جاء مسلسل الاختيار 3 مجسدًا وراصدًا لأحداث عصيبة عاشتها من 2011 حتى 2013، دامجًا الأحداث الدرامية بالتسريبات الحقيقية بالصوت والصورة. مستعرضًا قصة أخطر96 ساعة عاشتها مصر فى الألفية الأخيرة، وكانت حاسمة فى اتخاذ القرار لإنقاذ مصر من براثن جماعة الإخوان الإرهابية. والرائع تضافر العديد من التفاصيل المهمة دراميًا وعلى رأسها الاستعانة بماكيير ماهر استطاع التقريب بين الشخصيات الحقيقية ومن لعب أدوارهم من الناحية الشكلية، مستعملًا أدوات وعناصر خاصة تعبر عن أعماق الشخصية وتساعدها بحيث يحدث توافق كامل بين الشكل والشخصية التى سوف يؤديها، مما يضع الممثل فى دائرة الحدث، فيسهل عليه عملية التعايش والتقمص، وفى الحقيقة أن الماكيير كانت له حرفية اقتربت من حرفية الماكيير الذى حصل الأوسكار عن مكياجه مع الممثل كريستيان بيل فى فيلم Vice المتناول لشخصية ديك تشينى نائب الرئيس جورج بوش الأبن. جاء الاختيار 3 ليتحدث عن حقيقة ما دار فى كواليس الموقف السياسى فى تلك الفترة العصيبة من تاريخ مصر ويُظهر لنا كيف استطاعت عناصر الجيش والشرطة فى إحداث فارق كبير فى مسار التاريخ، مظهرًا الكواليس التى لم تكن تظهر أمامنا كثيرًا، وكيف تحكموا فى كل شيء، بعد مشاهدتنا لهذا العمل سنعلم إلى أى مدى وصلت تضحية رجال مصر، ومدى تأثير قراراتهم، ومدى تحكمهم فى كل شىء حتى خرجنا من تلك الفترة التى كانت كفيلة بالقضاء علينا جميعًا، لصالح الجماعة الإرهابية والمتربصين لمصر بالخارج. ومع قدرة عبدالعزير مخيون الإبداعية فى تقمص شخصية محمد بديع المرشد العام الثامن لجماعة الإخوان المسلمين، تمت إزاحة الستار عن حديث المرشد مع الفريق عبدالفتاح السيسى، والذى طالبه بانضمام الإخوان للجيش المصرى، لنعلم رفضه الطلب بشدة، خاصة أن الجيش لا ينتمى لفصيل سياسى، وجميع أفراده انتماؤهم لمصر والمصريين. فالجماعة الإرهابية كانت تريد تغيير عقيدة الجيش المصرى، وأن يكون للجيش عقيدة سياسية أو دينية معينة لينقسم الجيش وتخرب مصر، ولكن هذه المحاولات فشلت. ليؤكد المسلسل من خلال وزير الدفاع حين ذاك أن أصول الجيش تقتضى عدم تدخل جماعة الإخوان المسلمين فى أمور لا تعنيهم، حيث كانت وجهة نظر الرئيس «السيسى» أن هناك رئيسًا للدولة، والذى يعتبر رئيسًا إلى كافة المصريين سواء كانوا من الإخوان أو غيرهم. ومن المشاهد المهمة التى أظهرت الصراع بين عبدالمنعم أبوالفتوح والإخوان، عندما عرض تسريبًا لمرشح الرئاسة السابق عبدالمنعم أبوالفتوح، متحدثًا خلاله عن رفضه لسيطرة جماعة الإخوان المسلمين على مؤسسات الدولة، قائلًا، لو حضراتكم ما خفتوش من سيطرة الإخوان.. يبقى مش بتخافوا على مستقبل مصر.. ودا مش طبيعى، إن الجيش يبقى غايب عن مستقبل مصر.. أنا لو اختار بين الإخوان وبينكم هدى صوتى لأى حد فيكم بمم فيهم المشير «طنطاوى». وفسر موقف الجماعة الإرهابية من أبوالفتوح تسريب آخر فى إحدى الحلقات عندما ظهر مرشد الجماعة الإرهابى محمد بديع وبجانبه الإرهابى محمد مرسى الرئيس المعزول، وهما يتكلمان عند عبدالمنعم أبو الفتوح فى فترة ترشحه للرئاسة، ليبدو جليًا الانشقاق الذى كان حادثًا بين قيادات الجماعة وبين عبدالمنعم أبوالفتوح. ومن أهم النقاط التى أوضحها المسلسل كانت علاقة الجماعة بالسلفيين، فكان تصريح المرشد محمد بديع عن السلفيين، حيث وصفهم فى التسريب بأنهم شراذم. ومن المعروف أنه قبل انتخابات الرئاسة عام 2012 أن السلفيين اختاروا «أبو الفتوح» فى المرحلة الأولى مِن الانتخابات. ولإظهار أن المصالح بينهما تتصالح