430 لقطة ملونة هي مجموع الصور التي يتضمنها كتاب "جرافيتي الثورة.. فن الشارع في مصر الجديدة"، الذي صدر مؤخراً للمصورة والكاتبة السويدية "ميا جروندال"، وترصد فيه ظاهرة فن الجرافيتي التي انتشرت في مصر خلال وبعد ثورة 25 يناير 2011. والجرافيتي عبارة عن تصميمات فنية ترسم على الجدران أو الجسور أو غيرها في الأماكن العامة، للتعبير عن رأي سياسي أو اجتماعي، وأحيانا يستخدم في الدعاية، وقد شهد شيوعاً كبيراً في مصر خلال العامين الماضيين، مسجلاً أحداثاً مفصلية وقعت في البلاد خلال هذين العامين. فقد وثقت الجدران ظواهر مفصلية للثورة المصرية، وأبرزتها "جروندال" من خلال فصول كتابها ال33، مثل "موقعة الجمل" و"أحداث محمد محمود" الاولى إلى جانب ظاهرة قنص العيون. والكتاب الذي صدر باللغة الانجليزية، أهدته صاحبته إلى أطفالها، فكتبت لهم في مقدمته: "في بداية الثورة رأيت بعض الجرافيتي، لكن لم أعره اهتمامًا، واكتفيت بالتقاط بعض الصور فقط". وتضيف "كانت مصر "شبه خالية من الجرافيتي إلا من بعض اللافتات المؤيدة للرئيس السابق حسني مبارك، أو إعلانات تجارية، أو تهنئة بالعودة من الحج. ولم تحمسها تلك البداية الخجولة عن الجرافيتي في مصر لاعداد كتابها، ولكن مع مرور الوقت أخذت الظاهرة في الانتشار، وأصبحت ظاهرة كبرى ومؤشرا للحركة السياسية.. إنها "هرم جديد" في مصر على حد وصف الكاتبة. وتفسر "جروندال"، المقيمة في القاهرة منذ 10 سنوات، أسباب انتشار هذا الفن بقولها في مقدمة كتابها إن "المواطن المصري أصبح يعتقد أن الإعلام، وخاصة الرسمي يتسم بالكذب، الجرافيتي يأتي من مواطنين عاديين، لا يريدون شيئا، فليس لديهم دافع للكذب." و"ظاهرة الجرافيتي في مصر تعود جذورها إلى التاريخ القديم، بحسب ما رصدته المصورة السويدية، حيث أشارت إلى اكتشاف "رسومات لأناس يمارسون السباحة في كهف صخري في صحراء مصر الغربية يعود ربما لما قبل 23 ألف سنة، إضافة إلى رسومات الفراعنة على الجدران وداخل القبور". ويوثق الكتاب لجدارية ضخمة تضم 18 بورتريه لنساء ورجال فقدوا أعينهم برصاص القناصة خلال الثورة المصرية وما تبعها من احتجاجات، حيث تتواجد الجدارية بشارع محمد محمود، قرب ميدان التحرير، والذي كان مركزا للاحتجاجات والاشتباكات، وخاصة بعد الثورة. ولم يقتصر الجرافيتي على الثوار فقط، بل ضم صورة جرافيتي للواء محمد البطران، الذى قتل برصاص مجهولين خلال تصديه لمحاولتهم اقتحام السجن يوم 29 يناير 2011. كما يضم الكتاب صورة للشيخ الأزهري عماد عفت والذي قتل برصاصة مجهولة في ديسمبر 2011 أثناء مشاركته في احتجاجات أمام مقر مجلس الوزراء بوسط القاهرة، وبجواره صورة الناشط القبطي "مينا دانيال"، الذي قتل في احتجاجات عرفت إعلاميا ب"أحداث ماسبيرو" في أكتوبر 2011. ويعرض الكتاب لمظاهر التنوع وثقافة التسامح التي جمعت المصريين خلال الثورة، حيث يوثق لوحات تظهر تجاور الهلال مع الصليب، ورسومات لمساجد وكنائس ورموز سياسية مختلفة الاتجاه متوحدة على هدف واحد وهو نصرة الثورة. وتقول الكاتبة في المقدمة إنها استمرت في تصوير اللقطات التي تضمنها الكتاب لمدة 9 أشهر، بدأت عام 2011 واستمرت حتى صيف 2012، حيث التقطت صورا لفن الجرافيتي من على الجدران بمختلف محافظات مصر. "جروندال" التقت ببعض رسامي الجرافيتي المصريين، أبرزهم الفنانان التشكيليان "علاء عواد" و"عمار أبو بكر"، اللذان جاءا من الأقصر، اقصى جنوب البلاد ليدعما الثورة برسم جداريات في قلب القاهرة، وآخرين مثل هناء الدغام وميرنا توماس وغيرهم، والذين لم يعلنوا عن أسمائهم الحقيقية (على رسوماتهم) وحملوا أسماء فنية مثل "زفت" و"الجنزير" و"الفيل" و"التنين"، بحسب ما جاء في الكتاب. واحتلت رموز سينمائية مصرية فصلا في الكتاب؛ حيث ظهرت صورة لأم كلثوم؛ المطربة المصرية الشهيرة، مع أغنية "للصبر حدود"، وظهرت عبارة "أحلى من الشرف مفيش" بجوار الممثل المصري الشهير توفيق الدقن للسخرية من الوضع السياسي القائم. وحملت جدارية موجودة في مقهى بحي الفجالة بالقاهرة صور لنجوم قدامى، مثل الممثل المصري عبد الفتاح القصري والمطرب السوري - المصري فريد الأطرش، والفنانة الكوميدية المصرية ماري منيب، بجانب صورة صاحب المقهى. وقد احتلت المرأة المصرية مساحات كبيرة من الجرافيتي، أبرزها رسومات رمزية للمرأة التي تمثل الوطن (مصر)، وصورة لأم شهيد تحمل صورة ابنها الذي قُتل في "مجزرة بورسعيد"، شرق القاهرة، والتي راح ضحيتها 74 شخصا في فبراير/شباط 2012. كما يتضمن الكتاب رسومات لنساء آخريات برزن في الثورة؛ مثل سميرة إبراهيم الناشطة التي رفعت دعوى قضائية ضد المجلس العسكري، الذي حكم قبل تولي محمد مرسي الرئاسة، فيما سمي إعلامياً ب "قضية كشوف العذرية". وللكاتبة السويدية "ميا جروندال" عددا من الكتب أبرزها؛ جرافيتي غزة.. رسائل الحب والسياسة"، صدر عام 2009، و"ميدان التحرير.. قلب الثورة المصرية"، وصادر عام 2011.