شباب الثورة لا يعلمون ماذا قدمت روسيا لمصر خلال فترة الستينيات والسبعينيات؟ لكن الجيل الذى عاش عصر الزعيم العملاق جمال عبدالناصر سواء كانوا شباباً أو كباراً يعلمون ويقدرون حجم وقيمة ما قدمه لنا الحليف والصديق الروسى فى تلك الفترة المهمة والعصيبة من تاريخ بلدنا. جيل الثورة لا يعلم أن روسيا كانت الحليف الاستراتيجى لمصر فى مواجهة القوى الاستعمارية التى أرادت فرض حصار سياسى واقتصادى على الزعيم وثورته ومن معوناتها غير المشروطة تم بناء السد العالى أعظم السدود المائية العملاقة فى بلدنا. لولا بناء السد ما استطاعت مصر المضى فى تنفيذ مشروعاتها الزراعية، وفى توفير وضمان حصتها من مياه النيل، ولهذا فإن جيل عهد الزعيم عبدالناصر لم ينس ولم يغفر أن أمريكا رفضت تقديم أية مساعدات فى بنائه بل إنها حرضت وضغطت على البنك الدولى لرفض تمويله، وحاصرت «عبدالناصر» سياسياً واقتصادياً. الحليف الروسى كان صاحب الفضل فى بناء قلاع الصناعة المصرية كالحديد والصلب ومجمع الألومنيوم، وكيما للأسمدة وشركات الأسمنت وغيرها وغيرها، وكلها كانت بمعونات وتيسيرات ومنح.. بل إن أغلبها كان مقابل استيراد منتجاتنا المحلية كالجلود والأقمشة والأثاث والخضر والفاكهة وهو ما ساعد على تشجيع صادراتنا.. وعلى إنعاش التجارة فى السوق المحلية. الصديق الروسى ساند ودعم مصر بعد نكسة حرب 1967، وبمعوناته وخبرائه وإمداداته العسكرية تم إعادة تسليح القوات المسلحة بأحدث تكنولوجيا الحرب.. حتى استطاعت أن تخوض حرب الاستنزاف الشرسة ضد إسرائيل ثم العبور إلى النصر العظيم فى ملحمة أكتوبر 1973. بعدها وبغياب فى الرؤية، وتجاهل لتجارب التاريخ، ونكران للجميل.. أدار السادات ظهره للصديق الروسى، ورفع شعاره المعروف أن 90٪ من أوراق الحل السياسى للصراع العربى الإسرائيلى فى يد أمريكا.. ثم ارتدى عباءة الأمريكان.. وعقد اتفاقية كامب ديفيد.. واكتفى بملاليم المعونة الأمريكية التى ذهب بعضها لأبواب خلفية تصب فى جيوب الفاسدين، والبعض الآخر تم تخصيصه فى تقديم معدات عسكرية تضمن أن يكون تسليح الجيش المصرى أقل من قدرات إسرائيل العسكرية! أكثر من هذا أن أمريكا حصلت بملاليم المعونة على تسهيلات بحرية تسمح لأسطولها بالمرور فى قناة السويس دون إذن مسبق.. عدا تسهيلات فى البر والجو والبحر لا تقدر بثمن.. إضافة إلى الإملاءات السياسية والاقتصادية وما ترتب عليها من استعباد الإرادة المصرية والسيطرة على قراراتها.. وتقزيم دور مصر الإقليمى والدولى! مصر خسرت كثيراً بسياسة العلاقات الباردة مع روسيا.. ويكفى دليلاً على ذلك ما رأيته بنفسى أثناء زيارة رئيس الوزراء أحمد نظيف وفريق من وزرائه إلى هناك فى عام 2010، حيث قدموا عروضاً للدخول بالتمويل والمشاركة فى مشروعات البترول والتعدين، وفى إعادة إصلاح وتحديث المصانع التى بنوها.. إضافة إلى فتح أسواقهم مرة أخرى أمام الصناعات والمنتجات المحلية. روسيا اليوم تملك أعلى ثالث احتياطى نقدى فى العالم.. وتتصدر قائمة الدول الأكبر فى إنتاج البترول والغاز ورصيد الذهب.. وأكثر من 40 مليارديراً يستثمرون فى دول العالم.. وهى الآن تصدر لنا مليون سائح سنوياً.. وتعتزم أن يزيد حجمهم إلى أكثر من خمسة ملايين سائح. السفير المصرى فى روسيا قال لنا أثناء الزيارة: إنه بح صوته أملاً فى الاستفادة من العروض الاقتصادية التى قدمها الجانب الروسى.. خاصة أنها فى أغلبها قروض ميسرة وتسهيلات ومنح واستثمارات وشراكة! لكن للأسف ضاعت مصالح مصر الاقتصادية مع روسيا.. لأن رئيس الوزراء نظيف وفريقه جاءوا من رحم الفساد فى عهد مبارك ويحملون أجندة أمريكية أتت بهم إلى المناصب! مصر تحتاج اليوم إلى البحث عن مصالحها قبل مراعاة خواطر وإملاءات الآخرين.. فالسياسة لابد أن تخدم الاقتصاد خاصة بعدما تعدى حجم الديون التريليون بفعل الفساد المنظم وملايينه المكدسة فى بنوك وشركات الاستثمار فى أمريكا وأوروبا وترفض حكوماتها أى محاولات لاسترجاع أموالنا المنهوبة! هل آن الأوان للخروج من الشراكة الأمريكية وتحرير الإرادة السياسية والاقتصادية لمصر وعودة العلاقات والتحالف مع الصديق الروسى؟!