من الضرورى فى هذه المرحلة، قراءة ملف الإسلام السياسى من زواياه المختلفة التى درس تفاصيلها ووقائعها باحثون عرب وأجانب لكشف الغطاء عن خفاياها وتحليل ما احتوت عليه الظاهرة من الأفكار والمفاهيم والقيم السائدة، وهذا ما يعرض له كتاب «لعبة الشيطان» الذى يستكمل عنوانه بتصدير فرعى «كيف ساعدت الولاياتالمتحدة على إطلاق العنان للأصولية الإسلامية ويستهل الكتاب الموضوع بكشف اللثام عن استخدم الاستعمار البريطانى من نهايات القرن ال19 فكرة الأحياء الإسلامى لخدمة أهداف الإمبراطورية بمساندة ركوب ابن سعود موجة الأصولية الوهابية العنيفة كى يكون لهم موطئ قدم فى قلب العالم الإسلامى ويؤمِّنوا إمدادات البترول الذى بدأت تظهر أهميته ولم تكن قد ظهرت أى بوادر للإسلام السياسى بعد. فى عام 1928 أسس حسن البنا جماعة الإخوان المسلمين بمنحة سخية من الإدارة الأجنبية لشركة قناة السويس لإحياء الخلافة الإسلامية المنهارة باستلهام أفكار محمد رشيد رضا عن الرابطة الإسلامية ومركزها مكة، وتمتد إلى كل البلاد الإسلامية، وكان رشيد رضا يعتبر الوطنيين فى كل من مصر وتركيا ملحدين وكفرة، وكان الدعم البريطانى للجماعة فى الإسماعيلية تحديدًا ذا مغزًى لأنها المدينة التى توجد بها مكاتب الشركة وقاعدة عسكرية رئيسية وحاكمة لطريق المرور إلى ممتلكات بريطانيا فى الهند، علما بأن مشاعر المدينة موالية للبريطانيين فى مصر، ومنذ ذلك الوقت نشأ من توجهات الإخوان الرافد الأساسى الذى انبثقت منه فكرة خلط الدين بالسياسة، وهو ما صار يُعرَف مع تجذر الفكرة بالإسلام السياسى بعد أن خرجت من عباءة الإخوان المسلمين تيارات أخرى أكثر راديكالية ومن قبل وبعد حرص الإخوان على التسلق إلى السلطة والانخراط فى دهاليزها وصولاً إلى الاستيلاء عليها كخطوة فى طريق تطبيق الخلافة الإسلامية، وقد ساعد على استمرار هذا التوجه الأممى بناء التنظيم الدولى للإخوان المسلمين الذى لعب الدور الرئيسى فى بنائه سعيد رمضان زوج ابنه حسن البنا الذى رشحه عام 1953 جيفرسون كافرى فى برقية (مصنفة) لحضور لقاء جامعة برنستون السرى الذى أعقبته زيارة لواشنطن انتهت بالبيت الأبيض والتقاط صورة مع الرئيس الأمريكى دوايث إيزنهاور فى المكتب البيضاوى، ومن المعروف أن سعيد كان قد أسس من قبلُ قواعد للإخوان فى فلسطين والأردن وأقام علاقات قوية مع المتطرفين الباكستانيين. كانت علاقات سعيد رمضان العميقة بالمملكة العربية السعودية وارتباطاته الخفية بالولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوربية المعادية لناصر كاشفة لطبيعة المركز الذى أسسه فى سويسرا التى تشير تقاريرها إلى أنه يُعتقد أنه عميل لأمريكا ويتلقى مساعدات من ألمانيا وأخرى من من السعودية وقطر، ولعب المركز الإسلامى فى جنيف دورا مركزيا فى إدارة وتنظيم حركة الإخوان المسلمين وتعزيز النشطاء بمساعدة يوسف ندا. ثم أنشاء رمضان بنك الجماعة الأول «بنك التقوى» ولعب دورا رئيسيا لدعم السعودية لتأسيس رابطة العالم الإسلامى، وفى تَوازٍ لدور سعيد رمضان كان سيد قطب يطوِّر نظرية راديكالية تكفر كل من لا يقبل بها من خلال منهجه الجديد. تفرعت عن الإخوان جماعات أخرى تتجاوز حدود العنف التى توقفت عندها جماعة الإخوان، ولأن الإخوان كانوا منتبهين جيدا للبعد الاقتصادى أمدهم تأسيس بنك فيصل الإسلامى (مصر) بمزيد من الحيوية بالتوازى مع جهود السادات من أجل استخدامهم وكان، من مؤسسى هذا البنك الشيخ القرضاوى وعبد اللطيف الشريف ويوسف ندا، وكل منهم سيلعب دورا فى ما بعد فى نمو اليمين الإسلامى، ليس فى مصر ولكن فى المنطقة بكاملها، ومن أبرز مؤسسى البنك الشيخ عمر عبد الرحمن المرشد الروحى لتنظيم الجهاد الذى اغتال الرئيس الأسبق أنور السادات. كان بنك فيصل الإسلامى متداخلا مع بنك مع بنك الاعتماد والتجارة الدولى الذى استخدمته المخابرات الأمريكية فى تمويل حرب أفغانستان، وعند انهيار البنك وجد المحققون 245 مليون دولار غير مسجلة تخص بنك فيصل الإسلامى المصرى! إن ما يسمى بالاقتصاد الإسلامى والبنوك الإسلامية هو تَماهٍ كامل مع اليمين الرأسمالى على مختلف مستوياته المحلية والإقليمية والدولية، ويكشف هذا نمو مصادر التمويل البنكية الإسلامية ودور المؤسسات والاحتكارات الغربية فى هذا التطور وتشابك المصالح المشتركة بينهم. محصلة التداخل التاريخى بين أنصار الإسلام السياسى والغرب عموما وأمريكا تحديدا تتجلى الآن فى أماكن كثيرة من العالم ومع تيارات متعددة هنا وهناك، وفى ما يخص تغلغل عناصر المخابرات الأمريكية مع الإخوان المسلمين فى مصر كانت النتيجة هذه الفقرة من كتاب صدر عام 2007 لرجل المخابرات الأمريكى المسؤول عن ملف الإسلام السياسى رييل مارك جريشت: «إن معظم الأمريكيين الليبراليين والمحافظين سوف يقاومون بشدة فكرة أن رجال الدين المسلمين والأصوليين الذين عادة ما يكرهون، إن لم يكونوا يعافون، الولاياتالمتحدة وإسرائيل والقضايا التقدمية مثل حقوق المرأة، هم مفتاح تحرير مسلمى الشرق الأوسط من عداوتهم للغرب المنعكسة من الأزمنة القديمة. هؤلاء الرجال، لا الليبراليون العلمانيون هم محطّ الإعجاب والثناء وأحيانا الحماية من قِبل الحكومة والصحافة الأمريكية، هم أثمن الحلفاء المحتمَلين للولايات المتحدةالأمريكية».