الرامية لترسيخ مبدأ استقلالية القضاء وحماية القضاة وذويهم وأسرهم والشهود من أجل تحقيق العدالة وإعلاء دولة القانون.
أولاً: تجارب غربية
1- الولايات المتحدة
هناك مجموعة من المؤسسات تضمن أن أحكام وقرارات القضاة تكون في إطار القانون، وليست وفق أهوائهم الخاصة، أو تبعاً لإرادات غيرهم، بما في ذلك إرادات فروع الحكم الأخرى. إن العناصر الخمسة المُشكِّلة لاستقلالية القضاء تتكون من: الحماية الدستورية الممنوحة للقضاة في الولايات المتحدة؛ وجود الإدارة المستقلة للقضاء في يد القضاة أنفسهم؛ وجود سلطة انضباط قضائية للتعامل مع حالات سوء الإدارة أو سوء السلوك التي يرتكبها القضاة؛ الطريقة التي يتم بها التعامل في حالة وجود تضارب للمصالح؛ وضمان فعالية القرارات والأحكام القضائية.
تتوحد هذه العناصر سوية لتضمن قيام قضاء مستقل يُكوّن الأساس لمجتمع يحكمه القانون. في ما يلي نص مختصر لكلمة القاضي براير، التي ألقيت أصلاً في مؤتمر المحاكم العليا للأمريكيتين، الذي عقد في العاصمة واشنطن خلال شهر أكتوبر 1995.
الأساس الأولّي لاستقلال القضاء في الولايات المتحدة يقوم على الحماية المؤمنة للقضاة التي نصت عليها المادة الثالثة من الدستور، والتي تُنشئ القضاء الفدرالي. تنص المادة الثالثة على أن القضاة الفدراليين سوف "يبقون في مناصبهم طالما ظل سلوكهم حسنا"، وعلى أنهم سوف "يتقاضون مقابل خدماتهم، مرتباً، لا يتناقص طالما بقوا في مناصبهم". هذه الأحكام تضمن ألا يكون للكونجرس ولا للرئيس تأثير مباشر على ما تسفر عنه الإجراءات القضائية عن طريق التهديد بعزل القضاة أو خفض رواتبهم.
إن الحماية ضد العزل تقيّدها عبارة "طالما ظلوا ملتزمين بحسن السلوك"، وهذه الآلية تنطبق أيضاً على غير القضاة من شاغلي المناصب الكبرى بالحكومة الفدرالية. فالمادة الثانية من الدستور تنص على أن "المسؤولين المدنيين في الولايات المتحدة" – ومن بينهم القضاة - يمكن "عزلهم من مناصبهم بعد اتهامهم وإدانتهم بالخيانة، أو الرشوة، أو ارتكاب الجرائم الكبرى أو الجنح". وتوجيه الاتهام إلى المسؤولين هي عملية رسمية نظامية يصدر بها الكونجرس أحكامه، وتستوجب الاتفاق بين المجلسين. فيكون على مجلس النواب توجيه الاتهام وتقديمه إلى مجلس الشيوخ. عندئذ يُجري الأخير المحاكمة المتعلقة بالاتهام، ولا يمكنه إدانة المسؤول المتهم، بمن في ذلك القضاة، إلاّ بإصدار قرار تتم الموافقة عليه بأغلبية الثلثين.
ولم تُستخدم سلطة توجيه الاتهام إلاّ نادراً منذ إنشاء السلطة القضائية، ولم تستعمل إلاّ لعزل القضاة بسبب أشكال متعددة من سوء السلوك الشخصي. وفي قضية شكلت معلماً في مجال توجيه الاتهام للمسؤولين في عام 1805، وجه الكونجرس الاتهام إلى صموئيل تشيس، قاضي المحكمة العليا الذي كان معروفا بصراحته الشديدة في الموضوعات السياسية، على أساس مزاعم تقول إن قراراته القضائية المهمة كانت متحيّزة سياسياً. لكن الكونجرس فشل في توجيه الاتهام، فأُنشئ نتيجة لذلك التقليد الذي يقول إن الكونجرس لا يمكنه استخدام سلطاته الخاصة بتوجيه الاتهام لتقييد الممارسات الأساسية للسلطة القضائية. وفي فترة أحدث، نبع الدافع في الحالات القليلة التي تم فيها توجيه الاتهام للقضاة نتيجة أو في أعقاب إجراء تحقيق جنائي مع القضاة. وهناك حالات أقل شأناً من سوء السلوك تم التعامل معها في إطار النظام التأديبي القضائي الذي يتولاه النظام القضائي نفسه.
السيطرة على الإجراءات والاستقلال الإداري:
تُشكّل المؤسسات التي تسمح للقضاء بالسيطرة على المناخ السائد في البيئة التي يمارس فيها القضاة مهمتهم، عاملاً ثانياً لدعم الاستقلال القضائي. لا تكون هذه النقطة محورية دائماً عند تقييم مدى استقلال القضاء، ولكن إذا جرى التفكير في كيفية تأثير مناخ العمل على أداء المرء لعمله، لأصبح من الممكن إدراك أن مسألة من يسيطر على السياق أو المفهوم الذي يُصدر في إطاره القضاة أحكامهم في ما يعرض عليهم من قضايا، تعتبر عاملا مؤثرا بدرجة كبيرة على فكرة استقلال القضاء.
هناك ثلاث دعائم مؤسساتية أولية ترتكز عليها الإدارة القضائية الأميركية. الدعامة الأولى هي المؤتمر القضائي للولايات المتحدة الذي تأسس في العام 1922 وحمل آنذاك اسم مؤتمر كبار قضاة الدوائر القضائية. يتألف هذا المؤتمر من رئيس المحكمة العليا، ورؤساء الدوائر القضائية وعددها 13 دائرة، وقضاة محاكم المناطق أو الأحياء وعددها 12 محكمة، وكبير قضاة محكمة التجارة الدولية. والمؤتمر القضائي هو الهيئة القومية لوضع السياسات المتعلقة بالقضاء، كما أنه يشرف على أعمال المكتب الإداري للمحاكم الأميركية. أما الدور الأكثر أهمية للمؤتمر القضائي فهو دوره في عملية وضع القواعد القضائية.
والسلطة الأولى والأكثر مركزية التي تركها الدستور للكونغرس، والتي قام الكونجرس بتحويل قدر مهم من ممارستها إلى المحاكم، هي سلطة وضع قواعد إجراءات النظر في القضايا المرفوعة أمام المحاكم. بموجب "قانون التمكين من وضع القواعد" قام الكونجرس بتمكين السلطة القضائية من وضع قواعدها الخاصة بالإجراءات في القضايا الجنائية والمدنية، ومنذ صدور القانون الفدرالي حول "قواعد إجراءات القضايا المدنية" عام 1938، هيمنت المحكمة العليا (والمحاكم الأدنى بالنسبة للقواعد المحلية) على غالبية قواعد الإجراءات في المحاكم الفدرالية.
رغم أن عملية وضع القواعد عملية مستقلة عن الكونجرس، فإنها ليست عملية منعزلة ولا محمية من مسؤولية المحاسبة العامة. وتضع هذه القواعد لجان استشارية متخصصة بالقانون المدني، والجنائي، وقانون الإفلاس، وإجراءات الاستئناف والأدلة. تتشكل هذه اللجان من قطاع منوع واسع من المشاركين في العملية القانونية، وتشمل القضاة، والعاملين بوزارة العدل، وأساتذة القانون، وأعضاء نقابة المحامين المتخصصين بالقضايا الجنائية والمدنية الذين يمثلون المدعين والمدّعى عليهم. وتقترح تلك اللجان القوانين، ثم يعرضونها للتعليق العام عليها، ثم يقدمونها إلى اللجنة الدائمة لقواعد الممارسات والإجراءات القانونية، والتي تحيلها بدورها إلى المؤتمر القضائي الذي يوصي المحكمة العليا بالموافقة عليها. بعد أن تعلن المحكمة العليا عن موافقتها على قاعدة قانونية، تُرسل إلى الكونجرس وتصبح نافذة المفعول، ما لم يرفض الكونجرس التصديق عليها خلال الفترة الزمنية المنصوص عنها في القانون (إلاّ أن قواعد الإثبات، والتي تعتبر أكثر أهمية من القواعد الإجرائية، فتقترحها السلطة القضائية، ولكن يتوجب الموافقة عليها كما لو كانت قوانين صادرة عن الكونجرس). وربما تكون السلطة على مناخ الإجراءات التي يتم وفقا لها النظر في القضايا وإصدار الأحكام، تمثل السلطة الأقرب إلى جوهر مفهوم استقلال المؤسسات القضائية.
بالإضافة إلى المؤتمر القضائي، هناك مكونان أساسيان إضافيان للاستقلال القضائي أوجدهما الكونجرس في العام 1939، وهما: المكتب الإداري للمحاكم الأميركية ومجالس الدوائر القضائية. وينصب المكوّن الأول على ضرورة المركزية بالنسبة لإدارة القضاء، بينما يتركز المكوّن الثاني على ضرورة السيطرة المحلية للقضاة على البيئة أو المناخ الذي يعملون فيه. والمكتب الإداري للمحاكم الأميركية هو هيئة مكوّنة من إداريين متخصصين يخضعون لتوجيهات المؤتمر القضائي الذي يشرف على إدارة ميزانية المحاكم الفدرالية، وشؤون الموظفين، والمشتريات وغيره من المهام المتعلقة بترتيب النظام القضائي من الداخل وتأمين الدعم له. وتتكون مجالس الدوائر القضائية الثلاث عشرة من رؤساء المحاكم وعدد مماثل من قضاة الدوائر وقضاة المناطق أو الأحياء. تؤدي المجالس مهمتين رئيستين. المهمة الأولى هي العمل كهيئة إشراف إداري على الدوائر القضائية من خلال الإشراف على إصدار وضمان فعالية القوانين المحلية، ومراجعة ودعم الطلبات المقدمة من المقاطعات لتعيين قضاة جدد والموافقة على الخطط التي تضعها محاكم المناطق بالنسبة لتنظيم هيئات المحلفين والمحاكمات. والمهمة الثانية هي أن المجالس القضائية تتحمل المسؤولية الأولي فيما يتعلق بقواعد الانضباط في النظام القضائي.
