يكون للمصطلحات والكلمات والألفاظ فى مجال السياسة والدبلوماسية أهمية كبيرة لما تطرحه من آثار سلبية أو إيجابية على الأطراف الأخرى سواء فى الداخل أو الخارج، ولذلك السياسة والتعبير عنها يفترض أن تتسم بالرشد والعقلانية حيث إنه يمكن للحرف الواحد فى المجال السياسى أن تكون له أهميته وأن يكون له تأثيره ونتائجه فى حالة وجوده أو حذفه، مما يعكس أهمية ودلالة التراكيب والمصطلحات السياسية وضرورة تحرى الدقة الشديدة فى استخدامها خصوصا إذا جاءت من شخصيات سياسية مسئولة وذلك لما يمكن أن يكون لها من أثر إيجابى أو سلبى على علاقات أى دولة. وقد فوجئت فى الأيام الماضية بتصريح لأحد السياسيين المصريين يهاجم فيه بضراوة دولة الإمارات العربية المتحدة بطريقة تختلف عما هو مألوف فى العرف الدبلوماسى وذلك نتيجة لاحتجاز عدد من المواطنين المصريين العاملين بالإمارات للتحقيق معهم بتهمة مخالفة بعض قوانين الدولة وهى القضية التى يحاكم فيها مواطنون إماراتيون أيضا وبنفس التهمة، وعلى الرغم من أن وبشهادة نقيب الصحفيين المصريين هؤلاء المتهمون يعاملون معاملة حسنة ويتمتعون بالحق فى المحاكمة العادلة التى ستحكم لهم أو عليهم، إلا أن التصريحات التى خرجت من هذا المسئول تثير عددا من الملاحظات المهمة فى هذا الشأن، وهذه الملاحظات الموضوعية لا تهدف إلا لمصلحة الوطن ومصلحة أبنائه، تتلخص فى التالي: الملاحظة الأولي، أن كل دولة بمقتضى ما تتمتع به من سيادة يكفلها القانون الدولى تطبق قوانينها ونظمها وإجراءاتها على كل المتواجدين على إقليمها سواء كانوا من مواطنيها أو من المتواجدين على الإقليم لأغراض مؤقتة كالعمل أو غيره من مواطنى دولة أخرى، حيث إن القانون يطبق على الجميع فوق إقليم الدولة وتعطى حصانات لبعض الأشخاص أو الهيئات أو المقار، مثل الدبلوماسيين ومقار البعثات الدبلوماسية والموظفين الدوليين وذلك على أساس المعاملة بالمثل، وإن كان للدول أن تلجأ إلى بعض الإجراءات الأخرى إذا وقعت مخالفات لقوانينها من أشخاص يتمتعون بالحصانة الدبلوماسية حيث تعتبرهم أشخاصا غير مرغوب فيهم ويغادرون إقليم الدولة فى هذه الحالة، ومن هذا المنطلق فإن محاكمة هؤلاء المصريين لا تعد أمرا غريبا أو غير مألوف. الملاحظة الثانية، أن شعب الإمارات من الشعوب المحبة لمصر ولكل ما يتعلق بها من ثقافة وفن وأدب وعلم، وقد شعرت بذلك الحب من شعب الإمارات لمصر وشعبها فى فترة عملى بجامعة الإمارات منذ أكثر من خمسة عشر عاما، حيث كان هناك نوع من العشق لكل ما هو مصري، وأذكر أن زملائى فى الجامعة من مواطنى الإمارات كانوا يتحدثون مع الأساتذة المصريين باللهجة المصرية وكان منهم الكثير من الذين تلقوا تعليمهم الجامعى فى مصر أو استكملوا دراساتهم العليا فى مصر، وكذلك كان بعض حكام الإمارات قد تلقوا تعليمهم فى مصر، كما كان الشيخ زايد رحمه الله والممثل الشخصى له فى ذلك الوقت من المحبين لكل ما هو مصري، كما كان هناك انحياز