توصيات محمود محيى الدين للحاق بالدول المتقدمة والقضاء على الفقر أغنى 10% فى العالم العربى يحوزون 61% من الدخل ولا بد من التصدى لتغيرات المناخ زيادة الاعتماد على الميكنة يهدد مستقبل الوظائف.. ولا بد من تطوير الإنتاجية الزراعية تظل قراءة القادم فضيلة غائبة عن مجتمعاتنا العربية خاصة فى مجال الاقتصاد، وما يتضمنه من مصطلحات وتفسيرات ورؤى متناقصة وغير مكتملة الوضوح يصعب للمواطن العادى، غير المتخصص فى الاقتصاد استيعابها. من هنا يكتسب الكتاب الأحدث للدكتور محمود محيى الدين، المدير التنفيذى وممثل مصر والدول العربية فى صندوق النقد الدولى، وأستاذ الاقتصاد الذى يحمل عنوان «فى التقدم.. مربكات ومسارات» أهمية قصوى نظراً لما يقدمه من إضاءات وتحليلات عميقة بلغة سهلة تناسب غير الأكاديميين لأهم تحديات التنمية وتوقعات الاقتصاد فى العالم، ومن بينه عالمنا العربى. والكتاب الذى صدر قبل أيام عن دار الشروق فى 358 صفحة تضمن تسعة فصول حمل الأول عنوان التنمية والتقدم، وناقش تغيرات وتحولات مفهوم التنمية عبر الزمان ومستقبلها فى العالم، بينما حمل الفصل الثانى عنوان «المربكات الكبرى» وقد ركز على أهم التحديات التى تواجه عملية التنمية فى العالم. وخصص المؤلف الفصل الثالث عن جائحة كورونا وآثارها المركبة على الاقتصاديات العالمية، بينما تناول فى الفصل الرابع فرص وتحديات العصر الرقمى، وتحدث الفصل التالى عن تطورات الاستثمار وخدع الأسواق، ثم تناول الفصل السادس مستجدات الاقتصاد الدولى، وتحدث الفصل السابع عن اقتصاد العرب، ثم تناول الفصل التالى إدارة الأزمات الاقتصادية، وتخصص الفصل الأخير فى اقتصاد عموم الناس. ولا شك أن إطروحات الكتاب وتصورات المؤلف واستخلاصاته تثير لدى متابعى برامج التنمية والاقتصاديين فى العالم العربى جدلًا واسعًا فى ظل مشاريع عظيمة فى كثير من الدول العربية للتنمية، منها المشروع المصرى للتنمية الذى يرفع شعارًا لافتًا هو «بناء الجمهورية الجديدة»، فطموحات القيادة السياسية لمصر تتجاوز مشروعات وأطروحات وتجارب سابقة، تستهدف تحسين مستوى الحياة وتحقيق النهضة على كل المسارات. وكما يقول الدكتور محمود محيى الدين فى مقدمة كتابه «فإن الأمم فى سباق مستمر لا يتوقف لحظة واحدة، فالسباق نفسه لا يعنى أحد من يتقدم أو يتأخر ولا يكترث بمن يصمد فيه أو يترنح» ذلك لأنه لا مجال للصدارة لمن يتخاذل أو يكتفى بلوم قواعد اللعبة أو التنديد بما يكون فيها من غبن أو تلاعب. لقد كانت الدول الغربية تظن أن التقدم حكر عليها وحدها، غير أن العقود الأخيرة كشفت أن دول الشرق قادرة على اللحاق بماراثون التقدم والتنمية، وأن كل دولة يمكنها المشاركة ما امتلكت الإرادة والرغبة فى ذلك. لقد تبدل مفهوم التنمية وتطور عبر الزمن وصولًا لوضع تعريف أشمل لأهداف التنمية المستدامة فى 2015 وهى أهداف تجاوزت المتعارف عليه من أرقام ومؤشرات، وركزت بشكل أكبر على الإنسان، نظراً لما استجد من تغيرات عالمية، لافتة كان أبرزها زيادة الأعمار، وهو ما يفرض أنفاقاً أعلى على الرعاية الصحية والخدمات الاجتماعية. فضلًا عن الحاجة لتوفير نحو 500 مليون فرصة عمل جديدة حتى سنة 2030 فى الدول منخفضة ومتوسطة الدخل، فى ظل منافسة الميكنة للإنسان فى كثير من الأعمال التقليدية. ويرى الدكتور «محيى الدين» أن أحد التحديات الكبرى التى تشكل متغيراً