يمثل "مركز القضاء الفدرالي" مؤسسة قضائية أخرى مستقلة لكنها مركزية التكوين أنشأها الكونجرس عام 1967. يرأس مركز القضاء الفدرالي رئيس المحكمة العليا ويضم ستة قضاة يختارهم المؤتمر القضائي ومدير المكتب الإداري. يتولى مركز القضاء الفدرالي مسؤولية إجراء أبحاث في الإدارة القضائية وفي المسائل المتعلقة بتحقيق العدل، كما يقوم باقتراح وإعداد برامج تثقيفية وتعليمية للقضاة الفدراليين.
السيطرة على انضباط النظام القضائي
نظراً لكون القضاة يتمتعون بحصانة تمكنهم من الاستمرار في شغل مناصبهم مدى الحياة، ولأن الفرصة الوحيدة المتاحة أمام الكونجرس لإمكانية عزلهم تتمثل في عملية توجيه الاتهام والإدانة، فإن سلطة تأديب القضاة للانتهاكات التي لم تنشأ عن سوء السلوك الشخصي، بحيث تبرر توجيه الاتهام والإدانة، ظلت غير واضحة لفترة طويلة جداً. ولسنوات عديدة، نتج عن استعمال الكونجرس المحدود لسلطة توجيه الاتهام فراغ في تركيبة المؤسسات التي تتولى الإشراف على ما قد يحدث من سوء إدارة في النظام القضائي. وخلال تلك السنوات كانت ضغوط الزملاء فيما بين القضاة هي المصدر الأول للسيطرة على سوء الإدارة، وبوجه عام كان الحجم الصغير والتلاحم النسبي للقضاء الفدرالي كافياً. لكن عندما أنشأ الكونجرس المجالس القضائية للدوائر عام 1939، لم يكن واضحاً على الإطلاق أنها تملك سلطة تأديب أو انضباط فعلية. وفي عام 1973 أصدرت السلطة القضائية القانون الخاص بالقواعد التي تحكم سلوك القضاة الأميركيين لكنه لم يضع ولم يسّن بصورة رسمية نظاما تأديبيا إلا في وقت لاحق استناداً إلى قانون إصلاح المجالس القضائية والسلوك القضائي والعجز للعام 1980، الذي منح الكونجرس بموجبه للقضاء الفدرالي حقوق ابتكار إطار العمل المتعلق بقواعد الانضباط والتأديب داخل النظام.
استناداً إلى أحكام هذا القانون، يحق لكل شخص أن يرفع شكوى ضد قاضٍ فدرالي "بسبب انخراطه في سلوك يضر بالإدارة الفعالة والسريعة لعمل المحاكم أو ... لكونه عاجزاً عن القيام بكافة واجبات منصبه بسبب عجز عقلي أو بدني". ومنذ عام 1990، أصبح يحق أيضاً لرئيس المحكمة أن يتخذ إجراء بدون تقديم شكوى رسمية عندما تتوفر لديه معلومات تستجوب اتخاذ إجراء. بعد دراسة الشكوى، قد يقرر رئيس المحكمة رفضها بإصدار أمر خطي بذلك يذكر فيه أسباب الرفض، أي في حال لم تكن الشكوى قد التزمت بالمتطلبات القانونية، أو في حال كانت الأسباب تتعلق مباشرة بوجاهتها أو إن كانت تتعلق بقرار مهم أو حكم اتُّخذ في قضية أخرى، أو إذا كانت الشكوى تافهة. قد يقرر رئيس المحكمة أيضاً رفض القضية في حال كانت الوقائع الحاصلة خلال النظر فيها، أي إما بالنسبة لواقع سوء السلوك أو فيما يخص باتخاذ العمل التصحيحي المناسب، قد حلت المسألة موضوع الشكوى.
في حال عدم رفض رئيس المحكمة للشكوى، يتوجب عليه تعيين لجنة خاصة للتحقيق بالشكوى وتقديم تقرير خطي إلى مجلس الدوائر القضائية ويجوز للمجلس بحد ذاته إجراء تحقيقات إضافية. فعلى سبيل المثال، قد يطلب المجلس القضائي أن يتقاعد القاضي المعني، أو أن يفرض تجميد النظر بالقضايا المحالة إلى القاضي، أو أن يصدر تأنيبياً للقاضي إما بصورة خاصة أو علنية. لكن القانون لا يسمح بصورة صريحة للمجلس القضائي بعزل قاضٍ من منصبه. ويبقى احتمال العزل ممكناً فقط عند توجيه الاتهام إليه وإدانته.
