لم يتأخر كثيراً البيان الأول للقوات المسلحة.. ولم ينتظر الجيش إلا يوماً وبعض يوم ليؤكد للشعب انه ينحاز إلي الأمة، التي خرج منها هذا الجيش، منذ اعتمد محمد علي باشا علي هذا الشعب ليبني جيشاً شعبياً رائعاً، أزعج كل دول العالم.. أيامها. وأوضح أن النظام الحاكم لم يأخذ بيان القوات المسلحة- وإعطاءه مهلة أسبوعاً لهذا النظام- لم يأخذ الإخوان هذا البيان مأخذ الجد.. بل أخطأ رئيس الجمهورية عندما أراد أن يقول للناس «أن الجيش في جيبه». ومنذ ساعات جاء البيان رقم واحد للقوات المسلحة جاء بعد أن رأي الخطر الداهم الذي يهدد الوطن كله.. وبعد أن قسم النظام الإخواني شعب مصر إلي فسطاطين.. إلي معسكرين: رابعة العدوية.. وميدان التحرير.. وهذا لم تعرفه مصر من قبل.. وجاء هذا البيان ليؤكد انحياز الجيش إلي الأمة كلها حتي ولو فسر البعض أن بعض عباراته جاءت تتحدث عن الشرعية.. ولكن المؤكد أن الشرعية الثورية هي الأهم.. من الشرعية الصورية التي يحاول الإخوان التمسك بها..شرعية الشعب.. قبل شرعية صندوق ثبت خطأه منذ انحرف عنه الإخوان. ولقد شممت رائحة ثورة يوليو 1952.. في بيان القوات المسلحة أول أمس، فقد جاءت الكلمات من نفس روح الكلمات التي استمع لها الشعب صباح يوم 23 يوليو 1952.. وأيدها الشعب- كله- من اللحظة الأولي وهتف لها وانحاز.. إذ كادت مصر قبلها تنهار بالكامل. وشهدت مصر 4 حكومات مختلفة منذ أقال الملك فاروق حكومة النحاس باشا فجر يوم 27 يناير 1952، 4 حكومات- يا بلوتي- خلال 6 أشهر فقط!. إذ شهدت مصر حكومة علي ماهر من 27 يناير إلي أول مارس 1952 ثم حكومة نجيب الهلالي الأولي من أول مارس إلي 2 يوليو 1952 ثم وزارة حسين سري الخامسة من 2 إلي 22 يوليو 1952. ثم وزارة نجيب الهلالي الثانية وعمرت فقط يومين! من 22 إلي 24 يولية 1952. وهذا الانهيار في السلطة كما حدث قبيل ثورة 23 يوليو 1952 شبيه بما حدث في السلطة المصرية منذ اندلعت ثورة 25 يناير.. إذ تعددت الحكومات ووصلت- ويا للصدف- إلي 4 حكومات! وهنا كان لابد أن تتحرك القوات المسلحة وجاء تحركها مساء يوم الاثنين. إذ لا وجود فعلاً لأي سلطة رئاسية أو لحكومة يفترض أن يكون لها رئيس وزراء.. ومحافظون. وطبقاً للبيان رقم واحد للقوات المسلحة تنتهي مساء اليوم المهلة التي حددتها قيادة هذه القوات وأنذرت فيها كل القوي السياسية في البلاد: حكومة ومعارضة.. ولا أحد يمكنه أن يتكهن بما يمكن أن يحدث من ساعة كتابتي لهذا المقال صباح الثلاثاء.. ونهاية المهلة التي حددها بيان الجيش.. ولكن الواضح أن الجيش انحاز للشعب. ولكن الخوف كله أن يتحرك الإخوان ومن يؤيدهم ويجرفوا البلاد إلي أحداث دامية.. ليتمسكوا بمقاعد الحكم.. ونعلم أن الكل يحشد الآن أسلحته.. ويسن سكاكينه. وأعلم أن الشعب سيكون هو الضحية. وأكرر أن الإخوان لن يستسلموا بسهولة.. ولن يقبلوا الاستجابة لمطالب الشعب الذي تؤيده القوات المسلحة.. ولهذا ستكون المواجهة دامية.. تبدأ بافتعال حوادث تبدو فردية ثم تنقلب إلي مذابح دامية. وهم مستعدون. والشعب علي يقين أن «الإخوان» استعدوا لهذه الأحداث فما أكثر ما تحت أيديهم من أسلحة، وقد تدربوا عليها جيداً، ومنها بكل تأكيد مدافع مضادة للطائرات ومدفعية ميدان وأسلحة صاروخية وأتاح لهم ما حدث في ليبيا فرصة ذهبية لتخزين السلاح.. ولكن أخطر ما في الموضوع أن يلجأ الإخوان إلي حلفائهم في غزة- حماس- وهم فرع منهم.. والأنفاق موجودة، وهذا هو سبب اعتراض الإخوان علي تدمير جيشنا لهذه الأنفاق لتظل درعهم الأخيرة.. وكل الشواهد تؤكد ذلك.. وترتكب حماس خطأها التاريخي إذا ساعدت الإخوان.. ضد الشعب المصري وجموعه الكاسحة. نعم نخشي أن يلجأ «الإخوان» إلي مبدأ شمشون الجبار اليهودي عندما أحس بالخطر يهدده.. فكان أن لجأ إلي هدم المعبد.. علي أعدائه.. وعلي نفسه أيضاً.. ولا أستبعد أن يلجأ الإخوان إلي العنف الشديد. لأنهم يعرفون أنهم ما خططوا لشيء من عام 1928 إلا لكي يحكموا مصر.. فإذا كانت هذه الفرصة قد جاءتهم عندما سرقوا ثورة 25 يناير.. فإنها لن تتكرر لهم.. مرة أخري.. فقد جربناهم.. حتي الذين أعطوهم أصواتهم- في البرلمان وفي انتخابات الرئاسة كفروا بهم بعد أن انخدعوا بأقوالهم وأكاذيبهم.. وبالتالي سوف يتمسكون بالكراسي ولن يخرجوا منها إلا عبر بحور من الدماء. هنا يأتي دور القوات المسلحة. أن تراقب الأمور.. وتستعد لكل طارئ حتي تحمي الشعب.. ويتحقق النصر بأقل خسائر ممكنة. أقول ذلك وقد هزتني من أعماقي صورة ثلاث بنات صغار بين الرابعة من العمر والسابعة وهن يحملن علم مصر ويطفن بشوارع العجوزة يهتفن: يسقط حكم المرشد.. ارحل ارحل يامرسي. حتي أطفال مصر يرفضون الإخوان. فهل يلبي الجيش مطالب الأمة. أحلم بذلك.. وبسرعة.