مختار نوح، القيادي السابق في جماعة الإخوان المسلمين، يحمل فكراً إسلامياً مستنيراً، يندهش من نفسه لأنه كان يري أن وصول التيار الإسلامي للسلطة سيكون الحد الفاصل بين طموحات الولاياتالمتحدةالأمريكية، وبين هيمنتها علي الشرق الأوسط، لكنه وجد العكس تماماً، عندما وصل هذا التيار للحكم، واستغلته أمريكا للعبور إلي المنطقة بأسهل ما يكون. الرجل يتعجب أيضاً عندما كان يقال لهم منذ زمن بعيد إنه لو تمكن الإسلاميون من الحكم فلن يسمحوا بالديمقراطية، وكانوا يكذبونهم ولا يصدقون هذا، لكن بعد وصول الإخوان للسلطة تأكد بالفعل أنهم يضيقون بالديمقراطية، كما قال: «بالفعل لا نطبق الديمقراطية لأننا لم نتدرب في أوساطنا التربوية علي احترام الرأي الآخر». القيادي المنشق عن الإخوان المسلمين، مختار نوح، عنده الكثير من خبايا الصراع والانفجارات داخل الجماعة، نستطلعها معه في هذا الحوار: في بداية إجابته عن السؤال المطروح أكد مختار نوح أن الموقف بالكامل سينفجر حول الرئيس محمد مرسي، في أقرب تشكيل وزاري، وسينفض عنه بعض الملتفين، إذا لم يجدوا أسماءهم في الوزارة القادمة، وأيضاً ستنفصل مجموعة أخري من الجماعة إذا تمت الانتخابات البرلمانية ولم يكونوا علي قوائم الإخوان، أو يتم إخلاء بعض الدوائر لهم، ومجموعة أخري من المنتفعين عندما لا يجدون أنفسهم في منصب المحافظين أو رؤساء للأجهزة الرقابية، فهؤلاء الملتفون حول الرئيس غيروا مبادئهم كاملة، وينتظرون عطايا تساوي ما تم من حرق لهم في الساحة السياسية، أما عن الانفجار الذي سيحدث في جماعة الإخوان المسلمين، فالكثير منهم لا يأخذون حظهم في المناصب ونجد أن رئيس اللجنة الدستورية ورئيس البرلمان السابق ورئيس حزب «الحرية والعدالة» هو الدكتور سعد الكتاتني، والذين ينتظرون الحلم، وإذا لم يجدوه فسينقلبون في البرلمان القادم. وتمر الجماعة بهذه الثورة والتفجير من الداخل لن يكون إلا علي هيئة موقف سلبي، لأن الكثيرين لا يستطيعون أن يواجهوا قادتهم داخل الإخوان المسلمين بالانقسام الآن، ولهذا سيقفون موقفاً سلبياً، بل كثير من أعضاء وشباب الإخوان يتخذون هذا الموقف حالياً، وتحديداً خلال أحداث المقطم، وكان يتوقع أن يري الكثير من أعضاء الإخوان الذين يتميزون بسلامة البدن وقوة البنيان، ولكنهم فضلوا الجلوس في المنازل ورفضوا الذهاب لحماية مقر الجماعة، ولو أن أحداث المقطم تمت قبل عشر سنوات، ربما وجدنا نصف مليون مقاتل من الإخوان في المقطم، لكنهم طبقوا قاعدة: «اجلس في بيتك واغلق عليك بابك». وصف «نوح» أحداث المقطم بأنها حلقة من حلقات الفوضي في مصر، وبدأها المحاصرون للدستورية العليا ولمدينة الإنتاج الإعلامي، والمقاتلون أمام الاتحادية، الذين دخلوا ليقتلوا المتظاهرين دون ذنب، فكان الرد بأحداث المقطم وحرق مقرات الإخوان المسلمين، وهذه أحداث تجريمية يجب أن تستوي أمام القضاء، وجريمة شارك فيها الجميع، الصامت عنها والمؤيد لها، وقد قيل لهم في السابق إن الإسلاميين لو تمكنوا من الحكم فلن يسمحوا بالديمقراطية، وكان يكذبهم بما أنه من الإسلاميين ولكنه الآن يعترف بأنهم بالفعل يضيقون بالديمقراطية، لأنهم لم يتدربوا في أوساطهم التربوية علي احترام الرأي الآخر، وثبت هذا من محاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي. وتساءل «نوح»: هل هؤلاء المحاصرون سيمنعون العاملين