تضارب المصالح:
الوجه الرابع للاستقلال القضائي يكمن في أهمية السيطرة على الذات وتجنب التحيز. فكل قاض بمفرده، أكثر من أي مجلس أو لجنة، يجب أن يضع نفسه في أفضل وضع يضمن أنه لن يصدر حكما في أي قضية يكون خاضعا فيها لتأثير أي اعتبارات غير الاعتبارات القانونية.
فرض الكونجرس على القضاة واجباً قانونياً بأن يعلنوا عدم أهليتهم للنظر في قضية ما يكون فيها عدم تحيزهم عُرضة للتساؤل أو الشكوك. فعلى القضاة واجب ملزم بأن يتحققوا من معرفة ما إذا كانوا هم أو أحد أفراد عائلتهم له مصلحة مالية في القضية المعروضة أمامهم. ويجب أن يتنحى القاضي إذا كان متورطاً في قضية، إما من خلال معرفته الخاصة بالوقائع، أو من خلال العمل كمحامٍ خاص، أو في أي موقع حكومي متعلق في القضية، أو لكونه عمل مع شاهد مهم في القضية.
للمساعدة في عملية اختبار الذات واتخاذ قرار بالتنحي، ووضع بعض الأسس لمتابعة ومراقبة القرارات التي يتخذها القضاة، فرض الكونجرس ضرورة اتباع بعض القواعد المنظمة التي تستدعي تقديم بيان بالأموال التي يتقاضاها القاضي عن أية وظيفة خارجية، أو أي دخل يكتسبه، أو نشاطات يمارسها، أو هدايا يتلقاها، أو أتعاب قد يحصل عليها. وهذه المتطلبات تيسر عمليتي الوعي والمحاسبة.
إن القواعد الخاصة بالتنحي، ودرجة اتباع القضاة لها بوحي من ضمائرهم، تداركاً لتجنب تضارب المصالح والتحيز، تعتبر أموراً جوهرية لضمان استقلال الأحكام ولضمان أن يظل النظام القضائي سليماً في أعين عامة الناس.
تأمين فعالية الأحكام القضائية:
إن أكثر القضاة استقلالية، والذي يمكنه التوصل إلى أقل الاستنتاجات تحيزاً، لن يكون له أثر فعال في وجود حكومة يحكمها القانون، أو في حال كانت الإدارات الحكومية التي تأمرها المحاكم باتخاذ إجراءات معينة ترفض القيام بذلك، أو إذا لم يدفع الناس تعويضات عن الأضرار التي تأمرهم المحاكم بدفعها. فالمجتمع المنظم، وآليات فرض التنفيذ، وعادة الانصياع إلى أوامر المحاكم، عناصر أساسية في نظام يكون فيه الاستقلال القضائي فعالاً.
وأكثر المشاكل المحيرة بالنسبة للاذعان لا تنشأ عادة حين يكون الفرقاء الماثلون أمام قاضٍ من الأشخاص العاديين. فعندما يصدر القاضي حكماً على فرد، تكون سلطة الولاية ملازمة للحكم الذي أصدره القاضي، ومن المحتمل جداً أن يواجه الشخص الذي يرفض تنفيذ الحكم ضباط شرطة يقومون بتنفيذه قسرياً.
لكن المشكلة الأكثر تعقيداً تنشأ عندما يكون الطرف الذي أصدرت المحكمة حكمها ضده هو الحكومة، وترفض الحكومة الإذعان لهذا الأمر. ورفض الامتثال قد يصبح أكثر احتمالاً إذا كانت أوامر المحكمة عمومية وكانت موجهة إلى مؤسسات وليس إلى أفراد. لكن التقليد السائد في الولايات المتحدة هو أن الأوامر تصدر إلى أفراد. فعلى سبيل المثال، إذا وجدت محكمة أن شخصاً لم يحصل على محاكمة منصفة، ويتوجب إطلاقه من السجن لا يصدر عادةً أمر من المحكمة حول طلب إحضار المتهم، ضد الولاية أو ضد نظام السجون في الولاية. إنما يصدر الأمر ضد فرد، يكون عادةً آمر السجن، أو مدير النظام الإصلاحي في الولاية. يضع هذا الفرد الذي لديه سلطة العمل باسم الولاية في وضع غير مريح لكون أمر المحكمة وجه اليه، ويخلق هذا الاحتمال بأنه في حال تخلف هذا المسؤول عن الامتثال سوف تصدر المحكمة حكما عليه باحتقار المحكمة بحيث تُفرض عليه غرامة شخصية أو حتى عقوبة سجن لحين الامتثال. فمخاطرة فرد بمقاومة أمر محكمة أصعب من مخاطرة الولاية بمقاومة ذلك الأمر.
