استهلكت رئاسة الجمهورية من عمر الشعب المصري شهوراً طويلة مرت علي ولاية الرئيس محمد مرسي الذي أصدر القرارات والقوانين التي سرعان ما يعلن عن ضرورة مراجعتها أو إلغائها أو تعرضها للطعن عليها بعدم الدستورية! ولم يكن من الضروري أن يستهلك الرئيس كل هذا الوقت من عمر الشعب المصري لكي يدرك مؤخراً مدي فساد الأسلوب الذي تصدر به قرارات رئيس الجمهورية والقوانين التي يحيلها إلي مجلس الشوري! فها هو الرئيس مرسي يبادر مؤخراً بإصدار قرار جمهوري بإنشاء «الهيئة الاستشارية القانونية» المختصة التي يحيل إليها الرئيس المسائل الدستورية والقانونية طلباً لإبداء الرأي، وقد ضمت هذه الهيئة في عضويتها ستة عشر مستشاراً بينهم أعضاء في الهيئات القضائية المختلفة وأساتذة جامعات ومحامون، وقد تحددت أسماء هؤلاء الأعضاء في القرار الجمهوري الذي نص علي تشكيل مكتب فني لهذه الهيئة يختص بدراسة وبحث الموضوعات التي تحال إليه من الهيئة واعداد تقارير بشأنها، كما تقرر أن يجتمع الرئيس مرسي بالهيئة الاستشارية الجديدة أوائل الأسبوع القادم، وكنت أشعر مع كثيرين بالانزعاج والأسف الشديدين فيما مضي من شهور ولاية الرئيس مرسي والقرارات والقوانين تصدر من جانب الرئيس فسرعان ما تتعرض لانتقادات شديدة من جانب الرأي العام أو مآخذ من القوي السياسية المختلفة ويحال بعضها إلي محاكم مختصة تقضي بعدم دستوريتها أو اصطدامها بالتعارض مع قوانين قائمة! ثم يكون التراجع عن بعضها سريعاً بمعرفة الرئيس ذاته! وكان التساؤل دائماً عمن وراء وضع هذه القرارات والقوانين! وهل تحيط بالرئيس دائرة من النصاح الذين لا يرون في هذه القرارات والقوانين ما يراه أصحاب الرأي أو المحاكم! ولا يفوت علي الناس أن للرئيس رهطاً من المستشارين في مختلف الشئون ومنهم بالطبع من يملكون إبداء الرأي في المسائل القانونية والدستورية! ويبدو أن الرئيس قد فطن مؤخراً إلي ضرورة أن تكون للرئاسة هيئة استشارية تؤتمن علي الرأي بصواب أو خطأ ما أراده الرئيس ولما كان «المستشار مؤتمن» كما نعرف فإن تشكيل هذه الهيئة الجديدة قد جاء يؤذن بانتهاء مرحلة «التجريب» في المسائل القانونية والدستورية إذ تصبح هذه الهيئة مسئولة عن ابداء الرأي السديد والمشورة فيما يحال إليها من المسائل بحيث تأتي بعد ذلك لا يشوبها عوار من أي جانب وليست مهمتها بالطبع أن «تري ما يراه الرئيس» كما كان يحدث في العهد السابق علي الثورة! عندما كانت مثل هذه الجهات الاستشارية غير المعلنة تقدم ما يريده الرئيس سواء توافق مع الدستور والقوانين أو لم يتوافق! ومن هذا الباب في العهود السابقة علي الثورة في 25 يناير أن مصر قد شهدت حزماً- بل ترسانة من القوانين والقرارات الجمهورية وغير ذلك مما سمي في وقت من الأوقات القوانين سيئة السمعة! مما سلب المواطن الكثير من حقوق حريته في التعبير عن الرأي وقوانين للعيب جعلت المعايير الأخلاقية تحدد تعاملاً قانونياً مع بعض الأفعال التي لا يلزم لها قانون!. ولست أحب أن يكون المجال هنا محل الاستطراد في تعداد مآسي نشوء هذه الترسانة من القوانين التي تثقل كاهل الناس! عندما يفاجأ البعض بإحالته إلي القضاء بمقتضي قانون لا علم له به! وكثيراً ما كانت المحاكم تقضي ببراءة المحالين إليها في مسائل كثيرة، لكون القانون الذي يفصل في الأمر ليس دستورياً! أو أنه لا وجه لاقامة دعوي قضائية من الأساس! ولعل الأوان قد آن لإنهاء حالة من الارتباك سادت حياتنا في الشهور التي مضت في جانب القوانين والقرارات الصادرة عن الرئيس! فما أكثر ما صدر منها ليصبح بعد تداركه بالعدول عنه كأن لم يكن!.