عالمياً هو زيادة موجات النزوح إلى الحضر دون تنظيم، فوفقاً لدراسات مؤكدة فإن 55% من سكان الدول النامية سيعيشون فى المدن فى سنة 2030، ومن المتوقع أن يعيش نحو مليارين من البشر فى أحياء فقيرة وعشوائيات. وكل ذلك يتطلب ضخ استثمارات كبيرة فى تطوير البيئة ورفع الإنتاجية الزراعية. ويشير مؤلف الكتاب إلى أن أعداد المواطنين الذين يعانون الفقر الحاد فى العالم العربى ارتفعت إلى 18,6 مليون مواطن، وهو ما يستلزم إنفاقاً أكبر لمكافحة الفقر وتحقيق التنمية من خلال الاستثمار فى رأس المال البشرى من خلال التعليم والتدريب والرعاية الصحية وتطوير نظم الضمان الاجتماعى، فضلاً عن الاستثمار فى رأى المال المادى والبنية الأساسية والتكنولوجية المتطورة الدافعة للنمو، خاصة فى مجالات الاقتصاد الرقمى وشبكاته ومنصاته الإلكترونية وتطبيقات الذكاء الاصطناعى. إلى جانب الاستثمار فى التصدى لتبعات تغيرات المناخ والتقلبات الشديدة فى الطقس والكوارث الطبيعية. وفى رأى المؤلف إن هذه الاستثمارات لن تحدث فى غياب سياسات عامة منضبطة جيدة التصميم والتنسيق بين مكوناتها. وما يلفت نظر الاقتصادى العالمى بشأن استهداف الدول العربية للتنمية المستدامة أن أحد أهم الأمور الضرورية أن يكون هناك تنسيق واضح فى السياسات الخاصة بالتنمية بين مختلف المؤسسات المسئولة عن ذلك. ولما كانت قضية توفير البيانات واحدة من مشكلات كثير من البلدان العربية، خاصة أن بعض المؤشرات لم يتم وضع منهجية لتحديدها، فإنه يؤكد أهمية توفير لبانات كمية ونوعية لما يقرب من 230 مؤشراً من مؤشرات التنمية. ويقول أيضاً إن محلية التنمية هى السبيل لتحقيق الأهداف العالمية إذ إنه لا فائدة لعموم الناس من برامج كبرى للتنمية وطموحات للمستقبل القريب أو البعيد دون أن يستشعر الناس تحسناً فعلياً فى الخدمات الأساسية كالتعليم والصحة والنقل وتحسن مستويات المعيشة. ورغم النظرة الموضوعية للفرص المتاحة أمام العالم العربى فى تحقيق التنمية، فإن الرجل لا يغيب عنه أن يلاحظ ما يمثل بعض النقائص الخاصة بتحقيق العدالة مثلما هو حادث فى توزيع الدخل، إذ يؤكد بعبارة واضحة وصريحة أن العالم العربى هو الأسوأ فى توزيع الدخل وفقاً للمؤشرات الرقمية المعلنة. ففى الدول العربية يستحوذ أغنى 10% من السكان على 61% من الدخل القومى، بينما نجد فى أوروبا أن ال10% الأغنى لا يتجاوز نصيبهم من الدخل 37%. كذلك فإن العالم العربى يعانى جراء أكبر نسبة بطالة إذ يصل متوسط المؤشر فى 2019 إلى نحو 10,6%. وبشكل عام، إن الرجل يشير إلى أن العالم العربى يحتاج لنحو 230 مليار دولاراً لتحقيق أهداف التنمية وفقاً لأرقام 2019. ويعرض فى مقال خاص تصوراته عن سبل تمويل التنمية من خلال سبعة محاور أهمها تعبئة الموارد المحلية بكفاءة وإنفاقها بفاعلية، وإشراك القطاع الخاص المحلى فى تمويل عملية التنمية، والاستفادة من الاستثمارات الأجنبية، إلى جانب زيادة المساعدات الإنمائية الرسمية عالمياً وزيادة نصيب العالم العربى فيه. ويقدم الدكتور محمود محيى الدين تصوراً واضحاً عن آثار التحولات الرقمية على بيئة العمل ومستقبل الوظائف فى العالم، كما يستعرض فى تحليل حديث الأوضاع المالية للمرأة فى الدول النامية والعالم العربى، ومستقبل وظائفها وتطور نصيبها من الثروة والدخل والنتائج المترتبة على تحسين أوضاعها على بنية المجتمعات.