مرت أيام على كتابتى مقالاً فى هذا المكان دعوت فيه - وكان العنوان معبرا عن ذلك - مصر إلى ضرورة المسارعة إلى إجراء مفاوضات جادة مع دول حوض النيل الست التى تنضم إليها جمهورية جنوب السودان الوليدة بعد انفصال جنوب السودان عن شماله، وذكرت أن من صالح مصر أن تدير حوارا وتفاوضا مع هذه الدول التى وقعت اتفاقية «عنتيبى» بعد أن أكد وزير المياه والرى فى حكومة الجنوب أن الاتفاقية التى وقعت بين مصر والسودان الموحد عام 1959 بشأن توزيع أنصبة مياه النيل قد أصبحت غير ملزمة لدولة جنوب السودان!، فقد ذكر الوزير أن اتفاقية 1959 قد وقعت بين مصر والسودان الذى كان الجنوب تحت سيطرته، وقد طالعت يوم الجمعة 29 مارس تحقيقا جيدا على صفحة كاملة فى جريدة «الوفد» للزميل مختار محروس، والذى تعرض فيه لتفاصيل ومعلومات مهمة حول اتفاقية «عنتيبى» التى وصفها الزميل بأنها «تهدد مصر بالعطش»!، وأن دولة جنوب السودان بانضمامها إلى دول اتفاق عنتيبى تقلب الموازين فى دول حوض النيل!. وبمقتضى هذا الاتفاق بين الدول الست وانضمام جنوب السودان إليها تأتى موافقة هذه الدول على إنشاء «سد النهضة» الإثيوبى، ويعنى ذلك باختصار مراجعة ستكون حتمية لأنصبة الدول من مياه النيل ومصر ضمنها، وإن هناك نقاط خلاف واضحة بين إثيوبيا ودول حوض النيل. وفى إطار هذا التحقيق الممتاز قرأت ما صرحت به الدكتورة إجلال رأفت أستاذة الدراسات الإفريقية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة، وللدكتورة إجلال رأفت كما هى معروفة به من عمق معارفها وغزارة معلوماتها الإفريقية ما جعلنى أطمئن إلى صواب ما ذهبت إليه فى مقالى السابق من أن مصر لابد أن تمضى سريعا فى شوط من التفاوض مع دول اتفاق «عنتيبى» بغية التوصل إلى اتفاق متوازن مع هذه الدول بشأن نصيبها من مياه النيل، حيث أصبح هذا النصيب مهددا بالانخفاض ترتيبا على بدء العمل به بعد موافقات برلمانات دول الاتفاق عليه!، لكن تصريحات الدكتورة إجلال رأفت قد أضافت الكثير المهم بالنسبة لى ولمصر بالطبع حول خطورة وضع مصر حاليا بعد تغير الظروف والملابسات المحيطة بالدول التى اتفقت فى عنتيبى التى تجعل مصر «تقف بمفردها فى مواجهة كل دول حوض النيل»!، خاصة بحسب ما يتوافر من معلومات فإن دولة جنوب السودان سوف توقع على اتفاق عنتيبى!، أما السودان الشمالى فلن يكون مع مصر لأن له مصلحة فى اقامة «سد النهضة» الإثيوبى، مما يجعل مصر فى مواجهة 10 دول إفريقية مجتمعة!، ولكن الدكتورة إجلال رأفت رأت أن رئيس الوزراء الحالى د. هشام قنديل - وقد كان مديرا لمكتب وزير الرى الأسبق د. محمود أبوزيد - لا يستطيع الوفاء بمقتضيات هذا التفاوض الذى يحتاج إلى خبرات تفاوضية حقيقية، وكنت قد أخذت على رئيس الوزراء اهماله للحوار مع مسئولى السودان الجنوبى أثناء زيارته له مؤخرا حول قضية نصيب مصر من مياه النيل!، بل ركز رئيس الوزراء فقط على بعض مشروعات المقاولات والصحة والتعليم بما تستطيع مصر تقديمه لدولة الجنوب!، ولما كان هذا الملف قد أصبح شائكا فإن مصر فى حاجة إلى مفاوض ماهر مقنع، بصرف النظر عن علو المناصب الوزارية الحالية!، وقد نهضت مبررات كثيرة عند د. إجلال رأفت لتحذيرها من دخول اتفاقية عنتيبى حيز التنفيذ لقرب موافقة برلمانات دولها عليها، ورأت أن على مصر أن تتفاوض بعيدا عن اللجوء إلى الحلول القانونية التى سوف تستهلك الوقت والجهد والمال!، فهذه الدول لها مبرراتها وحججها فى مواجهة الدفوع المصرية، والتحكيم واللجوء إلى الحلول القانونية ليس هو الطريق الآمن أو المضمون، بل على مصر أن تعيد الثقة بينها وبين هذه الدول عبر الحوار والتفاوض، خاصة إثيوبيا التى لها وزن وثقل فى المجتمع الغربى، وتحصل على دعم من دول الغرب لوجود المصالح المشتركة معها وهكذا يكون لمصر جهد مثمر عبر التفاهم والتفاوض المؤثر كما رأت د. إجلال رأفت.