في الوقت الذي انشغل فيه السياسيون بالتعديلات الدستورية التى تمثل بناءاً جديداً للجمهورية الثالثة فى مصر، فرضت التساؤلات الخاصة بطبيعة نظام الدولة نفسها على الساحة المصرية .. أيهما أفضل في المرحلة القادمة "النظام الرئاسي أم البرلماني أم المختلط". وفي ظل هذه التساؤلات بقي أمل الشعب المصري معلقاً على أسوار التعديلات الدستورية الجديدة معلناً رغبته في تحديد طبيعة النظام الذي سيحقق وعود الثورة والأنسب لهذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن.. وفقاً للنظام البرلمانى فإنه يتم الفصل بين رئاسة الدولة ورئاسة الحكومة، ويكون رئيس الدولة هو الرئيس الأعلى للدولة، وباسمه تمارس جميع الاختصاصات، إلا إنه ليس بوسعه أن يتصرف بمفرده، بل لا بد أن يتحمل أحد الوزراء المسئولية، في حين تنتقل السلطة الفعلية إلى الوزراء، الذين يخضعون لإشراف رئيس الحكومة، أو رئيس مجلس الوزراء وتكون الوزارة مسئولة أمام البرلمان. كما أنه وفقاً لهذا النظام لا يوجد فصل بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، كما هو الحال في الأنظمة الرئاسية، بل هما مندمجتان إلى حد ما، وهذا يعطي الحكومة قوة ظاهرة، لكن هذه القوة تتكأ في أساسها على الأنظمة الحزبية والأنظمة الانتخابية. وعلى النقيض من النظام البرلمانى,فإن دور الرئيس في النظام الرئاسي "محوري" ويتم فصل السلطة التشريعية عن التنفيذية، ويترتب على ذلك حرمان الثانية من المشاركة في التشريع، وفي المقابل فهي ليست مسئولة أمام الهيئة التشريعية، والمثال الناصع على ذلك هو الولاياتالمتحدةالأمريكية. وهناك نظام ثالث للدولة وهو النظام المختلط او ''شبه الرئاسي'' ، ويوصف هذا النظام بأنه ذو رأسين هما رئيس الجمهورية المنتخب مباشرة من الشعب، ويتمتع بصلاحيات واسعة، ورئيس وزراء ليس له مقاعد بالبرلمان، لكنه مسئول أمامه، وبوسع أي من النواب أن يقدم اقتراحا يقضي بتوجيه اللوم إلى الحكومة مما قد يؤدي إلى إسقاطها. وهذا يختلف عن النظام المصري في عصر مبارك الذي أطلق عليه البعض اسم ''النظام البرلماسي'' تعبيرا عن أنه خليط بين ''الرئاسي'' و''البرلماني'' ففي الحقيقة هذا مصطلح تلفيقي مهذب لحالة من العشوائية وتداخل السلطات وخروج الصلاحيات عن حدود الدستور والقانون.. ومن هذا المنطلق هل يجوز للأغلبية في البرلمان أن تشكل الحكومة وفقاً للنظام البرلماني أم أن البرلمان لا دخل له في تشكيل الحكومة بل إن الذي يشكلها هو رئيس الدولة المنتخب انتخاباً حراً مباشراً من جموع الشعب المصري، وذلك وفقاً للنظام الرئاسي؟! وفي هذا الصدد أوضح بهاء الدين أبو شقة – نائب رئيس حزب الوفد – أنه فى المرحلة القادمة يجب العودة إلى الدساتير السابقة دستور " 56 ،71" وذلك من أجل تجنب الأخطاء الشائعة فيما يتعلق بسلطات رئيس الجمهورية والتى حولت الرؤوساء إلى "فراعنة" وذلك بسبب السلطات الواسعة التى خولها لهم, والدليل هو حكم " مبارك". ويرى أبو شقه أن النظام البرلمانى هو الأفضل والذى كان ينطوى عليه فى مواد دستور 1923 حيث يعتبر من أفضل الدساتير الذى شهدها الشعب المصرى حيث تكون الحكومة مسئولة أمام البرلمان الذى جاء نتيجة للأغلبية الشعبية باعتبارة ممثل الشعب. وأما عن النظام المختلط فقد بيّن " أبو شقة " أنه الأمثل فى تلك المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن , مشيراً أن الدستور القادم لابد أن يقلص من سلطات الرئيس ,وأن يحدد تلك السلطات سواء أخذ بنظام البرلمانى أو النظام الرئاسى أو المختلط وأن تكون هناك نصوص واضحة تنص على ذلك. فيما يري حسام مؤنس- المتحدث باسم التيار الشعبي المصري- أن النظام البرلماني لا يصلح في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الوطن ؛لأنه يحتاج إلى أحزاب قوية وديمقراطية طويلة العمر لم نصل إليها بعد, موضحاً أن الأفضل خلال المرحلة القادمة هو النظام الرئاسي أوالمختلط ,لأنه يجب الفصل بين سلطات الدولة مع التوازن بينهم, وهذا لا يتيحه النظام البرلمانى . وأضاف أن العمل بالنظام البرلمانى في هذه المرحلة يمثل ضربة للحياة الديمقراطية وإعادتها للوراء سنوات طويلة, موضحاً أنه لا يجب تقليص سلطات الرئيس بشكل يصبح فيه مجرد ديكوراً بالمجتمع, فالرئيس أولا وأخيرا له دور في المعادلة السياسية. أكد البدري فرغلى –القيادى بحزب التجمع- أن النظام الوحيد الأفضل لمصر في المرحلة القادمة هو النظام "المختلط" الذي يتمثل في تقسيم السلطات بين البرلمان والرئيس , إذ لا يجب أن يأتى البرلمان القادم ذو صلاحيات وهمية بل يجب أن تكون حقيقية يعبر فيها عن الشعب. وأوضح فرغلى أنه وفقا لهذا النظام ستكون الحكومة هي المعبرة عن البرلمان والمشتركة بين البرلمان والرئيس , فضلاً عن إخضاع تلك الحكومة لسلطة البرلمان بشكل مطلق , وأضاف أنه يجب أن يكون نظام الحكم في مصر "برلمانى رئاسي" , فلا يجب إعطاء السلطة المطلقة للرئيس , بل تكون مشتركة بينه وبين البرلمان , لذا يجب أن تتضمن مواد الدستور القادم التأكيد على نظام رئاسي برلمانى. وأكد عبد الغفار شكر - وكيل مؤسس حزب التحالف الشعبى- على أهمية النظام المختلط فى إدارة الحكومة موضحا أن هذا النظام يسمح بوجود رئيس منتخب ذو قيادة حكيمة وبجواره مجلس وزراء مؤلف من الحزب الحائز على الاغلبية فى مجلس الشعب على أن تكون الحكومة مسئولة أمامه مسئولية مباشرة, وذلك لأن اختياره قد تم بإرادة شعبية. وأوضح" شكر" أن النظام المختلط كان متبعاً فى خلال العهود السابقة, ولكن فشله لا يعنى فشل ذلك النظام , ولكن جوهر الفشل يكمن في سوء الإدارة, لافتا إلى أن دستور 2012 الذى يتم النظرفى تعديله الآن على يد لجنة الخمسن كان قائماً على ذلك النظام ويجب على الدستور الجديد تقليص مهام رئيس الجمهورية واستمرار السير على ذلك النظام من أجل مسار جديد للديمقراطية.