يتعجب الناس من صلاتهم وصيامهم وحفظهم لكتاب الله، وهم يؤذون خلقه. يستغرب كثيرون تقواهم الظاهرة، ودموعهم الساخنة، وانقطاعهم للطاعة وهم يحرضون على الدم. يتساءل العامة: كيف يلتقى العنف مع الإسلام الذى استهدف اتمام مكارم الأخلاق؟ وكيف يتفق الإرهاب مع رسالة محمد التى بثت السماحة فى ربوع الدنيا؟ كيف نطلق وصف «الإرهابيين» على من يقومون الليل وتتقرح جباههم من السجود؟ لهؤلاء أدعوهم أن يقرأوا قصة عبد الرحمن بن ملجم. ذلك الرجل النورانى، حافظ القرآن، فقيه أهل مصر، الذى تحوّل إلى قاتل ومجرم وسفاك دماء. يحكى الإمام الذهبى فى تاريخ الإسلام أن عمرو بن العاص طلب من عمر بن الخطاب أن يرسل إليه من يعلّم المصريين القرآن ويفقههم فى دينهم، فبعث الخليفة أحد حفظة القرآن اسمه عبد الرحمن بن ملجم الواردى. كان الرجل حافظا لكتاب الله، ومتفقها فى أمور الدين، مجيبا عن تساؤلات المسلمين الجدد حول المسائل المختلف بشأنها. وكانت علامة الصلاة ناصعة فى جبهته، صواما قواما، فارسا مغوارا شهد فتح مصر وتدارس القرآن على يد معاذ بن جبل. فى ليلة ويوم انقلب هذا الرجل إلى شيطان أعمى . فى صلاة فجر يوم 19 رمضان سنة 40 ه فوجىء المصلون بمسجد الكوفة سيفا مفاجئا يهبط فوق رأس صهر الرسول، وتلميذه الأنجب، وساعده فى الشدائد على بن أبى طالب الذى دعا الرسول صلى الله عليه وسلم الله أن يوالى من يواليه ويعادى من يعاديه. صرخ القاتل فى تشفى «الحكم لله، لا لك» فرد على مقولته الشهيرة «قول حق أريد به باطل». وخلال احتضاره سأل على قاتله عما دفعه أن يفعل ما فعل، فأجاب «بن ملجم» أنه شحذ سيفه لمدة أربعين يوما، ثم دعا الله أن يقتل به أشقى أهل الأرض، فساقته نفسه لقتل على باعتباره منتزعا للحكم من الله. فقال له على: ستقتل بهذا السيف. ودعا أنصاره أن يقتلوه به قصاصا بعد موته، وكان. الغريب أن أجيالا من الخوارج اعتبرت القاتل شهيدا، وكتب شاعرهم عمران بن حطان يمدحه قائلا: «يا ضربة من تقىٍ ما أراد بها/ إلا ليبلغ من ذى العرش رضوانا/ إنى لأذكره يوما فأحسبه/ أوفى البرية عند الله ميزانا». بعدها، سكب قرآنيون، وملتحون، ومتحدثون باسم الدين دوارق من القبح والكراهية والدم فى طريق البشرية. فى مثل هؤلاء، تصدق الآية الكريمة: «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم فى الحياة الدنيا، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا « فاعتبروا. mailto: