اعتصرني الألم وأنا أتابع قصة مأساوية نشرتها جريدة «المصري اليوم» يوم الجمعة الماضي عن الأم العجوز مريم، التي كانت متزوجة من «مواطن مصري» مسيحي وأنجبت منه ولدين الأول عمره ستة أعوام، والثاني عمره عامان، وشاء الله أن يتوفي عنها زوجها وهي في ريعان شبابها، وكان زوجها يمتلك ورشة بالمشاركة مع شاب مسلم، فتطوع المسلم لرعاية مريم وابنيها، وكان يمنحهم نصيبهم من أرباح الورشة، وكأن والدهما علي قيد الحياة، فأعجبت مريم بشهامة وكرم ورجولة محمد شريك زوجها المتوفي، فاتفقت معه علي الزواج، وعلي الفور أسرع محمد بالذهاب الي أهل مريم لطلب يدها، فقوبل بالرفض الشديد لاختلاف الديانة بين مريم ومحمد، ولكن لأن الحب لا يعرف المستحيل، فقد تغلب الحب علي الرفض الأسري، وهرب الحبيبان وعقد قرانهما بعيدا عن الأهل وتقاليد الأسرة وعاشا في سعادة كاملة وتولي الشاب المسلم رعاية أولاد شريكه المسيحي وكأنهما من صلبه تماما، فازدادت أواصر المحبة بين الطرفين وأراد الله إكمال فرحة الأسرة فأنجبت مريم من محمد ولدين الأول سمته محمد علي اسم أبيه ومحبة في والده والثاني اسمه أحمد. ونشأ الأولاد الأربعة في كنف الوالد الكريم محمد، والجميل في القصة أن مريم ظلت علي ديانتها المسيحية لم تغيرها، ومن هنا راجعت أسرتها نفسها، وأعادت العلاقات مع ابنتهم مريم، ولكن الأسرة للأسف لم تنس لمريم خروجها علي تقاليد الأسرة وزواجها من مسلم، وكبر الأولاد الأربعة وقام الأب المسلم ببناء منزل من أربعة طوابق منح أولاد شريكه المسيحي دورين ومنح ابنيه دورين، وظل هو وزوجته في الدور الأرضي.. مضت السنون والأسرة تعيش في حب وود لا يفرق بينهم أحد، الي أن انضم محمد - الابن الأكبر - لإحدي الجماعات السلفية، ومن هنا بدأ التحول الأكبر في حياة الأسرة خاصة بعد رحيل رب الأسرة فبدأ الابن السلفي في سب أمه واتهامها بالكفر لأنها علي غير دين الإسلام، وبدأ يتعمد إهانتها وإهمالها وتحريض شقيقه الأصغر عليها. وفي نفس الوقت بدأ ابنها البكري من زوجها المسيحي وبتحريض من أهل والدته الذين لم ينسوا لمريم زواجها من مسلم فبدأوا في بث سمومهم في نفوس أولاد مريم وإفهامهما أن أمهما سيدة «خاطية» وتستحق القتل، وهنا اشتعلت نار الخلافات في المنزل السعيد، وبدلا من الحب انتشر الكره بين جنباته الي أن توصلوا لاتفاق لإنهاء الصراع بين الأبناء ببيع البيت الذي يؤويهم وبالفعل باعوا المنزل وطردوا الأم المسكينة منه، فحزنت مريم حزنا كبيرا حتي أصابتها «جلطة» أقعدتها طريحة الفراش وهي تعيش الآن علي إعانات أهل الخير بعد أن أهملها أولادها الأربعة فهي من وجهة نظر ولديها المسيحيين أم «خاطية» لأنها تزوجت من مسلم، وهي أيضا كافرة في نظر ولديها المسلمين لأنها علي غير دين الإسلام!! تأملت القصة المأساوية وشعرت بأن مريم هي مصر، وحالها هو حال مصر الآن، فعندما كان كل واحد منا يحرص علي أخيه المصري دون النظر لهويته الدينية أو السياسية كانت مصر تعيش في حب وهناء وازدهار.. المسلم بجوار المسيحي واليساري بجانب اليميني لا فرق ولا خلاف، ولما انتشر في الجسد المصري داء الفرقة والتعصب تفرق شمل المصريين، وسعي كل طرف من أبنائها للتخلص من نصيبه فيها ولو بالبيع لأجنبي غريب عن جسدها، ومن هنا مرضت مصر كما مرضت مريم.. عجزت مصر كما عجزت مريم، فهل نترك أمنا تتسول وتتضور جوعا لأن كلا منا يتهمها بالكفر أو الفسق، وهذا مؤمن.. يا سادة انقذوا مريم وانقذوا مصر لأن مصيرهما واحد، وقصتهما واحدة، فهل نفيق قبل فوات الأوان، وندرك أن مصر بلدنا جميعا، مسلم ومسيحي، مدني وإسلامي.. وحضنها يتسع للجميع.