كأنني كنت منذ سنتين أقرأ الطالع، فقد كتبت هنا وحذرت من الفتنة الدموية التى تجرنا إليها جماعة الإخوان والجماعة السلفية مع المصريين المسلمين الشيعة، عندما فازوا بالأغلبية فى البرلمان المنحل، أصدر المصريون الشيعة بيانا رحبوا فيه بالفوز، وأكد شيعة مصر دعمهم لكافة النواب والأحزاب وفي مقدمتها الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية السنية وأحزابهم العريضة والعديدة، وقالوا إن تلك الأحزاب: «تمثل الطيف المختلف ألوانه وأفكاره والذي يجمعه حب الوطن والأرض واللغة». وكان من المتوقع أمام هذا الكرم المصري الشيعي، أن تصدر الأحزاب ذات المرجعية الدينية بيانا تشكر فيه شيعة مصر، وتحث فيه على الوحدة والأخوة في الوطن، لكن للأسف لم يصدر بيان بمثل هذا المضمون، بل صدر العكس من ذلك، اجتمع بعض مشايخ السلفية، وأصدروا بيانا حذروا فيه المصريين من إخوانهم المصريين الشيعة، ووصفوا فيه الفكر الشيعي بالفاسد، وطالبوا من المسلمين جميعًا(وليس المصريين فقط) أن يقفوا يدًا واحدةً ضد الفكر الشيعي الذي بدأ يتسلل إلى البلاد، وحذر المسلمين من الوقوع في عقيدتهم الفاسدة التي منها النيل من الصحابة رضوان الله عليهم وأمهات المؤمنين». والمؤلم أن هذا البيان لم يكن وليد ساعته، بل الذى يعود لأدبيات الجماعة والتيار السلفى يكتشف انهم قد كرسوا جزءاً من حياتهم فى زرع الكراهية للمسلمين الشيعة بما اسموه بالفتاوى الشرعية، حيث كفروا وحذروا من الشيعة مثلما كفروا وحذروا من المسيحيين، على سبيل المثال: الدكتور سعيد عبدالعظيم أحد مفكرى ومشايخ وقيادات السلفية، قد تلقى سؤالا من أحد شباب الجماعة السلفية، سأل فيه سؤالا فى غاية الغرابة: هل يجوز قتل رجل شيعي إذا رأيناه يمشى وسطنا في الطرقات؟. رد عليه الدكتور سعيد قائلا: «لا يجوز قتل الشيعي إذا رأيناه وسطنا في الطرقات، والتعزيز بقتل المفسدين في الأرض إنما هو للإمام ونائبه، ولابد من إقامة الحجة الرسالية ودرء الشبهات وقطع المعاذير». والأخ سعيد فى رده هذا لم ينكر عن الشيعة كفره، ولم يرد السلفى عن كراهيته وحقده للمسلم الشيعى، كما انه لم يحرم دماءه، بل طلب من الشاب أن يترك قتله لولى الأمر، فرد الدكتور السلفى يؤكد ان المسلم الشيعى يستحق القتل، لماذا؟، لأنه حسب رده: من المفسدين فى الأرض، وسعيد نصح الشاب السلفى أن يترك قتل جاره الشيعى لولي الأمر، ويفهم ضمنا أن السلفى إذا صادف جاره فى السكن او الحى أو القرية أو المدينة او الوطن عليه أن يقبض عليه ويسلمه لولى الأمر لكى يقتله، لماذا؟، لأنه مفسد فى الأرض، وماذا لو تركه ولى الأمر؟، ماذا لو لم يقتل ولى الأمر المسلم الشيعى عند تسليمه إليه؟، أظن الإجابة ببساطة ستكون بقتله. لو تركنا الأخ سعيد إلى الأخ ياسر برهامى، نجده قد حرم المشاركة فى بناء مسجد للشيعة، وأكد للسائل: «فبناء مسجد على البدعة والضلال الذي عليه الشيعة الرافضة منكر من المنكرات»، كما حرم زواج السنية بالشيعي: «فالشيعي الاثنى عشري مبتدع من شر أهل البدع، وعندهم عقائد كفرية كثيرة .. فليس كفئًا للمسلمة السنية؛ لأن الكفاءة في الدين معتبرة اتفاقًا؛ فلا يجوز لها أن تقبله زوجاً»، كما حرم انتخاب الشيعي لمجلس الشعب: «فانتخاب مثل هذا الرجل محرم، ومنكر عظيم، ومن يقول بتحريف القرآن كافر، وسب أبي بكر وعمر -رضي الله عنهما- من أعظم الكبائر، بل حقيقته قول الكفر؛ فإن أصر بعد قيام الحجة كان مرتدًا». واضح من إجابات ياسر برهامى المعنونة بالفتاوى أنه قضى بتكفير المسلم الشيعى، كما انه حرم التعامل معهم والزواج منهم، كما حرم انتخابه فى مجلس الشعب، وقياسا على آراء برهامى فى المسيحيين، فيحرم إنقاذ المسلم الشيعى او تهنئته فى الأفراح والأعياد، ويحرم أيضا الوقوف معه فى مصيبته او تقديم العزاء له فى وفاة أحد أقاربه، ولا تنسوا أن برهامى حرم كذلك إلقاء التحية عليه فى الطريق أو العمل أو عندما تصادفه فى الأسانسير أو على سلالم العمارة. هذا الفكر المتطرف دفعنى منذ سنتين إلى التحذير من انجرار البلاد إلى فتنة دموية بين المسلمين السنة والشيعة، وتساءلت يومها قائلا: هل الجماعة السلفية في مصر تخطط لإشعال فتنة وصراع طائفي في البلاد؟، هل يسعون إلى إشعال حرب أهلية بين المسلمين والمسيحيين من جهة، وبين الشيعة والسنة من جهة أخرى؟، هل السلفيون يعملون على تخريب مصر؟، لمصلحة من زرع الكراهية والحقد بين المواطنين؟، من الذي يدفعهم إلى تخريب فكرة الإخوة في الوطن التي عاش المصري عليها آلاف السنين؟، ما الذي يريده مشايخ السلفية والإخوان من مصر والمصريين؟.