حدثت أقصى القضايا تطرفاً في المعارضة المنظمة من جهة مسؤولين في الولاية لأوامر أصدرها قضاة فدراليون، في أواخر الخمسينات وأوائل الستينات من القرن الماضي عندما رفضت بعض الولايات الامتثال لأوامر أصدرها قضاة فدراليون بإلغاء التمييز العنصري في المؤسسات التعليمية، والباصات، والمطاعم. فعلى سبيل المثال، عندما رفضت ولاية أركنساو إلغاء التمييز العنصري في مدارسها الابتدائية أعاد قرار المحكمة العليا، في القضية المعروفة باسم كوبر ضد آرون، التأكيد على وجوب احترام أوامر المحاكم، وأن أمر إلغاء التمييز العنصري يجب أن ينفذ. إثر صدور القرار، أرسل الرئيس ايزنهاور قوات الحرس القومي إلى مدينة ليتل روك في ولاية أركنساو لتنفيذ قرار المحكمة. فالتهديد، بغض النظر عن مدى بعده وندرة حصوله، بأن المسؤول التنفيذي الفدرالي سوف يستخدم القوة لدعم النظام القضائي الفدرالي يظل بمثابة الخلفية القوية عندما يأمر القضاة الفدراليون الولايات بالعمل بطريقة معينة. ولن يكون الأمر القضائي جاداً إلى تلك الدرجة، بالطبع، عندما يتم توجيه الأوامر إلى مسؤولين فدراليين، رغم أن التهديد بإرسال قادة الشرطة الفدراليين لطَرْق باب أي موظف رسمي يُذكر اسمه بوجه خاص في أمر المحكمة، يبقى شأناً حقيقياً بالفعل.
والسبب الذي يدعو إلى الامتثال ويكون أشد قوة من الضمانات التي توفرها مؤسسات الدولة، هو أهم الأسباب التي تدعو للاعتقاد في أن قرار القاضي سوف يكون فاعلاً. وهو الثقافة السائدة في المجتمع. فالمجتمع المنظم الذي يمتثل فيه الناس لقرارات المحاكم، لكونها مسألة واجبة التنفيذ، والذي يعتبر فيه مقاومة أمر المحكمة الصالحة سلوكاً غير مقبول، يشكل الضمان الأساسي لانه في حال تم النظر في القضايا من جانب قضاة غير متحيزين، ومتحررين من التأثيرات السياسية، ويتخذون قراراتهم بصورة مستقلة استناداً إلى القانون، فإن الناس الخاضعين للسلطة القضائية لتلك المحكمة سوف يتصرفون طِبقاً للقانون أيضاً.
لقد أكّد جورج واشنطن على أن "تحقيق العدالة يُشكّل أمتن دعامة للحكم الصالح". في حين أكد الكسندر هاملتون في العدد رقم 17 من "الصحيفة الفدرالية"، بأن "تحقيق العدالة بشكل مألوف في القضايا الجنائية والمدنية يساهم أكثر من أي شأن آخر في طبع عقول الناس على المودة، والتقدير، والاحترام تجاه الحكومة.."
إن الخير الذي يستطيع القضاء النزيه أن يجلبه في مجال تحقيق العدالة والاستقرار في دولة ما، لا يمكن أن يتحقق إلاّ إذا كان القضاة يصدرون أحكامهم وفقاً للقانون بالفعل، وإلا إذا كان كل المحيطين بهم مقتنعون فعلا بأنهم يصدرون الأحكام استناداً إلى القانون وليس استناداً إلى أهوائهم الشخصية أو امتثالاً لإرادة شخصيات سياسية قوية. إن استقلال القضاء يوفّر لنا المفهوم التنظيمي الذي نفكر في إطاره ونضع ونطور الضمانات المؤسساتية التي تسمح للقضاة بأداء هذا الدور الاجتماعي الأساسي المهم.
ثانياً: برنامج حماية الشهود (Witness protection program):
هو برنامج يقوم بحماية الشهود و من شارك في كشف جرائم خطيرة وثبت أنه مهدد أو ان حياته معرضه للخطر..
نبذة تاريخية:
كان أول ظهور لهذا البرنامح في أمريكا 1976 مع المافيا فعائلات المافيا تأخذ تعهد على أفرادها بكتم الاسرار وما ان يقرر أحدهم إخلاف وعده تقوم العائلة بقتل أسرة الخائن ويمتدد القتل إلى والداه وأطفاله ولكن عندما قبضت الشرطة على أربعة من أفراد المافيا بسبب بعض الجنايات البسبيطة من بينهم رجل اسمه باربوزا ومن ثم اخرجت الشرطة الثلاثة وأبقت باربوزا عندها طلب باربوزا من رئيسه دفع الكفالة لإخراجه ولكن بدلا من ذلك قرر رئيسه قتل أصدقائه الثلاثة المفرج عنهم وعلم عندها باربوزا أن دوره سيحين ما أن يخرج من السجن فطلب من السلطات حماية أسرته مقابل أسرار عائلة المافيا التي ينتمي إليها والشهادة ضد رئيسه في المحكمه فوافقت السلطات ولدواعي حماية اسرته ظلت الشرطة تنقل أسرته ممن مكان إلى أخر طوال فترة المحاكمة التي استمرت عامين وبعد خروج باربوزا بدأت مشكلة حماية باربوزا وعائلته إذا من الصعب نقلهم من مكان إلى اخر طوال الوقت هذا بالإضافة إلى أفراد الشرطة التي ضلت مع الاسرة طوال الوقت لتوفير الحماية حينها اقترح أحد المحامين في وزارة العدل منح الشهود وعائلاتهم هويات مزيفة وإرسالهم إلى مكان لا يعرفهم فيه أحد مع توفير السكن والعمل في عام 1970 تحول الاقتراح إلى قانون يعمل به حتى الآن فشجع هذا القانون على كشف الكثير من الجرائم تجاوز عددها 12 ألف قضية وقام البرنامج بحماية أكثر من 7000 شاهد مع عائلاتهم
يذكر أنه بخلاف أمريكا هناك العديد من الدول التي تطبق قوانيين وبرامج لحماية الشهود مثل المملكة المتحدة و الفلبين.