على حساب الوطن أظهر المسلسل حصار السلفيين لمدينة الإنتاج الإعلامى، بسبب هجوم الإعلام على الرئيس المعزول محمد مرسى، وهنا تدخَّل وزير الدفاع عبدالفتاح السيسى ليتحدث مع «مرسى» تليفونيًا، ويشدد على أن ذلك غير لائق، ولابد أن ينفضَّ ذلك الحصار بأسرع وقت، وإلا سيتم التعامل معهم بحزم وقوة. وتابع «السيسى»: «مينفعش إعلاميين بلدنا يتحاصروا ويتروَّعوا بالشكل دا، فمن فضل حضرتك الحصار دا لازم يتفك». واكتملت الصورة بحازم أبوإسماعيل متحدثًا عن الإخوان: «فاكرين نفسهم أذكى من الكل وده طالع يقولك حوار وطنى وندعو الجميع». يبلغ مفتى الجماعات المتطرفة عمر رفاعى سرور، أبوإسماعيل أن «التيار السلفى كلهم عارفين ومتأكدين أن الإخوان مرحلة انتقالية لوجودك وأن سياسة مسك العصاية من النصف لن تدوم كثيرًا». ويقول سرور لحازم: «من سيكون لها سوى أسد لا يخشى فى الحق لومة لائم». ويكون رد حازم: «لازم الناس تشوف ده على الأرض ويعرفوا أن لنا حشد وثقل من غير ما نخرج ونشق الصف». وعن كواليس علاقة الجماعة بإسرائيل تضمن المسلسل تسريبًا خطيرًا لنائب مرشد الإخوان خيرت الشاطر، إذ ظهر وهو يتحدث بشأن علاقة الإخوان بإسرائيل، ولافتًا إلى أن الإخوان لا يريدون أن يذهب المصريون لمحاربة إسرائيل، مؤكدًا أن القيادات فى الجماعة تواصلت مع خالد مشعل القيادى فى حماس، مطالبين إياه بإصدار بيان بهذا المضمون. وقال «الشاطر» فى حديثه: «لو حصل ثورة جياع فى خطر على مصالحكم وعلى مشروع إسرائيل.. مش عاوزين فوضى مش عاوزين تخريب، ولا حتى ضد مصالحهم، إحنا مش فى حرب مع حد». والحقائق تؤكد أن جماعة الإخوان استفادت من القضية الفلسطينية من خلال تنظيم مؤتمرات بزعم دعم القضية، وجمع التبرعات لصالح التنظيم، مشيرًا إلى أن الوقائع التى كشفتها أجهزة الأمن المصرية منذ العام 1948 وحتى الآن تؤكد أن جميع الأعمال الكبرى التى يتفاخر بها قادة الجماعة لم تكن حقيقية بل بطولات وهمية، تهدف إلى كسب الشعبية. ومن أهم التسريبات التى لعبت دورًا فى المسلسل تسريب عن البرادعى ليفهم الناس علاقته بهم وأنه منذ قدم إلى مصر لم يكن لديه هم سوى الوصول إلى السلطة، فالتسريب عبارة عن لقاء جمع الرئيس محمد مرسى، ونائب مرشد الجماعة الإرهابية خيرت الشاطر عن الانتخابات الرئاسية. وقال مرسى فى مقطع الفيديو: «قالوا البرادعى زعلان على موضوع رئاسة الوزراء.. البرادعى كان هيموت على رئاسة الوزراء. يعنى حضرتك فاكر اتصل بينا مرتين فى نفس اليوم ياعم مش إحنا اللى واقفين.. قال خلاص قُلهم إنكم مش واقفين قُل إن ليس لدينا مانع، طب هى رئاسة الوزراء مهمة للدرجة دى؟». يقول خيرت الشاطر: «دى ادتله رسالة الإخوان مش هيدوله فى انتخابات الرئاسة.. وهو كان بيراهن على غير كده». «مرسى»: عمرنا ما قُلنا له هنديلك. خيرت الشاطر: «التصويت كتلته 60/70 باتجاه الإسلاميين فرص نجاحه ضعيفة، فقرر الانسحاب بشرط، ونوع من الضغط جايز الناس بتحب الضحية حد بيتعاطف معاه الطريقة الأمريكانى يعنى. «مرسى»: عمر ما حد قالُّه كلمة. ووسط هذا الكم من التسريبات التى كانت بمثابة الجزء الوثائقى بالمسلسل تجىء الدراما لتطرح حقائق أخرى عن نجاح قوات الأمن الوطنى، فى القضاء على الإرهابى كريم بديوى، قائد خلية مدينة نصر، التى كانت تخطط لأعمال تخريبية فى البلاد. البديوى عضو التنظيم الإرهابى لخلية مدينة نصر خطط مع خلية مدينة نصر لارتكاب عمليات إرهابية ضد منشآت الدولة الحيوية، وتأسيس وإدارة جماعة على خلاف أحكام القانون، والدعوة إلى تعطيل أحكام الدستور والقوانين، ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها، والإضرار بالوحدة الوطنية، والسلام الاجتماعى. وتضمنت الاحداث الدرامية دخول الأسلحة الى مصر وتوزيعها على الخلايا الإرهابية التابعة للعنصر الأجنبى من خلال شخصية «الغراب»، إذ أصدروا تعليمات بمنع اعتراض أو تفتيش «كونتينر» السلاح لحين وصوله إلى المكان المتفق عليه. وتحريات المخابرات العامة، بشأن مخطط القيادى الإخوانى صفوت حجازى القيادى، والدكتور أحمد عبدالعاطى مدير مكتب الرئيس المعزول محمد مرسى، حول استيراد الأسلحة. واكتشفنا حقيقة تعليمات من الرئيس المعزول مرسى وجماعته لمسئولى البترول لتوريد السولار والبنزين لغزة وتصل القيمة المورده عبر أنفاق التهريب الى ربع إنتاج مصر تقريبًا من الوقود. وتعليمات غير مكتوبة لتنفيذ توجيهات مكتب الإرشاد والرئيس المعزول لتهريب السولار والبنزين برفح إلى قطاع غزة واكتشاف أماكن الإنفاق التى حفرت تحت الأرض بطريقة غير شرعية لتهريب المواد البترولية إلى حماس. المعروف أن مرسى أعطى تعليمات لشريف هدارة وزير البترول بضخ كميات تصل إلى 14 ألف طن بنزين لغزة يوميًا فى حين استهلاكهم ألفين طن فقط والباقى كان يباع فى إسرائيل وتحصد حماس الملايين. ومن نقاط قوة المسلسل فى هذا الجزء ياسر جلال الذى جسد شخصية الرئيس عبدالفتاح السيسى، بدقة نغمة الصوت بدون تدخل تقنيات صوتية، نتيجة للتدربت عليها كثيرًا، إلى جانب دور الماكيير أحمد مصطفى فى المقاربة فى الشكل. ومن الأهمية بمكان عدم الاستغراق فى مشاهد خاصة للرئيس إلا فى حدود إظهار ملامح الشخصية من الناحية الإنسانية وهو ما اتبع مع باقى الشخصيات الحقيقية فى المسلسل، لأن هذا العمل يقترب منهم كشخصيات عامة اتخذت قرارات مصيرية. ويبدو من أداء أحمد بدير لشخصية المشير طنطاوى إلمامه بتفاصيل الشخصية التى تتميز بالهدوء والتفكير قبل اتخاذ القرار. ولعب صبرى فواز دور محمد مرسى بكل تردده وشخصيته الضعيفة أمام خيرت الشاطر، وظهر كم هو تابع ولا يملك القدرة على اتخاذ القرار. وقدم من قبل فواز شخصية بن لادن، الحامولى، محمد حسنين هيكل، وبليغ حمدى. أداء خالد الصاوى لشخصية خيرت الشاطر فى المسلسل اعتمدت على إظهار طبيعته الحادة الانفعالية وأنه أقرب إلى الاستفزاز فى مناقشاته. وهناك شخصيات خيالية مبنية على المزج بين عدة شخصيات حقيقية لتخلق البعد الإنسانى لبعض أسر الضباط ومنهم شخصية كريم عبدالعزيز وأحمد عز وأحمد السقا. أحمد عز «مروان» فى الاختيار، ضابط بالمخابرات العامة، شخصية قيادية تم تقديم من خلاله ما حدث فى محاصرة المحكمة الدستورية، حيث أظهر المسلسل أن والده أحد المستشاريين ولعب دوره خالد ذكى. جسد أحمد السقا شخصية ضابط المخابرات الحربية مصطفى خليفة القائم المسئول عن كشف العديد من العمليات التكفيرية فى سيناء، ومنها عملية رفح الإرهابية التى راح ضحيتها 16 مجندًا مصريًا، ويمزج ذلك بآلامه الشخصية مع مرض زوجته فاطمة «هيدى كرم» والمعاناة التى يعيشها بعد وفاتها تاركة له مسئولية ابنه. ويستكمل كريم عبدالعزيز دور زكريا ضابط الأمن الوطنى والذى بدأ معه من الجزء الثانى. ويركز المسلسل على تعاون كريم عبدالعزيز، مع أحمد السقا «مصطفى خليفة»، وأحمد عز «مروان العدوى»، ولمناقشة أوضاع البلاد داخليًا وخارجيًا. ومسلسل الاختيار قام بكتابته هانى سرحان الذى قدم من قبل الجزء الثانى، بينما بيتر ميمى يقوم بالإخراج. ويشارك فى الجزء الثالث النجم أحمد عز وكريم عبدالعزيز، أحمد السقا وصبرى فواز، أحمد بدير، خالد الصاوى عبدالعزيز مخيون.