يبدو أن التاريخ لن يعيد نفسه فقط, ولكن ربما مع التقدم التكنولوجى سيصبح صورة فوتو كوبى لأحداث وشخصيات عايشناها من قبل. لذلك لن نحتاج إلى محللين ومفسرين سياسيين لنفهم ما يدور حولنا الآن. والأمر لا يتطلب سوى القراءة فى التاريخ لنفهم حقيقة ما يحدث وخاصة طبيعة العلاقة بين الغرب والإسلام الراديكالى (تلك التسمية الغربية التى أرفضها) التى تفسر حالة البكاء على اللبن الذى سكبه الإخوان وضياع المخطط التقسيمى أو على الأقل تأخيره إلى حين، خاصة بعد قرب انقشاع زيف ما سمى بالربيع العربى فالكثيرون من الذين يستغربون من العلاقة الحميمية بين الإخوان والأمريكان والدعم الأوروبى للجماعة لا يعرفون أن هذا ليس وليد الأمس ولكنها علاقات عميقة منذ أن انحازت الحكومة البريطانية باستمرار إلى جانب الإخوان المسلمين إبان الاحتلال البريطانى. وهذا ما أكده كتاب المؤلف البريطاني مارك كيرتس «الشئون السرية» فهى التى مولت حركة «الإخوان المسلمين» في مصر سرا من أجل إسقاط نظام حكم الرئيس السابق جمال عبد الناصر، على اعتبار أن الحركات الأصولية أفضل من الحركات القومية العربية. حتى بعد وفاة عبد الناصر، واصلت بريطانيا النظر إلى الإخوان على أنهم «سلاح يمكن استخدامه»، وفقا لمسئولين بريطانيين لتدعيم نظام الحكم في مصر. كاشفا الخيوط المعقدة للعلاقة بين الغرب والأصوليين، ومدى تشابك وتبادل الأدوار فيها, ما بين الدولي والإقليمي والمحلي، وبين الأنظمة الرسمية والأجهزة المخابراتية، وبين المخابرات والأحزاب والتيارات السياسية الإسلامية التي توالدت وانتشرت في الشارع العربي وهيمنت على الواقع السياسي والثقافي، خلال الفترة الأخيرة، والغريب أن المتعاونين الإسلاميين المعترف بهم من المخططين هم من المناهضين والمحرضين ضد الدول والمصالح الغربية، ولكنهم دخلوا في زواج مصالح لتحقيق أهداف على المدى القصير. والمتابع للشأن المصري يجد فيه الكثير مما حدث فى الماضى فالتحالف ظهر جليا بين الأمريكان والإخوان ليكون مساندا لفكرة تزاوج المصالح الغربية مع الإسلام الراديكالى فى ظل دعم المليارات القطرية والفرمانات التركية والمؤامرات الأمريكية والصهيونية. والتجربة السياسية في مصر هي الأقرب للمشهد السياسي فى الماضي والذى يؤكد وجود مخطط دولي تقوده الإدارة الأمريكية. مع تنامي الحركات الإسلامية والتصالح مع الإسلام الراديكالي السني المتطرف وإدخاله في عباءة الإسلام السياسي الأمريكي وتسليمه الحكم والرئاسة مقابل تعهد هذه الجماعات بعدم التعرض للمصالح الأمريكية والإسرائيلية واستخدام الإسلام السياسي الأمريكي المتمثل في حكم الإخوان وتقديمه نموذجاً للديمقراطية الجديدة.. لذلك فلا عجب أن الإخوان الذين وقفوا بمواجهة المشروع القومي العربي للرئيس عبد الناصر لخدمة المشروع الغربي الذي بدأ يرى بالتوجهات الاستقلالية والتحررية لعبدالناصر ما يهدد نفوذه ومصالحه ليس في مصر فقط بل في عموم الوطن العربي، وحقيقة كون العمالة وخدمة أهداف الغرب والصهيونية، منهجا متأصلا في طبيعة حركة اخوان ومتأسلمي مصر، فالغرب يمارس نفس المخطط التآمرى القديم مع بعض التغيرات الطفيفة التي فرضها ما حدث عبر الزمن من أحداث ووقائع جديدة.. ورغم أن المؤرخ والكاتب الأمريكي فيكتور ديفيس المؤرخ بجامعة ستاند فورد الأمريكية، يرى أن الإسلام الراديكالي ينمو محليا، وليس مشوبا باتهامات «التلوث الأجنبي». ولكن الحقائق تؤكد أن الدعم الأجنبى أساسى للاسلام الراديكالى. وهو عكس ما يقول الإسلاميون الذين يزعمون قيامهم بخوض الجهاد ضد حداثة وعولمة الخارج خاصة العالم الغربي,خاصة أن صعود الإسلام الراديكالي جاء تتويجا طبيعيا للأنظمة السياسية الفاشلة علي مدي قرن في البلدان الإسلامية. مع العلم أن الإسلام الراديكالي قد يكون شموليا ومفلسا أخلاقيا بقدر ما كانت المذاهب السياسية والأيديولوجية في الماضى. وفى الحقيقة أن أمريكا والغرب والصهيونية يخططون لإعادة تقسيم الوطن العربي ورسم خريطته الجديدة بالاستفادة من الحركات المتأسلمة السياسية لإعادة تقسيم الوطن العربي على أسس دينية ومذهبية صغيرة ومتناحرة فيما بينها. وطبعا هناك دائما المستعد للدفع بمصر للهاوية، بالقوة أو التآمر من خلال الإخوان المسلمين أو السلفيين أو من خلال الأسماء المشبوهة من الليبراليين، ولقد ساعدت الأعمال التى قامت بها الإدارة الأمريكية على تسهيل نمو البذور السامة للإسلام الراديكالى، لذلك دعمت محمد مرسى، وساعدته على إعلان السلطة المطلقة على البلاد. وعامة أن نشوء الإسلام الراديكالي، وخلاياه المسلحة، وما نعرفه عنها من خلال تاريخ الحركات الأصولية المتشددة، وتقصّى مسيرتها. يوثّق مسيرة هذا العنف الدموي الذي اجتاح، ولا يزال، شوارع معظم الدول العربية والإسلامية والغربية، ويحاول أن يوضح أسبابه وما يجلبه من آثار كارثية على المجتمعات التي أصابتها عدواه فأسباب «العنف ذى الوجه الدينى» مازالت قائمة فى بنية المجتمعات العربية مدعومة بالغرب حتى وإن ظهرت الصورة غير ذلك من وقت لآخر. ولقد اعتبرت صحيفة «واشنطن بوست» أن الإسلام «الراديكالي» بدأ في التحرك في مسيرته، بمساعدة وتحريض من جانب إدارة «أوباما». الذى فقد صوابه عندما اكتشف أن التحول الديمقراطي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لم يسر وينجح كما كان يأمل الرئيس «أوباما»، خاصة أنه كان وراء حجب الإصلاحيين الليبراليين بواسطة «الإسلاميين المتشددين»، وساعد الرئيس الأمريكي في تمهيد الطريق لانتصار «ديمقراطية الشريعة الإسلامية»، والتحرك لإقامة خلافة إسلامية عالمية تصب فى النهاية فى صالح أمريكا.