2- كولومبيا وحماية القضاة
أثارت فضيحة تهديد القضاة والنشطاء والمدافعين عن حقوق الإنسان في كولومبيا أصداء واسعة، لاسيما بعد الكشف عن ملابسات محاكمة الرئيس الكولومبي السابق "الفارو أوريبى" في يونيو2010 أمام لجنة تحقيق في بوجوتا لتحديد مسؤوليته في فضيحة التنصت المعروفة باسم "بداس جيت"...تلك الفضيحة التي تكشفت تفاصيلها في مطلع العام 2009 عندما سربت المجلة الأسبوعية "سمانا" وثائق رسمية عن عمليات التنصت التي قامت بها وكالة الاستخبارات الكولومبية خلال السنوات الست السابقة للفضيحة تحت إمرة الرئيس السابق "أوريبي".
وقد طالت عمليات التنصت هذه نشطاء حقوقيين ومعارضين سياسيين وقضاة في المحكمة العليا وموظفين في الأمم المتحدة وأفرادا آخرين شككوا في سياسة الحكومة أو عارضوها، وتتالت التسريبات خلال هذه السنة وبدا لاحقا أن وكالة الاستخبارات الكولومبية قد تجاوزت المراقبة غير الشرعية إلى أساليب الدولة البوليسية بما فيها توجيه تهديدات بالقتل والتخريب وتشويه السمعة و الترهيب.
وعلى الرغم من أن الخطاب الرسمي حول حقوق الإنسان في عهد الرئيس سانتوس بعيد كل البعد عن خطاب الرئيس السابق أوريبى الذي يربط بين المدافعين عن حقوق الإنسان والمعارضين السياسيين وبين الإرهابيين, إلا أن الوضع الأمني للمدافعين عن حقوق الإنسان لا يزال صعبا, كما تتواصل عمليات القتل والتنكيل والتهديد والمراقبة غير القانونية بحقهم.
خلال العام 2011 وحده تم اغتيال 20 مدافعا عن حقوق الإنسان فيما ناهز عدد الذين تعرضوا لتهديدات بالقتل 100. وفي حين تلقى مساعي إدارة الرئيس سانتوس للحوار مع جماعات حقوق الإنسان ترحيبا واسعا إلا أن البلاد بحاجة إلى نقلة نوعية تؤدي إلى تطبيق إجراءات حماية الحقوقيين وضمان وصول التحقيقات إلى نتائج قبل أن تتمكن كولومبيا من الحديث عن ضمان حقوق الإنسان من خلال حماية المدافعين عنها.
يذكر أن الوضع الأمني بكولومبيا أدى إلى وضع آليات جديدة لمكافحة تهديد القضاة والمدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين وعائلاتهم، لاسيما في ظل وجود جماعات شبه عسكرية يمينية مثل جماعة تسمي نفسها "الصقور السود" التي هددت مؤخرا "بإبادة" عدداً من المدافعين عن حقوق الإنسان ومن منظمات السكان المحليين كما أعدت قائمة سوداء للصحفيين اعتبرتهم أهدافا عسكرية، وكذلك جماعة "قوات الدفاع الذاتي الكولومبية" وهي أكبر الجماعات شبه العسكرية في البلد.
وتستهدف هذه التهديدات المجتمعات المحلية والمدنية والقضاء ووسائل الإعلام التي تنتقد الدولة والجماعات شبه العسكرية التي تفضح انتهاكات حقوق الإنسان التي تقوم بها الدولة، ويتمثل عادة هدف المجموعات شبه العسكرية في طرد الأهالي بالقوة لتتمكن من استغلال أراضيهم ومواردهم.
أدت الملابسات السابقة إلى الحوار التفاعلي الذي أجراه مجلس حقوق الإنسان الأممي في الدورة الرابعة والعشرون، والذي اتخذ العديد من التوصيات الجاري تنفيذها في كولومبيا حالياً، والتي كان أهمها فيما يتعلق بالقضاء والمدافعين عن حقوق الإنسان، حيث نظرت كولومبيا في التوصيات الواردة أدناه وأعلنت تأييدها لها. وقدمت آراءها بشأن هذه التوصيات:
البند 116-3- أن تمضي كولومبيا في وضع برنامج إنذار مبكر في إطار عمل مكتب أمين المظالم بغية تفادي وقوع مختلف انتهاكات حقوق الإنسان، وهي التوصية التي طرحتها صربيا.
