صب المحتجون الأتراك غضبهم على وسائل الإعلام التي يتهمونها بالتعتيم على أخبار التظاهرات المستعرة في البلاد منذ نحو ستة أيام وبالموالاة لرئيس الوزراء رجب طيب أردوغان الذي اتخذ منذ توليه الحكم عدة إجراءات يرون أنها "تكمم" الإعلام وتحد من حرية الرأي. وتظاهر نحو ألفي شخص أمام قناة "إن تي في" الاثنين والمئات أمام مقر قناة "هابر ترك تي في" الموالية للحكومة يوم الأحد في إسطنبول للاحتجاج على أسلوب تغطية التظاهرات. وحمل المتظاهرون لافتات كتب عليها "أين كنتم بالأمس؟" , "كم حصلتم من مال من الحكومة مقابل ضميركم؟". وتباطأت الصحف الرئيسية في نقل أنباء الاحتجاجات ولم تعرها اهتماما ذاكرة إياها بالكاد في أخبار مقتضبة ولم تفرد لها مساحات واسعة إلا بعد أن تناولها أردوغان نفسه في تصريحات تدين المتظاهرين. كما جاءت التغطية التليفزيونية شحيحة فيما يتعلق بالأحداث ويقول المحلل السياسي التركي فائق بلط لسكاي نيوز عربية، أنه "في الأيام الأولى كان دور الإعلام يتسم بالتكتم وغض النظر عما يدور من احتجاجات وأيضا حجب الأنباء المتعلقة بها، لكن اضطرت القنوات والصحف إلى التغطية بعد أن تفاقمت الأمور". وينفي أنصار أردوغان اتهامات المعارضة له بتكميم الإعلام ويؤكدون أنه، على العكس، قد قام بإزالة العديد من المحظورات. ويشيرون إلى أن عدة صحف صغيرة مثل طرف، يورت وسوزكو تقوم بانتقاد الحكومة بصورة شبه يومية دون أن يتعرض لها أحد وأن هناك كما كبيرا من المدونين ينشرون انتقادات لاذعة ضد الحكومة عبر شبكة الانترنت. وعن الاتهامات الموجهة لحكومة إردوغان بفرض قيود على الاعلام وممارسة ضغوط على الصحفيين، يقول بلط "الحكومة تعاقب بشكل واسع أي إعلامي يقوم بمواجهتها". "تمت اعتقالات كثيرة بين الصحفيين ولهذا السبب نجد تركيا مدرجة في القائمة السوداء العالمية من ناحية حقوق الإنسان"، حسب بلط وتؤكد اللجنة الدولية لحماية الصحفيين، ومقرها في الولاياتالمتحدة، أن أكثر من عشرة صحفيين قد تم طردهم أو دفعهم إلى ترك عملهم تحت ضغط الحكومة العام الماضي. وقبل تولى أردوغان رئاسة الحكومة في 2002، كان الصحفيون وأصحاب دار النشر، يتعرضون للمساءلة إذا ما نشروا أنباء عن الحرب الدائرة مع المتمردين الأكراد في جنوب شرق البلاد أو إذا تجرأوا وانتقدوا الجيش، القوة الكبرى آنذاك والذي كان قد نصب نفسه كحام حماة العلمانية في تركيا. عندما كان الجيش مهيمنا على شؤون البلاد، كان الزعماء السياسيون لقمة سائغة للإعلام الذي كان ينتقدهم باستمرار ويوجه إليهم تهم الفساد والفشل في إدارة البلاد. وانقلبت الآية حاليا، فأصبح من المباح انتقاد القادة العسكريين بعد أن تم تحجيم الجيش إثر حبس كبار قادته في قضية اتهموا فيها بتدبير انقلاب ضد أردوغان. ويمكن أيضا مناقشة القضية الكردية بينما أصبح انتقاد أردوغان خطا أحمر. "الخط الأحمر الحكومي هو أردوغان وأي نبأ يخالف الحكومة هو أيضا خط أحمر"، حسب بلط الذي يستطرد "أما الخط الأحمر بالنسبة للمعارضة فهو المصالح التي نسميها المصالح الوطنية وهو مصطلح واسع تندرج تحته قضايا كثيرة ومتشعبة". وبينما ساد التعتيم في وسائل الاعلام التركية أفرد الإعلام العالمي مساحات واسعة للأحداث التي احتلت المرتبة الأولى في نشرات الأخبار والصفحات الأولى للصحف. ويرى بلط أن الإعلام التركي "ينقسم إلى قسمين: الموالي للحكومة والمعارض لها. المؤيد للحكومة يتناول الأحداث من وجهة نظره فيركز على الآثار السلبية للتظاهرات فقط مثل أثار التدمير أو الخسائر الاقتصادية الناجمة عنها". "أما الإعلام المعارض فهو يحرض ويصعد من تحريضه ويتحدث عن إجراءات القمع الحكومية"، حسب المحلل "هذا الاستقطاب من كل جانب يدل على الهوة بين الموقفين وعلى الافتقار إلى الحيادية المهنية لدى الجميع بشكل يؤدي إلى تأجيج الصراع والدفع نحو تصادم قوي بين الحكومة والشعب التركي"، حسب بلط. ويرى المحلل أنه في ظل هذا الاستقطاب، تفتقر الساحة الإعلامية التركية إلى إعلام مهني محايد ولا يجده من يبحث عنه سوى "في مدونات المدونين المستقلين المنشورة على الإنترنت". ولجأ عدد كبير من الأتراك إلى الاعلام العالمي وإلى شبكات التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر لمتابعة أخبار التظاهرات. وتقول المعارضة إن هيكل ملكية المؤسسات الاعلامية التركية، والتي عادة ما تكون مملوكة لمجموعات استثمارية تعمل في مجالات أخرى غير الإعلام، يسمح للحكومة بفرض المزيد من الرقابة عليها. ففي عام 2008، تم بيع مجموعة صباح إي تي في، إحدى أهم المؤسسات الإعلامية التركية، لمشركة كاليك القابضة، وهي مجموعة لها أنشطة تتراوح ما بين الطاقة والمالية ومعروفة بموالاتها للحكومة. وتم تمويل الصفقة من قبل بنكين مملوكين للدولة. وفي عام 2009، فرضت غرامة بدعوى "التهرب الضريبي" قدرها 2،5 مليار دولار على مجموعة دوغان القابضة، والتي كانت تعد وقتها أكبر مؤسسة إعلامية في تركيا. ثم توارت الدعوى، بعد أن قامت دوغان، والتي لها أنشطة أخرى في مجال الصناعة والطاقة، ببيع صحيفتين من إصداراتها وقناة تليفزيونية. والسبب المعلن وقتها كان إعادة تقويم أوضاعها ونفت الحكومة أن تكون هناك أية دوافع سياسية وراء الغرامة المفروضة على الشركة. هذا بينما فقد صحفيون مشهورون، مثل حسن جمال والصحفيتان امبرين زمان ونوري ميرت، وظائفهم بعد أن انتقدوا سياسات أردوغان. وشكل رحيل جمال من وظيفته صدمة كبيرة في الأوساط الإعلامية حيث كان يتمتع بخبرة إعلامية تمتد على 45 عاما.