كشفت ثورة المصريين في 30 يونية الدور الخفي للتنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين الذي خلع رداء الدعوة وارتدى قناع السياسة، حيث يسابق الزمن في محاولة لإعادة الرئيس المصري المعزول محمد مرسي إلى الحكم عبر بوابة إقناع الغرب بإمكانية حدوث حرب أهلية في مصر إن بقي الوضع على حاله ولم تتم إعادة مرسي لكرسي الرئاسة. وبدأت تظهر على السطح خطط التنظيم الدولي للإخوان المسلمين لإعادة ما يسمونه شرعية محمد مرسي لرئاسة مصر، فبعد بيان الأربعاء الماضي عقب اجتماع في اسطنبول وقّعه عدد من الشيوخ والدعاة، عقد مكتب الإرشاد الدولي اجتماعًا في اسطنبول السبت الماضي للغاية ذاتها و تطرق إلى بحث آليات تسويق فكرة «الانقلاب» للغرب، خاصة الولاياتالمتحدة عن طريق تفويض عدد من الشخصيات لها علاقات وثيقة بقيادات الغرب، مثل يوسف ندا، رجل الأعمال الإخواني، صاحب الفضل في فتح قنوات الاتصال بين قيادات الجماعة والإدارة الأمريكية في بداية حكم الرئيس المعزول محمد مرسي وهذا الاجتماع هو الثاني في أعقاب الإطاحة بمرسي، لبحث تداعيات الموقف. والتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين وقعت وثيقة ميلاده في 29 يوليو سنة 1982م بتوقيع المرشد الخامس مصطفي مشهور لكن البداية الحقيقية كانت قبل ذلك بأكثر من نصف قرن علي يد مؤسس الجماعة الشيخ حسن البنا (1906- 1949) الذى أسس في مارس من عام 1928 جماعة الإخوان المسلمين ولكن سجلها تحت اسم جمعية الإخوان المسلمين الخيرية في محافظة الإسماعيلية. فقد كان الشيخ حسن البنا يري في جمعيته نواة لإعادة الخلافة الإسلامية وكانت فكرة تأسيس كيان بديل عنها حاضرة في ذهنه وكان علي قناعة أن أفضل الطرق لإصلاح الأمة الإسلامية هو بناء الفرد المسلم فالبيت المسلم فالمجتمع المسلم فالدولة المسلمة فالخلافة الإسلامية وصولا لأستاذية العالم بالترتيب الذي يذكره عندما تحدث عن دعوة الإخوان كما يراها، ولم يكن يمانع حسن البنا من أن يبدأ دعوته في أي بلد وليس مصر تحديدا ويورد في مذكراته (مذكرات الدعوة والداعية) قصة بحثه عن أرض أو بيئة أصلح من مصر لبدء الدعوة وكان يرشح لها اليمن، وسافر خصيصا لأداء فريضة الحج من أجل استكشاف أي البلاد تصلح للهجرة غير أنه رجع بقناعة أن مصر هي الأصلح. وبمجرد أن بدأت جماعته تستوي علي عودها وتستقر قواعدها أسس الشيخ حسن البنا قسما خاصا أسماه (قسم الاتصال بالعالم الإسلامي) كان عمله الأول والوحيد إنشاء فروع للجماعة خارج مصر والتواصل مع الشخصيات والتيارات القريبة من أفكار جماعته ومن هذا القسم بدأت كل علاقات الإخوان واتصالاتهم في كل أنحاء العالم. وعبر هذا القسم اتصلت الجماعة بالطلاب العرب والمسلمين الذين كانوا يدرسون بمصر خاصة في الأزهر الشريف وانضم من خلاله عدد من الطلاب صاروا بعد تخرجهم ورجوعهم لبلدانهم قيادات إسلامية بارزة وضعت نواة تنظيمات الإخوان في بلدانها. وقد عمل في هذا القسم عدد من شباب الإخوان وعلي رأسهم الشاب مصطفي مؤمن أشهر وأبرز قيادات الحركة الطلابية في مصر وقتها وفي سنوات قليلة استطاع القسم ربط جماعة الإخوان بالعالم وتأسيس عدد كبير من تنظيمات الإخوان في العالم الإسلامي من أندونيسيا إلي المغرب ومن الصومال إلي سوريا. ومن خلال هذا القسم أسس الإخوان فروعا لهم في سوريا ثم الأردن ثم السودان علي الترتيب واضطلع بالمهمة عدد من أبناء هذه البلدان الذين درسوا في مصر وارتبطوا بالجماعة وأشهرهم مصطفي السباعي الذي صار بعد ذلك المراقب العام للجماعة وأحد كبار منظريها، كما افتتحت تنظيمات أخري في أندونيسيا والصومال واليمن وأفغانستان. كان هذا كله قبل اغتيال مرشد الجماعة ومؤسسها الشيخ البنا (في 12 فبراير 1949) وقبل قيام الثورة في يوليو سنة 1952 التي تسببت حملتها الاستئصالية ضد الجماعة بعد الصدام الناصري في انتشارها عالميا وزيادة تنظيماتها خارج مصر من حيث لا تدري بالطبع. فقد هاجر عدد من قياداتها هربا من ملاحقة النظام الناصري واستقر عدد منهم في لبنان والكويت والسعودية وبقية دول الخليج وأسسوا عددا من الجمعيات والشركات والمؤسسات الاجتماعية والثقافية والدعوية كانت القاعدة التي تأسس عليها التنظيم الدولي الذي لم يكن قرارا فوقيا اتخذته القيادة الإخوانية بقدر ما كان تجميعا لتنظيمات ومؤسسات موجودة علي أرض الواقع. وإذا كان هناك شخص يمكن أن ينسب إليه دور اللاعب الرئيسي في تأسيس هذا التنظيم فهو الشيخ مصطفي مشهور أحد أكثر قيادات الجماعة تأثيرا في بنائها بعد مؤسسها الشيخ حسن البنا فعقب خروجه من السجن مع بقية قيادات الجماعة في عام 1973 بدء مصطفي مشهور العمل علي الفور ومعه عدد من القيادات التي جمع بينها الانتماء والعمل معا في النظام الخاص مثل كمال السنانيري وأحمد الملط ونفيس حمدي وأحمد حسنين, فاتجهوا إلي العمل لجمع خيوط كل التنظيمات الإخوانية المنتشرة في الأقطار المختلفة خاصة العربية منها والتي كانت في تصاعد وتنام سريع بفعل انتشار المد الإسلامي في المنطقة كلها، وكانت مواسم الحج أفضل طريقة للقاء قيادات هذه التنظيمات التي أغراها الزخم الإسلامي المتصاعد وأجواء الانفتاح الغربي علي الإسلام والتسهيلات التي كانت تلقاها القيادات الإسلامية المطاردة في أوربا والرغبة في حشد موارد الجماعة وتعبئتها؛ كل ذلك أغراها بالإسراع لوضع اللمسات النهائية لإعلان أول تنظيم دولي رسمي في تاريخ الجماعة يتجاوز الحدود الجغرافية للدول ولا يتوقف عند حركة الشعوب إذا تعارضت مع هدفه الأكبر بإنشاء خلافة إسلامية.