116-4- أن تستمر في جهودها الرامية إلى تعزيز قدرتها المؤسسية وإطارها التشريعي لمكافحة جرائم العنف والحفاظ على القانون والنظام بغية تمتع سكانها بحقوق الإنسان (سنغافورة).
116-19- أن تعزز المؤسسات المختصة من أجل اتخاذ تدابير أكثر فعالية على الصعيد الوطني والإقليمي والمحلي لضمان حماية الأشخاص المشمولين بإجراءات إعادة الأراضي، ولا سيما المطالبين بها ومحاميهم والمسؤولين المعنيين والمدافعين عن حقوق الإنسان (سويسرا).
116-20- أن تحسن إجراءات حماية أصحاب المطالبات، ولا سيما مكان المناطق الريفية منهم، بغية تعزيز عملية إعادة الأراضي (أستراليا
116-21- أن تتخذ كل التدابير الضرورية لتعزيز فعالية برنامج الحماية، بما في ذلك من خلال إجراء دراسات سريعة لتقييم الأخطار وتنفيذ المخططات المتفق عليها ووضع معايير واضحة لتحديد الأخطار واعتماد تدابير للحماية الجماعية وإدماج أفراد الأسرة في المخطط (أيرلندا).
116-73- أن تكفل الحماية الملائمة للمدافعين عن حقوق الإنسان الذين ينشطون في كولومبيا وأن تقرّ بذلك بشرعية نشاطهم، بما في ذلك إجراء تحقيقات ومحاكمات كاملة ونزيهة في كل ادعاءات انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة ضدهم (سلوفاكيا
116-75- أن تُضاعف جهودها للتحقيق مع الأشخاص المسؤولين عن تهديد المدافعين عن حقوق الإنسان والنقابيين وزعماء المجتمعات المحلية والصحفيين أو المسؤولين عن أعمال العنف التي تستهدف هذه الفئات ومحاكمتهم (المملكة المتحدة لبريطانيا العظمى وأيرلندا الشمالية).
116-76- التحقيق على وجه السرعة في الحالات المتعلقة بتهديد المدافعين عن حقوق الإنسان والضعفاء والنقابيين والمستفيدين المحتملين من قانون تعويض الضحايا وابتزازهم والاعتداء عليهم ومقاضاة المسؤولين عن هذه الأفعال (الولايات المتحدة الأمريكية).
كانت تلك بعض التوصيات الخاصة بمجال القضاء في كولومبيا..تلك الدولة التي تتفاقم فيها معدلات الجريمة وتجارة المخدرات وتتحكم فيها عصابات المافيا، حيث يفلت الكثير من المجرمين من العقاب.
أشهر تلك الحوادث هي الحكم الذي صدر في 28 أبريل ضد الجنرال المتقاعد خيساس أرماندو أرياس كبراليس بالسجن مدة 35 عاماً بسبب دوره في الاختفاء القسري لأحد عشر شخصاً في نوفمبر 1985 في أعقاب قيام الجيش بدهم قصر العدل، حيث كان أفراد جماعة حرب العصابات M-19 يحتجزون بعض الرهائن.
وقد أصدرت الحكومة والقيادة العليا للجيش بيانات انتقدت فيها الحكم الذي صدر بحق الجنرال المتقاعد كبراليس، والحكم الذي صدر بحق العقيد المتقاعد لويس ألفونسو بلازاس فيجا بالسجن لمدة 30 عاماً في القضية نفسها. وفي ديسمبر بُرأت ساحة الجنرال المتقاعد إيفان راميريز كوينتيرو، الذي اتُهم بارتكاب إحدى عمليات الاختفاء القسري.
واستمرت ظاهرة الإفلات من العقاب في الأغلبية العظمى من الحالات، وتفاقمت بسبب التهديدات التي تلقاها الشهود والمحامون والمدعون العامون والقضاة، وعمليات القتل التي تعرضوا لها.
كما أُطلق المجرمون النار على القاضي الذي ترأس المحكمة في القضية المرفوعة ضد ضابط في الجيش اتُهم باغتصاب فتاة، وكذلك اغتصاب أخرى وقتلها وقتل شقيقيها، فأُردي قتيلاً في سارافينا بمحافظة أروكا. وتلقت منظمة غير حكومية تقدم المساعدة لعائلات الضحايا تهديدات بالقتل بواسطة الهاتف عقب حادثة القتل مباشرة، وكذلك الأمر مع عائلة الأشقاء الثلاثة.
والمعروف أن القاضي في كولومبيا يخضع لبرنامج حماية خاص من قبل السلطات في القضايا الخطيرة، حيث تشمله الحماية في مختلف مراحل القضايا حتى النطق بالحكم، إلا أن تلك البرامج لازالت حتى الآن غير فعالة في مواجهة عصابات المافيا وتجار المخدرات.
ثانياً: نماذج عربية
تونس
ذكر موقع "حقائق أون لاين" اليوم السبت 2/11/2013 أن وزارة الداخلية التونسية قررت إعلام عدد من القضاة بتوفير حماية لهم بعد أن طالتهم تهديدات غير معروفة المصدر.
وأكدت جهات رسمية هذه التهديدات، وآخرها تصريحات وزير العدل نذير بن عمو الذي أقر بحقيقة هذه التهديدات.
وأكد رئيس مرصد القضاة التونسيين أحمد الرحموني في تصريح لجريدة “المغرب” أن هذه التهديدات تطال خاصة قضاة التحقيق الذين يتولون التحقيق في قضايا الارهاب .
كما أوضح الرحموني أن طلب توفير الحماية للقضاة و المحاكم قديم و تقدّموا به إلى وزارة الداخلية ووزارة الدفاع ووزارة العدل من اجل تفعيله .
كما ذكر نفس المصدر أنه تم توفير حراسة أمنية لصيقة للقيادي بحركة نداء تونس خميس قسيلة تبدأ عملها اليوم الجمعة 1 نوفمبر 2013.
كما قامت وزارة الداخلية بتوفير دوريات أمنية حول منزله و المنطقة التي يقطن فيها.
لبنان وقوانين لحماية القضاة وعائلاتهم
أكد موقع النشرة الإلكترونية اللبناني في 16 مايو 2013 أن لبنان بصدد سن تشريع لحماية القضاة وعائلاتهم، مشيراً إلى أن مدعي عام التمييز القاضي "حاتم ماضي" أكد أنه "يدرك الخطر التي يواجهه القضاة، وأن القضاء بخطر"، موضحاً أنه "لم يتم سحب اي مرافق من اي قاضي في لبنان، وقرار سحب الاليات تم اخذه من قبل وزير الداخلية بحكومة تصريف الاعمال مروان شربل مدير عام قوى الامن الداخلي العميد روجيه سالم، ولن يتم سحب اي مرافق الا بعد صدور الية جديدة لتوزيع المرافقين"، مضيفاً "طلبت من مجلس القضاء الاعلى اعداد تصور بهذا الموضوع".
وأوضح ماضي في حديث تلفزيوني أن "الالية الجديدة ستأخذ بعين الاعتبار سلامة القاضي وعائلته"، مشيراً الى أنه "يسعى لزيادة المرافقين، وسيطرح إعطاء مستشاري محاكم الجنايات ومستشاري محكمة التمييز الجزائية مرافقين"، لافتاً الى أنه "لا يتوقع ان نصل الى الفراغ لانه نهاية لبنان، وطالما كان القضاء بخير فلبنان بخير".
مشروع حماية القضاة والشهود بمصر
تُلزم اتفاقية مكافحة الفساد كل دولة طرف (مادة 25) أن تعتمد ما يلزم من تدابير تشريعية وغير تشريعية ضد استخدام القوة البدنية أو التهديد أو الترهيب أو الوعد بمزية للتحريض على الإدلاء بشهادة زور أو للتدخل في الإدلاء بالشهادة أو في تقديم الأدلة في إجراءات تتعلق بارتكاب جرائم تشملها الاتفاقية.
وتنص المادة 32 من الاتفاقية على اتخاذ كل دولة طرف تدابير مناسبة وفقا لنظامها القانوني الداخلي، وضمن حدود إمكانياتها، لتوفير حماية فعّالة للشهود والخبراء الذين يُدْلون بشهادة تتعلق بأفعال مجرّمة وفقا للاتفاقية، وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص وثيقي الصلة بهم عند الاقتضاء، من أي انتقام أو ترهيب محتمل.
ومن الملاحظ، بعد الإطلاع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقعت عليها مصر في 2003 وصدّقت عليها في 2005، وعلى مشروع قانون حماية الشهود والمبلغين والخبراء المصري الذي يتكون من 10 مواد قصيرة، أن المشروع المصري المقتضب لا يمثل الحد الأدنى المطلوب للوفاء بالتزامات مصر الدولية ولا يعكس إرادة سياسية حقيقية وجادة لمكافحة الفساد عن طريق تشجيع الشهود وحمايتهم.
ويُعتَبر وجود نظام فعّال لحماية الشهود من أهم وسائل تضييق الخناق على الفساد وكافة الجرائم والانتهاكات. حيث أنه يوّفر مناخا آمنا ويبث جوا من الثقة يعد ضروريا للتشجيع على الإبلاغ عن كافة أشكال الجرائم.
وتعد قدرة الدولة على حماية الشهود من أهم مكونات أي خطة لمكافحة الفساد خاصة وتفعيل سيادة القانون عامة. ولكن من الواضح أن القانون المقترح، كما ذكرنا، لا يلبي الطموحات المرجوّة منه في دولة عانت من الفساد والانتهاكات عقودا طويلة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.