لكل ما هو مصرى كالطبيب المصرى والمدرس المصرى والأستاذ الجامعي، وكانوا يفضلون قضاء إجازاتهم فى مصر، حيث إنهم وفقا لما أخبرونا به لا يشعرون بالغربة فى مصر، وأشهد أننى وزملائى الذين عملنا لعدة سنوات بجامعة الإمارات لم نكن نشعر بأى نوع من الغربة بل كنا نشعر دائما أننا بين أهل وأشقاء. الملاحظة الثالثة، ليس من المصلحة المصرية البحتة تعكير صفو العلاقات مع دولة شقيقة كالإمارات يعمل بها قرابة أربعمائة ألف مواطن مصرى فى مختلف المجالات سواء فى العمالة البسيطة أو المهن والتخصصات الدقيقة وتحقق نجاحا ملموسا وتعتبر من عناصر القوة الناعمة لمصر، وهم يسهمون بتحويلاتهم فى دعم الاقتصاد المصرى وخصوصا فى هذه الظروف الصعبة والاستثنائية التى تمر بها مصر، بل المطلوب دائما الحفاظ على مستوى العمالة المصرية سواء فى الإمارات أو الخليج أو أى دول أخرى لما يحققه ذلك من فائدة سواء على المستوى الشخصى لهؤلاء العاملين أو على المستوى القومى لمصر. الملاحظة الرابعة، أنه من المرغوب فيه وفى جميع الأحيان أن يشعر المواطن المصرى فى الخارج أن دولته تؤيده وتسانده إذا تعرض لأى متاعب مثل هضم حقوقه أو إثارة متاعب له بدون مبرر وذلك يكون من خلال السفارات والقنصليات المصرية فى الخارج، ولكن فى الوقت نفسه قد يكون من المفيد أن تقوم وزارة الخارجية والسفارات والبعثات التمثيلية المصرية فى الخارج بتعريف المصريين العاملين فى الخارج بحقوقهم وواجباتهم، وكذلك تعريفهم بالقوانين المهمة فى الدول التى يعملون فيها لتجنب الوقوع تحت طائلة القانون، وقد كانت هناك دائما ميزة نسبية للعمالة المصرية سواء فى الإمارات أو غيرها بالمقارنة بالعمالة من الدول الأخرى وتمثلت هذه الميزة فى أن المصريين العاملين فى تلك الدول على درجة كبيرة من الكفاءة ولا يتدخلون فى الشأن الداخلى أو الشأن السياسى لتلك الدول، وربما كان ذلك مما يعطى للعمالة المصرية ميزة تنافسية على غيرها من العمالة من الدول الأخرى ومن المرغوب فيه الحفاظ على هذه الميزة النسبية، وبالنسبة للمواطنين المصريين المحتجزين فى الإمارات سواء أكانوا من المحتجزين فى هذه القضية أو غيرهم على ذمة قضايا أخرى فيجب التأكد من حسن معاملتهم والتعرف على التهم الموجهة إليهم ودعمهم بالطرق القانونية دون أن يعنى ذلك التدخل فى الشأن الداخلى للآخرين أو الإساءة البالغة إليهم أو توجيه الاتهامات الجزافية عبر التصريحات السياسية الرسمية منها وغير الرسمية. وربما يكون من المفيد التفكير فى إنشاء صندوق للدعم القانونى للمصريين العاملين فى الخارج وذلك من خلال البعثات التمثيلية المصرية وبحيث يتم التبرع بمبلغ زهيد شهريا أو سنويا لهذا الصندوق لتوفير وسائل الحماية القانونية لأى مصرى فى الخارج يواجه مشكلة قانونية، إنها كلمة حق أقولها وهدفى منها هو مصلحة الوطن والمواطنين، فنحن فى مرحلة نحتاج فيها إلى علاج أزمات الداخل بدلا من استحداث أزمات أخرى فى الخارج.