عاش محمود ومريم معا فى حى الظاهر، ولدا ولعبا وكبرا وشبا معا.. ولم تقتصر علاقاتهما على الجيرة والصداقة العائلية لكنهما تزاملا أيضا فى المدرسة، وفى نفس الفصل، ولأول مرة فى حياتهما يعرفان أن هناك مسلما ومسيحيا، حينما دخلت مدرّسة الدين إلى الفصل وطلبت من التلاميذ المسيحيين مغادرته، لأن لهم دينا مختلفا، وسيدرسونه فى مكان مختلف. عادت مريم إلى البيت وسألت والدتها، يعنى إيه مسيحى، يعنى إيه مسلم.. ما الفرق بينهما؟ كان السؤال مفاجئا، ولم تتوقعه، لكنها ردت بعفوية على ابنتها الصغيرة: زى ما فيه ولد وبنت، وراجل وست، فيه مسلم ومسيحى، لكن كلنا واحد مفيش فرق! تقريبا نفس السؤال ونفس الإجابة تكررا فى منزل محمود أيضا: كلنا واحد.. كلنا نعبد الله الواحد، لا فرق بين مسيحى ومسلم. هذه بداية القصة منذ ثلاثين عاما، حين كان المجتمع لا يفرق بين المسيحى والمسلم، عاش محمود ومريم معا، وتطورت العلاقة العائلية والصداقة إلى عاطفة اشتعلت فى قلبيهما، لكن مريم المسيحية لا تستطيع الزواج من محمود المسلم، أهلها يرفضون ويمانعون، حتى ولو احتفظ كل منهما بدينه. منذ ثلاثين عاما يعيش محمود ومريم على المشاعر القديمة، لا هى سمحت لآخر أن يطرق باب قلبها، ولا هو منح أى فتاة أخرى مساحة فى قلبه، ترفض مريم الحب والزواج، ويرفض محمود مجرد طرح الفكرة ولو حتى من أهله الذين يريدونه أن يكمل نصف دينه. يقول محمود: سمعت كثيرا عن الحب المستحيل، مثل أن يحب رجل امرأة متزوجة، أو العكس، لكن الحب بين اثنين من دينين مختلفين، هو الأصعب على الإطلاق، بل هو الحب المستحيل بعينه خاصة فى بلد مثل مصر. سألته: وبعدين يا عم محمود.. إلى متى تستمر فى حبك المستحيل؟ أجاب والدموع تنهمر من عينيه: إلى أن يجمعنا الله فى مكان أو زمان آخر، أو حتى فى عالم آخر. ومريم ماذا عنها؟ قال: أحاول إقناعها بأن تعيش حياتها، إذا كان حبنا مستحيلا ومحكوما عليه بالموت، فلا يجب أن ترهن حياتها بهذا المستحيل. لكن مريم أيضا تعيش على هذا المستحيل.