الموضوع باختصار هو الموقف من " قتل بن لادن " . وربما لا يكون موقفي من الإرهاب بحاجة لتوضيح ، لكني أوضحه مع ذلك: أنا ضد الإرهاب خاصة المقنع منه بكسوة دينية . لكني أيضا وبوضوح ضد الإرهاب الأمريكي الاستعماري خاصة المقنع منه بكسوة الديمقراطية وحقوق الإنسان . أما عن مقتل بن لادن ، فإنني أقول: إني أستغرب أن يهلل الكثيرون لذلك الحدث بصفته "انتصارا" . أفهم أن يدعي الغرب الاستعماري (واشنطن ، ولندن ، وباريس ، وغيرها) أن ذلك "انتصار" . لكن لماذا نتصور نحن ذلك؟ سيجيب البعض: لأن بن لادن إرهابي . وأقول لهم: نعم بن لادن إرهابي ، وإذن أنتم فرحون باستئصال "ذلك الإرهاب" ؟ سيجيبون: نعم نحن فرحون باستئصال ذلك الإرهاب. وأقول: مقتل بن لادن عملية ذات طابع مزدوج، إذ إنها تشتمل على استئصال "إرهاب" بإرهاب آخر أكبر. وبالنسبة لي، فإني لا أستطيع أن أبارك لمائة جنيه مزورة ، حين تبتلع جنيها مزورا. ولا أستطيع أن أبارك لمدفع كبير حين يقصف مدفعا صغيرا. و لا أستطيع أن أبارك لسكين مشحوذة طويلة وهي تكسر سكينا أخرى أصغر . لأنني في الحقيقة – حين أسعد بمقتل بن لادن - أكون قد وقفت "ضد الإرهاب ومع الإرهاب" في الوقت ذاته الذين سرهم مقتل بن لادن، فاتهم أن أمريكا هي التي صنعته ، وأن "صناع الإرهاب الكبار" خاضوا معركتهم ضد أنفسهم . كنت سأسعد كثيرا، لو أن المجتمع الأفغاني ، أو الباكستاني ، كان قد تطور وملأت أنوار العلم والثقافة سماءه بحيث يعزل بن لادن عن أي تأثير . أما أن يقوم " المجرم الكبير "بتصفية"مجرم صغير" ، فليس في ذلك ما يسعدني، لأن تلك الحقيقة لا تنطوي على عناصر تقدم المجتمعات ، بل على حقيقة انتصار الشر الأكبر على شرور صغيرة والإعجاب بذلك الانتصار إعجاب بالشر الأكبر في نهاية المطاف. لا . لست سعيدا بمقتل بن لادن. وأظن أن المطلوب، كان، ومازال هو إجبار أمريكا وغيرها على التخلي عن سياستها الاستعمارية، وعلى الخروج من أفغانستان والعراق وفلسطين وعلى الكف عن عمليات اغتيال القادة في العراق وليبيا وغيرها، بحيث تتمكن تلك المجتمعات من مواجهة واستئصال شأفة الإرهاب بكل أنواعه . . لا ، لا أستطيع أن أبتهج بمساحة ضخمة من الحرائق تنتشر فتبتلع في طريقها حريقا صغيرا! إنك لا تستطيع في وقت واحد أن تدين منهج الإرهاب وأن تؤيده في نفس الوقت. أقول : لا، لست ممن أسعدهم مقتل الإرهابي بن لادن بأيدي الإرهاب الأمريكي. لا أجد نفسي في ذلك . ولن يقودني أحد إلي الوقوف كتفا بكتف إلي جوار الإرهاب الأكبر لأحتفل بمصرع إرهاب صغير . فما الذي يمكن أن يسعدني حينما تعدم أمريكا بضاعتها التي صنعتها ؟ ثم تواصل طريقها لتقدم لنا المزيد من الإرهابيين، والطغاة المحليين ، وترسخ الاحتلال والتدمير بحثا عن النفط؟ * كاتب مصري