والإعلاميين في قنوات «الناس» و«الحافظ» و«مصر 25»؟.. أم أنهم ذهبوا ليمنعوا ويقهروا أفراداً بأعينهم، بعدما ضاقوا بالحريات، مؤكداً أن هذه الحريات ليست من صنع الرئيس «مرسي» وإنما من نتائج 25 يناير، ولذلك من السهل أن يقهرها الرئيس لأنه لا يؤمن بها ولا يتحمل الرأي الآخر لأنه ضاق بالحريات، طالما غير قادر علي قيادة هذه المرحلة، ولهذا قد يلجأ إلي مزيد من الإجراءات القمعية بغلق قنوات معارضة لسياساته بحجة أن ترخيصها «منوعات» وليست «إخبارية»، والقبض علي بعض الناشطين السياسيين المعارضين، كما حدث مع المهندس حمدي الفخراني، مع أنه تم القبض عليه بالباطل والزور، وأيضاً استدعاء باسم يوسف والإعلاميين للتحقيق معهم ثم الإفراج عنهم لمجرد الإيذاء غير المبرر، وهو نوع من أنواع القمع يستخدم فيه النائب العام الذي قضي القضاء ببطلان تعيينه، ولكنه مازال يصر علي إصدار قرارات باطلة لأنه لا يصبح النائب العام، وأقول له: لا تدخل معركة مع الشعب لأنك الخاسر في النهاية. وفي إشارة منه إلي الحكم الصادر بعودة المستشار عبدالمجيد محمود لمنصب النائب العام.. قال: إنه حكم واجب النفاذ، لأنه صدر من دائرة استئنافية متخصصة مثل الدوائر المتخصصة في دوائر المحامين وعضوية الصحفيين، عندما يصدر الحكم يتم تنفيذه من الدائرة الاستئنافية، ومن أراد أن يطعن عليه فليطعن دون أن يدخل الدولة في «سفسطة» قاصداً الذين يغازلون الرئيس ويقولون له إن الحكم قابل للطعن عليه بالنقض، لأن هؤلاء يدفعون الرجل إلي أزمة جديدة، ويضيفون إلي مشاكله مشكلة جديدة، لأن الحكم الذي يكون واجب النفاذ، وصادر من دائرة استئنافية، يترتب علي مخالفته بطلان أي قرارات تصدر من النائب العام، وهذا يفتح الباب إلي مزيد من الصراع والأزمات التي زادت منذ تولي «مرسي» السلطة. وطالب «نوح» الرئيس «مرسي» بأن يرحم الشعب المصري بأن يقف عند حد دراسة ما سبق، ثم ينطلق من جديد انطلاقة واعية مدروسة، لأنه اقترب من الديكتاتورية والفرعنة، وأصبح رأيه من عقله، وخطابه في قطر مرفوض وأبلغ دليل علي هذا، أنه حقر من شأن معارضيه مثلما يفعل أي ديكتاتور، فالغضب من معارضيه لن يفيد أو يعلي من قدره، لأنه المسئول عن هذه المرحلة وليس المعارضة أو الشعب، وأتمني عليه أن يعرف سعر كيلو البصل الذي وصل إلي 6 جنيهات وأسعار الخضراوات والدواجن، لأن الكوارث تتعدد وتتكرر، ويخشي عليه من الحالة التي يظهر بها في خطاباته لأنه في كل خطاب أصبح يتحدث عن إصبع أو إصبعين، ويلصق بهما ما يحدث في مصر من انهيار، وهذه رؤية الديكتاتوريين الذين لا يقولون إنهم فشلوا بل يقولون تم التآمر عليهم. كما طالب «نوح» الرئيس «مرسي» بعدم الاستماع إلي القانونيين الذين يجلسون تحت مقعده، لأنهم يزينون له الباطل بعدم تنفيذ أحكام القضاء فيما يخص حكم عودة النائب العام لأن فقهاء السلطان المتواجدين حول الرئيس بدأ يظهر عليهم الانفعال، وهم يدافعون عن أخطائهم ولا يجب أن ينتظر رئيس الدولة حتي يمثل أمام دائرة جنائية بحجة الامتناع عن تنفيذ حكم قضائي، وأيضاً لا يجب أن يظهر وزير العدل بهذا الشكل، وعليه أن يقف عند هذا الحد ويعود «أحمد مكي» الذي يعرفه الجميع في السابق، وينتهج نهج المستشار «محمود الخضيري» الذي كانت تصريحاته الأخيرة عاقلة، وتتجه الاتجاه الصحيح إلي إعمال حكم القانون والإعلاء من شأن القضاء. ويضيف «نوح» أن الرئيس