رغم إدراكي إلي أن ما يحدث في مصر الآن، أقرب ما يكون للعملية الجراحية لاستئصال ورم خبيث، ولا بديل عنها لإنقاذ جسد الوطن، إلا أن جل ما يحزنني ما أراه من تمزيق أواصر الرحمة داخل الأسرة الواحدة، وكأن اجتزاز هذا الورم الخبيث الذي انتشر بصورة شيطانية داخل الوطن سيكون ثمنه تمزيق وتقطيع أجزاء أخري غالية علينا ، أجزاء مبنية علي التراحم والحب والمودة بين المصريين، فقد رأيت أشقاء يتبادلون الاتهامات، ويتراشقون بالألفاظ الجارحة، لدرجة أنني رأيت شقيقة تهدد شقيقها بالفضح لأسراره الخاصة علي الفيس بوك لأنه يخالفها الرأي في تأييدها للجماعات الإسلامية، ويطالبها بعدم سب الجيش والشرطة، إلا أنها رغم أنها مقيمة في إحدي الدول العربية وبعيدة تماماً عن الأحداث في مصر، تداوم علي توجيه الشتائم للمصريين المؤيدين لمحاربة الإرهاب بشكل متعصب، ووصل بها الأمر لدرجة يصعب معها الحوار أو النقاش، وكثيرون من أفراد العائلة قرروا عدم الحديث معها، ورأيت أسراً أخري تم القبض علي بعض أفرادها في أحداث العنف خلال الأيام الماضية وأصيب أفراد آخرون هذا برصاص الإرهاب وذاك خلال مقاومته لقوات الأمن، وأفراد الأسرة مشتتون ما بين البحث عمن تم القبض عليهم وبين المصابين في المستشفيات، وحتي المرعوبين القابعين في المنازل، ومن لا علاقة له بهذا أو ذاك يتم تثبيته من البلطجية وسرقة متعلقاته. وهكذا يبدو أن استئصال هذا الورم الخبيث لن يكون النهاية لكننا سنحتاج لجرعات كيماوي، سيكون لها تأثيرها الخطير علي باقي أجزاء الجسم، لكن إذا كان الجراح محترفاً وماهراً سيعطي جرعات الكيماوي بحذر، وسيعطي معها جرعات أخري من العلاجات المقوية للجسد والعاملة علي تقليل أثر الكيماوي، وفي نفس الوقت إعادة الحياة للخلايا الأخري التي كانت مهددة بالضياع والتدمير تأثراً بالخلايا المصابة. فالوطن حالياً يحتاج لجراح ماهر ينقذه من الأورام السرطانية، وفي نفس الوقت الحفاظ علي نسيجه وترابطه، ويعيد الحياة لمن يجد فيهم قبولاً لتقبل الغير، والعودة للكيان الواحد، دون تخوين، ولا تكفير، ولا إقصاء، لكن من يثبت بالأدلة والبراهين عدم استجابته للدعوة للعودة للاندماج في النسيج الوطني، بل وإصراره علي المقاومة الشرسة، وحرصه علي تدمير باقي الخلايا، حينها لا بديل عن اجتثاثه من جذوره حتي لا يقضي علي ما تبقي من أمل في إحياء هذا الجسد الوطني مرة أخري. الآن الأسرة المصرية الواحدة بات الشقاق والانقسام داخلها كالقنبلة الموقوتة، التي ستنفجر في أي لحظة وتنتشر وتسري سمومها في المجتمع المصري كله، لذا أتمني من المؤسسات التربوية والاجتماعية وحتي النفسية أن يكون لها دور حقيقي الآن، بشتي الطرق لإعادة الجسد المصري لترابطه وتماسكه وتلاحمه، قبل فوات الأوان، نحتاج لخارطة طريق اجتماعية، وتعليمية، ونفسية سريعة، من كافة أطياف المجتمع المدني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، فكما نعمل وعملنا لعودة مصر للمصريين يجب أن نعمل وسريعاً علي عودة كل المصريين لمصر. نيفين ياسين