ومستشاريه ضاقوا بالمعارضين ومن الإعلام المعارض لسياسته، ويتهمهم بأن لهم دوراً في إفشال مؤسسة الرئاسة ولم يقولوا ما هو رأيهم في قنوات «مصر 25» و«الحافظ» و«الناس» أليست هذه القنوات من الإعلام؟.. وهل لها دور في إفشال الرئاسة عن القيام بدورها؟.. ولكنهم لا يقولون صراحة إنهم ضاقوا ذرعاً ببعض الإعلاميين الذين يوجهون النقد لمؤسسة الرئاسة ويسلطون الأضواء علي مطاب المعارضة، وإلا لماذا يرفض «مرسي» طلب المعارضة بتغيير وزارة «هشام قنديل»؟.. ألم يعرفوا أن هذا الطلب ينتظره الشعب كله، وليس جبهة الإنقاذ التي تعارضهم. ويجيب: لأن الرئيس سيعتمد اعتماداً كاملاً علي هذه الوزارة في تزوير الانتخابات البرلمانية القادمة وفي استغلال نفوذها لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، خاصة إذا استمر حزب «النور» في مقاطعته، والتعامل مع الإخوان المسلمين، وحينها لن يحصلوا علي أكثر من 17 إلي 20٪ من مقاعد البرلمان، وإذا أضفنا النسبة الفردية، فإن الناخبين الذين يؤيدون التيار الديني في الإعادة سيكونون أميل إلي حزب «النور» الذين لا ينتمون إلي التيار الديني سيختارون المرشح المدني، وبالتالي فإن جماعة الإخوان لن تحتاج نسبة ال 50٪، حتي الأحزاب التي تتعامل مع الإخوان المسلمين هي أحزاب ضعيفة ووهمية، وعلي هيئة أفراد فقط لتزيين الصورة. ويعتقد «نوح» أن حزب «غد الثورة» سيراجع موقفه مرة أخري تجاه الإخوان المسلمين بعد الغضب الذي لاقاه في الشارع السياسي والمجموعة الأخري التي كانت تنتمي إلي الحزب الوطني، لا تمتلك شعبية في الشارع، إذن فإن بقاء هذه الوزارة والتمسك بها هو للرهان علي تزوير الانتخابات من خلال المحافظات وتعبئة الأفراد وتقديم المصالح بنفس المنهج الذي كان يتبعه الحزب الوطني. ويؤكد لو أن الرئيس يعلم أن الانتخابات ستكون لصالح حزب «الحرية والعدالة» لكان شكل وزارة محايدة «تكنوقراط» واكتسب بها موقفاً تجاه الشعب، ولكنه يتمسك بوزارة لا تستطيع توفير السولار، حتي بعد تسليم «قذاف الدم».. وزارة غير قادرة علي أن تقف أمام زيادة الأسعار، فالتمسك بها إنما للتزوير. ويري «نوح» أن أداء الرئيس شخصي وبلا شوري وبإمكانيات ضعيفة جداً لأنه لم يستعن بأهل العلم والخبرة، إنما استعان بالمقربين إليه، فوضع الشخص غير المناسب في المكان غير المناسب، وبهذا تضيع أموال الدولة علي أيدي هؤلاء المقربين من أهل الولاء، فضلاً عن أن الرئيس لم يطبق الشريعة الإسلامية، بل له قرارات ضدها. وفي إجابته عن سؤال: هل الرئيس «مرسي» ظلم من جماعته التي اختارته وتخلت عنه ولم تقدم له النصيحة؟ أجاب: هو الآن ما زال في مرحلة المظلوم، لكنه قريباً سيصل إلي مرحلة الظالم والمحيطون به من أهل الثقة، هم من ظلموه ودفعوه إلي طريق سيئ. وأكد «نوح» أن الرئيس «مرسي» سيستقيل إن عاجلاً أو آجلاً، إما أن تقتله الأحداث بالضغط علي قلبه ومخه وأعصابه، أو يقتله أصحابه الذين يضعون أمامه العراقيل، أو غروره عندما يصل به إلي درجة أكثر مما هو عليه الآن، أو أن يقتله فشله.. وقناة الجزيرة تساهم في ذلك لأنها تقدم له رسائل زائفة من أفراد زائفين، وهذه الرسائل تظلم أمامه الطريق، والجميع يشترك في قتل الرئيس.. ومن العجيب أن يصدق «مرسي» دولة، هي قاعدة عسكرية أمريكية، ويردد أحلامها وطموحها في مصر، ويطمئن إليها كل هذا الاطمئنان، ويصدق قناتها الإعلامية.